مؤيدو نتنياهو: الجبناء، الكسالى والحمقى
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

•المفارقة الأكثر إثارة للذهول التي برزت بعد نشر الشرطة ملخصات عن التحقيق مع بنيامين نتنياهو كانت الفجوة بين ثقة الجمهور بما جاء في استنتاجات الشرطة وبين الثبات الذي لا يتزعزع في وضع نتنياهو في رئاسة الحكومة وحزب الليكود. وهذا ما يعني أن استنتاجات الشرطة لم تؤد إلى منعطف دراماتيكي في نظرة جزء كبير من الجمهور إلى رئيس الحكومة، الذي لا يزال بحسب استطلاعات الرأي يحظى بأكبر دعم بين زعماء الأحزاب في إسرائيل.

•انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي مباشرة بعد أن اتضحت هذه الصورة الانتخابية، مقطع من مقابلة مع الكاتب أتغار كيرت نشرتها "غلوبوس" في نيسان/أبريل 2016، يروي فيها الكاتب حديثاً أجراه مع سائق سيارة عمومية مجهول الهوية قال له: "لنختصر الحديث. لو دخل بيبي إلى منزلي في منتصف الليل من النافذة واغتصب ابنتي، سأظل أصوّت لبيبي".

•كتب الفيلسوف كانط في إحدى مقالاته، أن السبب الأساسي الذي يجعل كثيراً من الناس يفضلون البقاء طوال حياتهم في حالة من عدم النضج، ويسمحون بسهولة غير مفهومة للآخرين بالتحول إلى أوصياء عليهم، يستند إلى ثلاثة مكونات: الجبن والكسل والحماقة. وأسباب التأييد غير المنطقي لرئيس حكومة متهم بكثير من قضايا الفساد، واستفزازي، ومحرض، وأخطر من تولى رئاسة السلطة في إسرائيل، يجب البحث عنها في تفسيرات تعود إلى اعتبارات لا تتسم بالعقلانية لدى الناخب، والتي على أساسها يقرر منح تأييده لهذا السياسي أو لغيره. والمقصود دوافع تنبع من مصادر مختلفة تماماً.

•ما هي الأسباب التي تجعل كثيرين بهذا المقدار يواصلون السير وراء زعيم بذل في السنوات الأخيرة جهداً لأن يحول الحكم في إسرائيل إلى حكم توتاليتاري؟ كيف استمروا في تأييدهم لرجل يحاول تفكيك مؤسسة القانون والقضاء، وقمع وسائل الإعلام المستقلة النقدية وإخضاعها لنزواته ونزوات زوجته، وحوّل إسرائيل إلى دولة تمتزج فيها مصالح أقطاب المال بالمصالح الشخصية للسياسيين؟ يبدو أن علينا البحث عن الإجابات في دائرتي التاريخ وعلم النفس الاجتماعي. 

•السبب الأول هو انعدام اليقين الوجودي في إسرائيل. تشكل المقاومة العنفية الفلسطينية والأزمات الأمنية التي تخلقها "حماس" وحزب الله وإيران وقائع ثابتة في الوضع الراهن الإسرائيلي. في زمن عدم اليقين يسير الناس وراء زعماء تبدو صورتهم قوية. وهذه الصورة لا تستند بالضرورة إلى أفعال قام بها الزعيم فعلاً، أي لا علاقة لها بمسألة ما إذا بادر إلى عمليات عسكرية جريئة، أو تصدى لضغوطات دولية من أجل المحافظة على مصالح الدولة. 

•المهم هو قدرة هذا الزعيم على انتهاج "زعامة مُوجِّهة". هذا المصطلح درسه ثلاثة باحثين من جامعة كليرمونت في الولايات المتحدة ومن جامعة روتردام. درس هؤلاء الباحثون زعامة جورج بوش (الابن) بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، زعيم بدت صورته وكأنه يعرف أكثر من الآخرين الطريق ويعرف كيف يمكن التقدم فيها، بالإضافة إلى قدرته على اقتراح جدول أعمال واضح وقاطع. لقد كان جورج بوش أحد أكثر الرؤساء البائسين في تاريخ الولايات المتحدة خلال المئة سنة الأخيرة (الرئيس الحالي هو بالتأكيد أكثر بؤساً منه)، وقد أقام عالمه وسنوات رئاسته على رسالة مفادها أنه يؤمن "بأن الواجب المطلق للرئيس الأميركي هو الدفاع عن الشعب الأميركي، وإذا ظهرت أميركا غير واثقة أو ضعيفة، فإن هذا سيودي بنا إلى مأساة، وهذا لن يحدث خلال ولايتي". وفي وضع من عدم اليقين يدعم الجمهور "زعامة موجهة" استبدادية تمتاز بأربع ميزات: زعامة تظهر قدرتها (حتى لو كانت وهمية) على أنها تتخذ بصورة مستقلة كل القرارات المهمة؛ زعامة تبثّ رسالة أنها منشغلة بتحقيق المهمات الوطنية، ولا تهتم بالأمور التافهة (من نوع السيجار والشمبانيا)؛ زعامة على الرغم من شعبويتها تعرف كيف تحافظ على مسافة من الجمهور ومن مؤيديها، للمحافظة على مقامها الرفيع الأعلى من الجمهور؛ زعامة تخلق وتحافظ على الحوافز من خلال تهديد دائم بأن كارثة ستنزل بالأمة إذا سقط الزعيم، أو من خلال تقديم مكافآت بطرق غير سليمة لأصحاب قدرات في استطاعتهم تقديم أدوات للمحافظة على قوته.

•زعامة نتنياهو هي بدقة كذلك. فهو يبثّ رسالة دائمة يستعرض فيها قدراته التي تفوق قدرات جميع السياسيين الآخرين في إسرائيل لأن يكون "زعيماً موجهاً" في مواجهة الخطر الإيراني وفروعه في لبنان أو في غزة. وكما يقول كانط، الخوف يلعب هنا دوراً مركزياً في عدم رغبة مئات آلاف الإسرائيليين الانفصال عن وصاية نتنياهو الدفاعية.

•تتضافر المخاوف الوجودية التي تغذي التأييد الصلب لنتنياهو بالكسل الفكري النقدي. ومن المعروف على سبيل المثال، أن الضائقة الاقتصادية تغذي المواقف السلبية حيال الأقليات والمهاجرين، وبصورة خاصة إذا بدا أن تلك الأقليات تنافسهم بشأن موارد الدولة الآخذة في التناقص. لذا يمكن الافتراض أن تأييد نتنياهو لدى الطبقات الاجتماعية التي تعاني جرّاء صعوبات حياتيه ناجم أيضاً عن الوضع الاقتصادي الصعب، وبسبب سياسة طرد اللاجئين.

•لكن توجد هنا مشكلة معينة: الوضع الاقتصادي في إسرائيل هو الأفضل بين دول الغرب. معدل البطالة فيها منخفض، والاستقرار الاقتصادي ليس موضع شك. وتُعتبر إسرائيل نموذجاّ معروفاً في الأبحاث السياسية الذي تصعد فيه قوة اليمين الشعبوي الموجّه الذي يقوده حاكم يتطلع إلى الاستبداد على الرغم من استقرار الوضع الاقتصادي. هذا ما كان عليه الوضع في إيطاليا مثلاً أيام حكم برلسكوني، وهذا هو الواقع اليوم في بولندا وهنغاريا.

•هذا يعني أن العامل الذي يدفع نحو التأييد غير المشروط لنتنياهو ليس المنافسة مع طالبي اللجوء من الأفارقة بشأن أمكنة العمل والموارد، بل الكسل الفكري النقدي. إن مشكلة مؤيدي نتنياهو أنهم لم يتوصلوا إلى الاستنتاج بأن المهاجرين ليسوا هم الذي يكبحون قدرتهم على تحسين وضعهم، وأن وجود المهاجرين ليس هو ما يمنعهم من فرصة حياة أفضل، بل سبب ذلك هو  الزعيم الذي يؤيدونه. 

•من هم الحمقى بحسب تعريف كانط؟ يبدو أن هذا الوصف ينطبق بصورة خاصة على مجموعة المتملقين التي تحيط برئيس الحكومة. إن هذه المجموعة المتشابكة مع بعضها البعض من الحمقى التي تدفع قدماً بمصالحها الشخصية السياسية، بالإضافة إلى جمهور كبير لا يجد سبيلاً لمواجهة ضائقته، هو الذي يبقي نتنياهو في صورة الوصي و"الزعيم الموجّه". 

 

•إن الشعب ليس المشكلة وليس على خطأ. إسرائيل بحاجة إلى سياسيين مسؤولين ونزهاء ليوقفوا الجنون، وكي يدلّوا نتنياهو على أسرع طريق إلى الخارج.