معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•قرار الرئيس دونالد ترامب المتعلق بتجميد ثلث مساعدة الولايات المتحدة إلى الأونروا أعاد إلى جدول الأعمال موضوع هذه المنظمة التي يثير جوهر وجودها وعملها انتقادات حادة في إسرائيل. والأونروا هي منظمة إغاثة للاجئين أُنشئت في سنة 1949، بعد حرب التحرير [حرب 1948]، كي تهتم بصورة حصرية باللاجئين الفلسطينيين.
•منذ 70 عاماً تُعتبر مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، مثل مشكلة القدس، العقبة الكأداء المركزية في حل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. وبالنسبة إلى الفلسطينيين الذين تربوا على ثقافة النكبة، فإن تقديم تنازلات في قضية اللاجئين هو كالمسّ بالهوية الوطنية الفلسطينية.
•يًقدّر عدد اللاجئين الفلسطينيين الذي اقتُلعوا من منازلهم، خلال حرب 1948، بـ 720.000 نسمة، سكنت أغلبيتهم في مخيمات للاجئين في كل من الضفة الغربية، وقطاع غزة، والأردن، ولبنان، وسورية. وبحسب أرقام الأونروا يبلغ عددهم اليوم أكثر من خسمة ملايين ونصف المليون نسمة. وبحسب إجراء متبع ومتجذر في الأونروا، يُعتبر جميع أحفاد اللاجئين لاجئين أيضاً. وحتى حصولهم على جنسية دولة أُخرى مثل الأردن، لا يمس بوضعهم كلاجئين. والمغزى من هذه الفكرة هو أن عودة هؤلاء اللاجئين وأحفادهم إلى وطنهم، هي فقط التي تلغي وضعهم هذا. وفي المقابل، فإن مطالبة الفلسطينيين بـ"حق عودة" اللاجئين إلى وطنهم، هي خط أحمر بالنسبة إلى دولة إسرائيل. ويحظى هذا الموقف بدعم كبير من الأغلبية الساحقة من مواطنين إسرائيليين، ينتمون إلى جميع الأطياف السياسية، لأن عودة الفلسطينيين بأحجام كبيرة إلى حدود دولة إسرائيل تحمل دلالات بعيدة المدى تتعلق بطابع الدولة. لكن جميع محاولات دولة إسرائيل طوال هذه السنوات لتغيير هذا الإجراء المتبع، وإلغاء الأونروا كهيئة مستقلة، وتحويلها إلى منظمة أممية للاجئين، تهتم بسائر اللاجئين في العالم، لم تنجح. ويعود هذا بصورة أساسية إلى موقف الدول العربية، ومفاده بأن أي تغيير من هذا النوع لن يسمح بإعطاء أحفاد اللاجئين الفلسطينيين وضع لاجىء، الأمر الذي سيضعف الموقف الفلسطيني في المفاوضات.
•تفرض التطورات والاضطرابات الاجتماعية – السياسية، التي حدثت في الشرق الأوسط منذ سنة 2011 إعادة فحص مشكلة اللاجئين أيضاً.
•أولاً، اتساع نطاق ظاهرة اللاجئين من الشرق الأوسط وأفريقيا التي ألقت بظلها على خصوصية ظاهرة اللاجئين الفلسطينيين. ويجري الحديث، حالياً، عن نحو 60 مليون نازح، بينهم 17 مليون لاجىء، نصفهم تحت سن الـ 18. وتتحمل مسؤولية هؤلاء اللاجئين المفوضية السامية للأمم المتحدة المختصة بشؤون اللاجئين ((NHCR، وقسم منهم في طريقه إلى أوروبا. وهذه الحركة لها أهمية بعيدة المدى على الصعيد الاقتصادي، والأمني، والسياسي، والرسمي لجميع دول العالم.
•على هذه الخلفية، يُنظر إلى مشكلة اللاجئين الفلسطينيين كتعبير عن تقصير مستمر من الدول العربية، وإسرائيل، والمجتمع الدولي، وعن عدم نجاحهم في فصل حل هذه المشكلة عن مشكلة التسوية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين. وعلى الرغم من الضائقة المستمرة للاجئين، فإن الموضوع لا يزال يُعتبر ورقة مقايضة مركزية للفلسطينيين في مفاوضات السلام بينهم وبين إسرائيل. ومع ذلك، يبدو أن قيمة هذه الورقة التاريخية انخفضت مع ارتفاع أعداد اللاجئين في العالم، وعدم وجود حل للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني.
•مؤخراً، نُشرت أرقام جديدة تتعلق بعدد اللاجئين في لبنان. وبخلاف الأرقام التي تظهر على الموقع الرسمي للأونروا الذي يتحدث عن 526.700 لاجىء رسمي، فإن الإحصاء اللبناني يقدر العدد بـ 175.000. وقد جرى الإحصاء بمساعدة المكتب الفلسطيني المركزي للإحصاءات. وهذا الرقم مهم بحد ذاته، بسبب التوجّه المعروف لدى جهات فلسطينية نحو عدم التسرع في التقليل من أعداد اللاجئين.
•كان وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يُعتبر دائماً هو الأسوأ مقارنة بوضعهم في دول أُخرى، بسبب التمييز المتأصل الذي يمارَس ضدهم في هذه الدولة، ومن هنا الفهم بأن معالجته يجب أن تجري أولاً في إطار أي حل. وعندما جرى الحديث أيضاً عن عودة رمزية للاجئين إلى إسرائيل في إطار جمع شمل العائلات، جرى الحديث قبل كل شيء عن لاجئين من لبنان.
•تعزز الفجوة بين الأرقام الافتراض أن الأعداد التي تظهر في موقع الأونروا لا تعكس الواقع، لا في لبنان فقط، بل أيضاً في دول أُخرى. وهذا الافتراض يقوّض صدقية الأونروا التي اعتبرت دائماً في إسرائيل هيئة معادية موجودة في جبهة النزاع من أجل إدامة مشكلة اللاجئين إلى ما لا نهاية، وفي إثر ذلك المطالبة بـ"حق العودة".
•بالإضافة، سُجلت في السنوات الأخيرة موجة هجرة للاجئين من لبنان، ومن سورية إلى دول أُخرى، نتيجة الحرب المستمرة في الأخيرة. إن التغيرات الديموغرافية في لبنان، وخصوصاً الانخفاض الدراماتيكي في حجم اللاجئين الفلسطينيين في هذه الدولة، الذي معناه تراجع الخوف من المسّ بالتوازن الهش بين تركيبة سكان البلد، يمكن أن يسمح للحكومة اللبنانية بانتهاج سياسة أكثر تساهلاً فيما يتعلق بحقوق اللاجئين الفلسطينيين، وهذا ما سيؤدي إلى تخفيف الضغط للدفع قُدُماً إلى تسوية خاصة باللاجئين في هذه الدولة. وعلى الرغم من عدم وجود أرقام جديدة وموضوعية لأعداد اللاجئين الفلسطينيين في سورية، فإنه من المعقول الافتراض أن عددهم هناك انخفض كثيراً أيضاً، ولم تعد مشكلتهم هناك تحتل مركز الاهتمام بسبب اللاجئين في سورية والذين خرجوا منها.
•أدى استمرار قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى حدوث تغيرات في طريقة اندماجهم في الدول "المضيفة": بخلاف الرأي السائد، 40% فقط من الفلسطينيين يعيشون في مخيمات، 57% من سكان مخيم شاتيلا هم نازحون من سورية، و30% فقط هم فلسطينيون. كذلك، في الأردن الذي منح أغلبية اللاجئين الفلسطينيين الجنسية، وجزء كبير منهم لا يسكن في مخيمات اللاجئين بل في أحياء سكنية "عادية".
•بعد مرور 70 عاماً، وفي ضوء مسارات اجتماعية، وسياسية، واقتصادية، فإن اندماج اللاجئين الفلسطينيين في اقتصاد ومجتمع الدول المضيفة أمر لا مفر منه، لذا من الصعب المحافظة على وضع اللجوء إلى الأبد.
•لا نقصد بهذا الكلام القول إن موضوع اللاجئين لا يستحق الحل. لكن بعد مرور سبعة عقود، وفي ضوء التغيرات البعيدة المدى التي طرأت على الشرق الأوسط خلال هذا الوقت، ربما يجدر بنا الفصل بين معالجة هذه القضية المعقدة، وبين التسوية السياسية التي نتطلع إليها. إن مشكلة اللاجئين هي مشكلة وطنية فلسطينية، لكنها أيضاً مشكلة شخصية لمئات الآلاف من الفلسطينيين، وعدم تسوية الموضوع لا يجعلهم أكثر اعتدالاً.
•إن قرار الرئيس ترامب تجميد المساعدة المخصصة للأونروا من دون أي استعداد كما يجب، لتقديم الخدمات التي يحتاج إليها اللاجئون، كما يجري في قطاع غزة مثلاً، لا يساهم في الاستقرار والاعتدال في المنطقة. وفي مقابل ذلك، من المحتمل جداً، كما حدث أكثر من مرة في الماضي، أن تضطر دولة إسرائيل إلى دفع الحساب.