وثيقة محدّثة لاستراتيجيا الجيش الإسرائيلي تأخذ بالاعتبار التغيرات في الساحة الإقليمية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•ترى الوثيقة المحدثة لاستراتيجيا الجيش الإسرائيلي، التي جرى توزيعها في الجيش قبل حوالي شهرين، أن الساحة الفلسطينية هي الأكثر قابلية للانفجار بالنسبة إلى إسرائيل. على الرغم من ذلك، فإن في سلم التهديدات التي يستعد الجيش الإسرائيلي لمواجهتها، يأتي خطر الساحة الفلسطينية في الوثيقة الجديدة في المرتبة الثانية، من حيث الأهمية. يتقدم عليه في نظر هيئة الأركان العامة التهديد الناشىء من المحور الشيعي الذي تؤسسه إيران، والذي شمل في العامين الأخيرين سورية إلى جانب حزب الله في لبنان. أما التهديد الثالث من حيث الأهمية، بالنسبة إلى الجيش فهو المتمثل في التنظيمات الجهادية العالمية، وفي تنظيمات سنية متطرفة، وعلى رأسها القاعدة وتنظيم داعش.

•في صيف 2015، وبعد مرور نصف عام على تولي غادي أيزنكوت منصبه كرئيس للأركان، أنهى في خطوة غير مسبوقة صوغ الوثيقة الاستراتيجية، التي نُشرت نسختها غير المصنفة بأنها سرّية علناً. وأثارت هذه الوثيقة، حينذاك، نقاشاً واسعاً نسبياً وسط الباحثين والخبراء، وخصوصاً لأن رئيس الأركان تجرأ على التسلل إلى مناطق حساسة، مثل العقيدة الأمنية وأهداف الجيش الإسرائيلي القتالية، التي يستمر المستوى السياسي بالتهرب من معالجتها. عندما صدرت الوثيقة، رأى أيزنكوت أنه ستكون هناك حاجة إلى تحديثها بما يتلاءم مع التطورات الأمنية. وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، انتهى العمل على الصيغة المحدثة للاستراتيجيا، التي لم تُنشر علناً هذه المرة. وننشر فيما يلي، لأول مرة، مبادىء هذه الاستراتيجيا.

•بين التحديثات التي تضمنتها الوثيقة، تقسيم المنطقة إلى "مجموعات مواجهة" (التهديدات الموجهة إلى إسرائيل)، في مقابل "مجموعات تعاون" (دول صديقة أو تلك التي يمكن أن نقيم قدراً من التنسيق معها)؛ التشديد على الأهمية المتزايدة "للمعركة بين الحروب" التي تديرها إسرائيل ضد تعاظم قوة المنظمات الإرهابية، وتحليل طريقة استخدام القوة العسكرية، كدمج بين مقاربة الحسم في الحرب وبين مقاربة المنع والتأثير. ويشدد أيزنكوت على أن أكبر اختبار للجيش هو في تطبيق الاستراتيجيا، وإعداد الجيش للتحديات والعمل بحسب خطط متعددة. "هدفنا هو الدفاع والانتصار"، يكتب رئيس الأركان في مقدمة الاستراتيجيا الجديدة، التي وُزعت نُسخ منها داخل الجيش، وأُرسلت إلى أعضاء المجلس الوزاري المصغر، بعد عرضها على وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان.

•تتوقف الصيغة الجديدة أمام التعاون بين إسرائيل والدول المعتدلة في المنطقة والقوى العظمى العالمية، وفي طليعتها الولايات المتحدة. وتشدد على أن هدف عمليات الجيش الإسرائيلي المساهمة في تعزيز مكانة إسرائيل في الساحتين الدولية والإقليمية. وجاء في الوثيقة: "في نظرة إلى السنوات القادمة، ستتمتع إسرائيل بمكانة استراتيجية متينة وميزان إيجابي مقارنة مع أعدائها". والتوجهات التي تساهم في ذلك هي: التأييد الأميركي لإسرائيل، رفض التهديد النووي الإيراني، ضعف الدول العربية، انشغال دول المنطقة بمشكلاتها الداخلية، تبدُّد إمكان نشوء تحالف عربي يحارب إسرائيل، والتفوق العسكري الواضح لإسرائيل على أعدائها.

•يبرز في وصف التهديدات الأمنية هذه المرة دور إيران. النسخة الأولى من استراتيجيا الجيش الإسرائيلي جرت كتابتها على خلفية نافذة الفرصة الإقليمية التي برزت مع توقيع الاتفاق النووي، الذي نظر إليه رئيس الأركان نظرة أكثر تفاؤلاً من نظرة رئيس الحكومة. في النسخة الجديدة جرى التشديد على الدور السلبي لإيران في مجالات أُخرى: تأسيس محور نفوذ شيعي، وإمكان نشوء تهديد تقليدي خطر في المستقبل، من خلال انتشار ميليشيات شيعية على الحدود بين إسرائيل وسورية في الجولان. وجاء في الوثيقة أن تهديد المحور الشيعي آخذ في الازدياد. في مقابل ذلك، تبدو الساحة الفلسطينية هي الأكثر قابلية للانفجار. وبحسب الوثيقة سيكون لحركة "حماس" في غزة تأثير كبير في إمكان نشوء تصعيد في الضفة الغربية، وعلى الجيش الإسرائيلي الاستعداد لمواجهة سيناريو أكثر تطرفاً، مثل نشوب مواجهة مباشرة مع الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية، كما حدث في الماضي خلال عملية "السور الواقي" سنة 2002. وتذكر الوثيقة لأول مرة تهديد "المهاجم الفرد" الذي برز في موجة هجمات السكاكين التي بدأت في تشرين الأول/أكتوبر 2015، واتخذت بالتدريج أهمية أكبر بكثير من الإرهاب المنظم في المناطق [المحتلة].

•يشرحون في الجيش الإسرائيلي سبب تحديث الوثيقة الأساسية بالتغييرات التي طرأت منذ نشرها على الساحة الإقليمية. وبالإضافة إلى تعمق التدخل الإيراني في سورية، هناك أيضاً الوجود الروسي هناك (الذي بدأ بعد نشر الوثيقة الأولى)، وبناء العائق ضد الأنفاق على الحدود مع غزة، وتصاعد خطر داعش في سيناء.

•ويشير الجيش إلى تقدم العدو في عدة مجالات، بينها في دقة تصويب النار، وفي القدرة على إلحاق أضرار خطرة بالبنى التحتية في إسرائيل، وشراء سلاح متقدم يهدف الى تعطيل القدرة على المناورة البرية للجيش الإسرائيلي، وتنامي التهديد السيبراني من جانب "لاعبين كثيرين"، ومحاولات العدو خوض "حرب مجالها الوعي، والشرعية، والقانون". وتخلص الوثيقة إلى " توجّه مستمر ومتزايد  نحو نقل القتال إلى أراضينا".

 

•في المقابل، يشرح الجيش مبادىء عقيدة الأمن الوطني كالتالي: استراتيجيا أمنية دفاعية، هدفها حماية الوجود، وردع العدو، وتقليص التهديدات، وتأجيل المواجهات العسكرية بمقدار ما هو ضروري. هذه العقيدة العسكرية نفسها ستكون هجومية وقت الحرب، وستتمسك بالمبادىء التي وضعها ديفيد بن غوريون: الحاجة إلى نقل القتال إلى أرض العدو وتقصير أمد الحرب، من أجل العودة إلى وتيرة الحياة الطبيعية بأقصى سرعة ممكنة.