لم يكن أبداً وضعنا الأمني سيئاً إلى هذا الحد
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

•إن كشف وتدمير نفق حركة "حماس" في غزة، المشروع الهندسي الكبير والمعقد لمشروع القضاء على الأنفاق، عزّز الانطباع بالعثور على حل لما كان حتى الفترة الأخيرة يعتبر التهديد الاستراتيجي المركزي المتوقع من القطاع. وحقيقة أن تدمير النفق سبقه ثلاث عمليات مشابهة، وردّ حركة "حماس" المدروس والحذر تجاه التدمير المنهجي لوسيلة قتالية مركزية بالنسبة إليها، والوعود بإزالة هذا الخطر خلال أقل من سنة، كل هذا زاد أكثر فأكثر في الشعور بأننا نسير على الطريق الصحيح. كما أعطى كلام منسق الأنشطة في المناطق [المحتلة] لوسائل الإعلام العربية بأن "العبقرية الإسرائيلية والعقل اليهودي أوجدا حلاً لكل أنفاق الإرهاب" الجمهور الإسرائيلي شعوراً بأنه حقاً لا يوجد مثلنا. إن الجمع بين الإنجازات الأمنية في غزة، وبين التدمير المنهجي لأرصدة عسكرية تابعة لإيران وحزب الله في سورية من دون رد حقيقي، يثير الانطباع بأن وضعنا الأمني لم يكن أبداً أفضل مما هو عليه الآن. يُضاف إلى ذلك إدارة أميركية هي الأكثر تأييداً لإسرائيل، والاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، وكلام الرئيس الفلسطيني المحبط واليائس. وإذا كان تقدير المعلق آري شافيط في "هآرتس"، في أيلول/سبتمبر 2016، أن وضعنا الأمني لم يكن أبداً أفضل مما هو عليه آنذاك، فالأحرى أن يكون وضعنا قد تحسن منذ ذلك الحين.

•يتجاهل هذا الانطباع المتفائل أحد المكونات المهمة: مخزون الصواريخ الضخم الذي يملكه حزب الله، الذي يضع إسرائيل في مواجهة خطر لم يسبق أن واجهته قط. وبحسب تقديرات المؤسسة الأمنية خلال الأيام الأولى للمواجهة المقبلة مع حزب الله، سيطلق الحزب على إسرائيل نحو 3000 إلى 4000 صاروخ، جزء منها يحمل رؤوساً تدميرية كبيرة وله قدرة على الإصابة الدقيقة. وإذا تحقق هذا التهديد، فإن ذلك لن يؤدي إلى سقوط مئات آلاف الضحايا فحسب، بل أيضاً إلى تعرض البنى التحتية للدولة، محطات الكهرباء، ومنشآت تحلية المياه، والمرافىء البحرية والجوية، وتقاطع الطرق وغيرها لضربات قاسية. ولدى حزب الله ما يكفي من الصواريخ ليس فقط لضرب مقر وزارة الدفاع في الكرياه في تل أبيب، بل أيضاً الأحياء الراقية حوله. إن الرد العسكري على التهديد جزئي، ولا يستطيع منع التدمير. 

•بكلمات أخرى لم يكن وضعنا الأمني أبداً سيئاً إلى هذا الحد. وإذا كان رأي ديفيد بن غوريون في سنة 1948، عندما قصفت الطائرات المصرية تل أبيب وقتلت عشرات الناس، أن "الجمهور سيصمد"، فمن الصعب اليوم رؤية جمهور تل أبيب المترف والمدلل يصمد في مواجهة قصف أعنف بكثير. في سنة 1948 كنا نعرف من أجل ماذا نقاتل. اليوم الموضوع أقل وضوحاً. ويمكن أن يسفر ذلك عن أخطر أزمة في تاريخ إسرائيل، قد تكون أخطر من حرب يوم الغفران [حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973]. 

•إن هذا الوضع ليس قدراً من السماء. وسر عظمة الصهيونية يكمن في قدرتها على إيجاد حلول عملية لتحديات تبدو غير قابلة للحل. والمشكلة أن إسرائيل اليوم تحرز تقدماً فقط في تقديم ردود أمنية على تحدّ لا يوجد له رد عسكري. إن زيادة التسلح بالوسائل الاعتراضية للصواريخ لن تستطيع الحؤول دون تعرض عمق الدولة لإصابات كثيفة، تماماً كما أن الحماسة للحلول التقنية لمشكلة الأنفاق لا تقدم حلاً للتحدي المتمثل في أكثر من مليوني شخص من سكان غزة، الذين يجعلهم كل تدمير لنفق أكثر يأساً. إن كل قصف إضافي في سورية أو تدمير نفق في غزة يزيدان في الضغط على الطرف الثاني للرد، إلى حد يمكن أن يصل إلى الانفجار. من دون الخطر الباليستي الذي لدى حزب الله، فإن انفجاراً كهذا ليس مخيفاً، لكن مع وجوده، يمكن أن تكون النتيجة أصعب بصورة لا يمكن تصورها حالياً.

•إن حل هذا الخطر المتفاقم متوفر لدينا منذ زمن طويل، لكن القيادة ليست مستعدة حتى لدرسه. لقد وقّع رئيس إيران، الدولة التي تقف وراء التهديد الباليستي الذي تتعرض له إسرائيل، في 13 كانون الأول/ديسمبر 2017، وثيقة تضمنت التالي: "نحن نؤيد قيام دولة فلسطينية ضمن حدود 4 حزيران/يونيو 1967، عاصمتها القدس، ونؤيد سلاماً يستند إلى حل الدولتين. و حدود القدس ستحدد في مفاوضات...، ونؤيد، كخيار استراتيجي، مبادرة السلام العربية العائدة إلى سنة 2002، والتي تبنتها القمة الإسلامية سنة 2005.

•لقد وقّع حسن روحاني الوثيقة في أثناء انعقاد القمة الإسلامية في اسطنبول. لكن باستثناء مقال المعلق عكيفا ألدار في الموقع الإخباري "المونيتور"، لم تتطرق وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى التغير في الموقف الإيراني، الذي امتنع حتى الآن من تأييد مبادرة السلام العربية. إن هذا التغير ثوري، وهو يعكس أيضاَ روحية الشعارات التي برزت في موجة التظاهرات الأخيرة في إيران، والتي طالبت القيادة الإيرانية بأن توظف أموالاً أقل في حزب الله وفي غزة وسورية، وأموالاً أكثر من أجل الحاجات الداخلية. مرة أخرى من دون العصا التي لدى حزب الله، ليس سيئاً أن تتجاهل إسرائيل الجزرة الإيرانية الجديدة، لكن مع وجود هذه العصا، فإن الاستمرار في تجاهل مبادرة السلام العربية هو عمل غير مسؤول.

•عشية حرب يوم الغفران اعتقدنا أن وضعنا الأمني لم يكن أبداً أفضل مما كان عليه. وهذا ما نعتقده اليوم. ونحن نعرف إلامَ انتهى هذا آنذاك. ويمكن هذه المرة أن تكون النهاية أسوأ كثيراً.