الجبهة الشمالية التحدّي الأكبر الذي ستواجهه إسرائيل سنة 2018
المصدر
Israel Defense

موقع إلكتروني متخصص بالمسائل العسكرية، يصدر باللغتين العبرية والإنكليزية.

 

•كانت سنة 2017 هادئة نسبياً بالمنظور الأمني الإسرائيلي، لكن نهايتها شهدت توترات حادة على الجبهات المتعددة.  

 

1. إيران والجبهة الشمالية: 

•تشكل الجبهة الشمالية التحدّي الأكبر الذي تواجهه إسرائيل وعلى ما سيبدو ستواجهه خلال سنة 2018. الأحداث الداخلية الغريبة التي تجري في لبنان (بما في ذلك فرار رئيس الحكومة سعد الحريري ثم عودته، في أواخر 2017) تسرق من حزب الله قدرا كبيرا من الاهتمام، على حساب العدو الإسرائيلي، غير أن الخطوات الإيرانية التي تشمل أيضا إنشاء قاعدة ثابتة على الأراضي السورية، تحمل أهمية عظمى: فإيران تتجهز لتصعيد تهديداتها ضد إسرائيل تحسبا لاحتمال تعرض منشآتها النووية للهجوم. ولذا يشكل التواجد الإيراني الرسمي على الأراضي السورية خطرا جسيما لا مثيل له. 

•التخوف الأكبر هو من قيام إيران مستقبلاً بنقل بطاريات دفاعات جوية متطورة جدا وصواريخ حديثة، برية وبحرية، تحدّ من حرية الحركة البحرية والجوية. وستمثل هذه الخطوة بداية حرب كبيرة بالصواريخ.    

•تدور، من وراء الكواليس وفي أنحاء متعددة من العالم، اتصالات سياسية واسعة جداً ترمي إلى منع الوجود الإيراني الدائم في سورية. وقد وظفت إسرائيل جهودا هائلة في واشنطن بغية تنبيه الولايات المتحدة إلى هذه الأخطار (المحدقة بالجار الآخر في المثلث الحدودي ـ الأردن) بيد أن الأميركيين لا يبدون اهتماما خاصا بسورية. 

•روسيا هي الطرف المسيطر في سورية عقب انتصار بشار الأسد في الحرب الأهلية. ويقول الروس لكل واحد من الأطراف المعنية الأخرى ما يودّ سماعه منهم (بما في ذلك إسرائيل)، بينما يفعلون ما يخدم المصالح الروسية (التي تنسجم في هذه المرحلة بصورة جيدة مع المصالح الإيرانية). ولذلك قال رئيس الحكومة الروسية إن الوجود الإيراني في سوريا شرعيّ، بعد أسبوعين فقط من زيارة وزير الدفاع الروسي إلى إسرائيل وإبدائه الكثير من الوديّة (والقليل جدا من الخطوات العملية ضد التوسع الإيراني). 

•لكنّ التصعيد الكلامي انتقل إلى الأفعال. فطبقا لما نشر يبدو أن إسرائيل تسعى، بخطوات عملية، لإحباط محاولة إنشاء القاعدة الإيرانية، بما في ذلك بواسطة الهجمات المباشرة. هذا هو على الأقل السياق المرجح لقراءة وفهم التقارير الإعلامية التي تحدثت عن تعرض المعسكر الإيراني المُقام هذه الأيام بالقرب من مدينة الكسوة، شمالي دمشق، إلى غارات جوية وهجمات برية في نهاية سنة 2017. والملفت أن إسرائيل لا تعتمد، خلال الأشهر الأخيرة، سياسة واضحة ومثابرة بشأن تحمل المسؤولية عن الهجمات في سورية. فهي تُعلن مسؤوليتها في بعض الأحيان، بينما "لا تعقيب" في أحيان أخرى.  

•إن الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل في سورية، سواء على الأرض أو من الجو، ما تزال مصحوبة بجهود دبلوماسية مكمِّلة غايتها التوضيح (لسورية بالأساس) أن إسرائيل ستواصل الإصرار على عدم قيام قاعدة إيرانية في سورية. لكن المشكلة أن الإيرانيين ليسوا أقل إصراراً وتصميماً. إنهم يرغبون في جني ما يعتبرونه ثمار الانتصار في الحرب الأهلية السورية التي ضحّوا فيها بالدماء (دماء مقاتلين لبنانيين من حزب الله بشكل أساسي).   

•حتى نهاية 2017، كان يبدو أن التموضع الإيراني في لبنان (بمصادقة روسية) قد أصبح حقيقة ناجزة غير قابلة للارتداد. في ضوء ذلك فإن هضبة الجولان السورية ستكون جزءا لا يتجزأ من أي جبهة شمالية من الآن فصاعداً، وليس لبنان وحده فقط. وطالما بقيت إيران وإسرائيل متمترستين في مواقفهما، سيبقى التوتر في تصاعد مستمر. ويبدو أن القصة ما زالت بعيدة جدا عن الانتهاء. 

•هل موجة الاحتجاجات الجماهيرية التي انفجرت في نهاية 2017 ضد سياسة نظام الملالي هي التي ستُحدث التغيير في السياسة الإيرانية؟ من الصعب التكهن. وهل ستشهد سنة 2018 إلغاء الاتفاق النووي بين إيران والدول الست العظمى [مجموعة الدول 5+1]؟ هنا أيضاً من الصعب التكهن.    

2.أنفاق وطائرات من دون طيار من غزة:  

•منذ بداية 2018، ثمة توتر شديد أيضا على الجبهة مع قطاع غزة، الذي تسيطر عليه حركة "حماس". ثمة في هذه الجبهة أيضا تدخل إيراني عميق. فإيران تحوّل مبالغ طائلة من الأموال، وخاصة لتنظيم الجهاد الإسلامي الذي تطالبه "بالمقابل" بتسخين الأوضاع. أما التنظيم الذي يحكم في قطاع غزة، "حماس"، فليس معنياً بفتح جبهة فورية في مقابل إسرائيل الآن، بينما يبذل كل ما في استطاعته للاستعداد للحرب المقبلة.  

•كان اتفاق المصالحة بين "حماس" في قطاع غزة وحركة "فتح"، التي تسيطر في الضفة الغربية، الحدث المؤسِّس بالنسبة للفلسطينيين في سنة 2017. لكن المؤشرات العملية على هذه المصالحة قليلة جداً ولا تتجسد في ما يزيد عن وجود مراقبين من جانب السلطة الفلسطينية في المعابر الحدودية غير النشطة إطلاقاً تقريباً المحيطة بقطاع غزة. 

•ثمة تخوف في إسرائيل من أن حركة "حماس" تعكف على إعداد مفاجأة كبيرة جدا استعدادا للمعركة المقبلة قد تكون على شكل أسطول من الطائرات من دون طيار المزودة بأسلحة وذخائر ليتم إطلاقها نحو إسرائيل، ولذا تُبذل في إسرائيل جهود كبيرة من أجل توفير ردود مناسبة للمفاجآت المحتملة، وفي مقدمها بصورة أساسية مفاجأة المعركة السابقة (عملية "الجرف الصامد"، 2014) ـ الأنفاق التي تخترق الأراضي الإسرائيلية.  

•إن الرد على الأنفاق هو تكنولوجي (تطوير وسائل تكنولوجية لكشف الأنفاق، تحت قيادة وإشراف "مديرية تطوير الوسائل القتالية والبنى التحتية" في وزارة الدفاع) وهندسي: خلال سنة 2018 ستنهي الأجهزة الأمنية حملة واسعة للكشف عن الأنفاق وبناء جدار تحت الأرض بتكلفة بضعة مليارات من الشيكلات. 

•أعمال البناء الواسعة تخلق في حد ذاتها توترا شديدا، إذ إن اقتراب قوات الجيش الإسرائيلي من أي نفق يزيد من احتمال التصعيد الشامل، مثلما بدأت حرب "الجرف الصامد" بسبب تفجير الجيش الإسرائيلي نفقاً تحت الأرض. وقد تنجر الأطراف إلى مواجهة عسكرية هي غير معنية بها أصلاً. 

 

3. حرب دينية وإرهاب أفراد: 

•في نهاية سنة 2017 قال رئيس "جهاز الأمن العام" ["الشاباك"] نداف أرغمان إن الهدوء النسبي السائد في الضفة الغربية مخادع، ذلك أن التوتر تحت السطح ملموس جداً، كما قال. ثمة انخفاض في عدد العمليات، لكن السبب المركزي لذلك هو النجاح في إحباط مئات العمليات، بما في ذلك الكبيرة والقاسية جداً. وأضاف أرغمان، خلال تقرير قدمه في الكنيست، إن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ضعيف جداً وإنه في حال حصول تغيير في السلطة فليس من المستبعد أن تسيطر "حماس" على الضفة الغربية أيضا مثلما حدث في قطاع غزة. ولا يتوقع "الشاباك" أن يستمر اتفاق المصالحة ويصمد لفترة طويلة. هذا السيناريو الذي عرضه أرغمان يشكل كابوساً بالنسبة إلى حركة "فتح": تدرك الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن التنسيق والتعاون الأمنيين في إحباط العمليات العسكرية ضد إسرائيل لا ينبعان من محبة إسرائيل، إنما من الخشية من تنامي قوة "حماس" ومن احتمال سيطرتها على السلطة بواسطة انقلاب عسكري دموي كالذي حدث في قطاع غزة سنة 2007. هذا هو الخوف الذي تجري تغذيته من حين إلى آخر.  

•في الإجمال الأخير، ما يزال التنسيق الأمني بين قوات الأمن الفلسطينية وجهاز "الشاباك" قائما ومستمرا وقد ساعد بدرجة كبيرة في محاصرة وتقليص موجة إرهاب الأفراد التي بلغت ذروتها في بداية سنة 2017. وقد تصرفت إسرائيل بحكمة واضحة في معالجة هذه الموجة، إذ امتنعت عن فرض حصار شامل وقاس على المدن الفلسطينية فأتاحت للجمهور الفلسطيني إمكان مواصلة حياته الطبيعية كالمعتاد. 

•في المقابل، ساعد جمع المعلومات الاستخباراتية على نطاق واسع من المصادر العلنية (وخصوصاً من شبكات التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية) في الوصول مسبقاً إلى أشخاص كانوا يخططون ويعتزمون تنفيذ عمليات عدوانية، ثم في إحباط مخططاتهم. 

•من جهة أخرى كان بيان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في نهاية سنة 2017 بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إليها، بمثابة صب الزيت على النار. فالقدس مسألة حساسة جدا ومن شأن إعلان ترامب هذا إدخال عناصر الحرب الدينية على الصراع، السياسي والجغرافي في جوهره. إن إرهاب الأفراد (الذي قد ينفذه يهود أيضاً ضد مواقع إسلامية حساسة) قد يُشعل حريقا واسعا خلال سنة 2018، ولا سيما إذا ما وقعت عملية قاسية.  

4. ثروة استراتيجية: مصر والأردن والسعودية:

• ليس كل شيء سلبيا. فقد وقعت سنة 2017 أيضاً أحداث إيجابية بالنسبة لإسرائيل من الناحية الاستراتيجية. فحقيقة أن إيران تبني محورا شيعيا ذا تتابع إقليمي وترسل أذرعها إلى جميع الجهات (بما في ذلك الحرب الدامية في اليمن) تؤدي إلى بناء وتوحيد محور سنّي معتدل في مواجهتها. 

•بالنسبة لإسرائيل، ثمة أهمية قصوى للتحالف الاستراتيجي مع جارتيها من الشرق والغرب، الأردن ومصر، لكن حليفاتها الأبعد أيضا، وفي مقدمها السعودية، هي جزء أساسي من المحور المناوئ لإيران. ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي يحكم البلاد فعليا، يثبت أنه قائد شجاع مصمم على لجم التهديد الإيراني ولا يتردد في محاربة التنظيمات الإرهابية السنية، وخاصة "داعش" (الذي مني بهزيمة ماحقة خلال السنة الأخيرة) و"القاعدة". كما أن التعاون المتواصل بين إسرائيل وقوات الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية الذي ذكر آنفا ليس مفهوما ضمنا.  

•يمرّ لبنان بتحولات داخلية تجعل من الصعب على حزب الله القيام بأي عمل استفزازي ضد إسرائيل من دون إثارة الطوائف الأخرى ضد الشيعة في لبنان (الذين يخشون ردة فعل إسرائيلية قاسية). وإجمالاً فإن حقيقة فهم الصراع مع إسرائيل واعتباره أكثر فأكثر، واحدا فقط من سلسلة صراعات دولية لا نهائية، وليس الصراع الأساسي والأوحد، تخدم المصلحة الإسرائيلية بصورة كبيرة. 

5. الحرب السيبرانية: 

•ما يميز بداية سنة 2018 هو حقيقة أن ثمة ما بين الحروب الكبيرة معركة متواصلة لا تتوقف، يدور جزء منها في الواقع المادي الملموس (هجمات منسوبة إلى إسرائيل ضد مخازن للأسلحة في سورية مثلا) بينما يجري الجزء الأكبر منها إلكترونيا في المجال العنكبوتي. في هذا المجال تتصاعد هذه المعركة وتتسع باستمرار. والجيش الإسرائيلي يلائم نفسه لها ويواصل بناء وتعزيز قسم الحوسبة كذراع مركزية بكل ما للكلمة من معان، تجمع ما بين العناصر الدفاعية وبناء القوة. وبينما تتوزع المهمات الهجومية على عدة أجسام في الجيش وأجهزة الاستخبارات الأخرى، تبقى مهمة جمع المعلومات بواسطة الشبكة العنكبوتية حصرية لشعبة الاستخبارات العسكرية ["أمان"]. وهذه هي التوزيعة القائمة حتى بداية سنة 2018 على الأقل.     

•على الصعيد المدني تم في نهاية سنة 2017 استكمال إجراء جدي ومهم جداً، حيث قررت الحكومة توحيد جميع الوحدات العاملة في المجال السيبراني في وحدة واحدة أنيطت بها المسؤولية الشاملة عن مختلف النواحي المتعلقة بالحرب السيبرانية في المستوى المدني، بدءاً ببلورة السياسة وبناء القوة التكنولوجية وانتهاء بالدفاع العملاني في المجال السيبراني. وقد تحقق هذا بعد أن كانت هذه المنظومة حتى الآن مكونة من وحدتين اثنتين، لكن وسط توزيع مسؤوليات ومهمات فيما بينهما: "الطاقم السيبراني القومي" الذي أقيم سنة 2012 وكان مسؤولاً عن قيادة الاستراتيجيا والسياسة القومية وبناء القوة التكنولوجية في المجال السيبراني في إسرائيل، و"السلطة القومية للدفاعات السيبرانية" التي أقيمت سنة 2016 كجسم تنفيذي مركزي للدفاع السيبراني في إسرائيل يعمل إلى جانب "الطاقم السيبراني القومي"، كجزء من المنظومة السيبرانية القومية. واستمراراً لتوحيد الوحدات المتعددة، تقرر أيضاً تعيين يغئال أونا رئيساً للمنظومة السيبرانية القومية الجديدة. وأونا الذي أشغل في السابق منصب رئيس قسم "سيبرانية الإشارات" في جهاز الأمن العام ["الشاباك"]، تقلد في الأشهر الأخيرة رئاسة وحدة التقنيات السيبرانية في "المنظومة السيبرانية القومية". وسيحل أونا الآن مكان د. أفيتار متانيا، الذي تولى إنشاء "المنظومة السيبرانية القومية" ورئاستها خلال السنوات الست الأخيرة.