ترامب منح نتنياهو انتصاراً في كفاحه لتحطيم القومية الفلسطينية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•اعتاد منتقدو نتنياهو الادّعاء أن ليست لديه "استراتيجيا أو سياسة باستثناء التشبث بمنصبه". لكنهم على خطأ، فلدى رئيس الحكومة هدف واضح يسعى منذ سنوات عديدة لتحقيقه، ألا وهو: تحطيم الحركة الوطنية الفلسطينية، فهو يعتبرها عدواً شرساً للحركة الصهيونية، ويرى  علاقات العداء بين الحركتين مثل لعبة محصلتها صفر [للخاسر]، عندما تربح واحدة تخسر الأُخرى كلياً.

•بالأمس، سجّل نتنياهو انتصاراً مهماً في كفاحه ضد الفلسطينيين، مع إعلان الرئيس ترامب اعتراف الولايات المتحدة بالقدس كعاصمة لإسرائيل، والبدء بتحضيرات نقل السفارة الأميركية من شارع اليركون في تل أبيب إلى المدينة المقدسة. لم يمنح ترامب الفلسطينييين شيئاً في المقابل، بل وحتى أضعَفَ الالتزام الأميركي بقيام دولة فلسطينية في المستقبل. ويبدو خطابه وكأن من صاغه هو نتنياهو نفسه والسفير في واشنطن، رون دريمر، ويبدو أنه نسّق معهما بدقة.

•نتنياهو هو رجل أفكار ورموز، أكثر مما هو رجل قرارات وأفعال. وبالنسبة إليه، أن تُذكر القدس كعاصمة إسرائيل أهم كثيراً من إقامة آلاف الوحدات السكنية في المستوطنات، وهو يسيطر منذ سنوات عديدة على جدول الأعمال العام في إسرائيل من خلال شعارات جذابة، تُستخدم لاحقاً أساساً لنقاش إعلامي ("اليسارون نسوا كيف يكونون يهوداً"، "صخرة وجودنا"، " أنهم خا - ئف- ون"، "العرب يتدفقون بأعداد كبيرة نحو صناديق الاقتراع"، "لن يحدث شي لأنه ليس هناك شيء"). حتى خصوم نتنياهو الذين يسعون للاستيلاء على منصبه، يرددون كالببغاوات مواقفه من دون اعتراض، ويسيرون في المسار الأيديولوجي الذي رسمه لهم.

•ترامب، البارع في التسويق والشعارات، يشبه نتنياهو شبهاً كبيراً، وهو مثله، يزدهر ويبدع، عندما يكون عرضة لهجوم وسائل الإعلام والجمهور. هذه المرة أنقذ ترامب صديقه الإسرائيلي من محنة كبيرة: فقد أدى كفاح نتنياهو الأخرق من أجل كبح الشرطة ("قانون التوصيات") [اقتراح قانون يحظر على الشرطة نشر تحقيقاتها] إلى تراجع نتنياهو في الاستطلاعات، والشبهات التي جرى الكشف عنها ضد ديفيد بيطون، يده اليمنى السياسية، أثارت، لأول مرة، بوادر تمرد ضد رئيس الحكومة في حزب الليكود، وكان في هذه المرحلة بعيداً عن الأضواء. وهنا جاءت عناوين الصحف في هذا اليوم التاريخي وخطاب ترامب، وعاد المتهم بالفساد إلى مقام رجل دولة، واستراتيجي يتغنى بالتاريخ اليهودي والتوراة والمحرقة.

•طبعاً، يفهم نتنياهو بصورة جيدة لعبة القوة الدولية، ويرى أن أميركا تخفف تدخلها في الشرق الأوسط ، وتركز من جديد جهودها الدبلوماسية والعسكرية في آسيا، كما جرى خلال خمسينيات القرن الماضي وستينياته. من الممكن تفسير ذلك بالمسار الانحداري لأسعار النفط، وأيضاً بالحروب الفاشلة في العقد الماضي في أفغانستان والعراق، التي لم تحمل الاستقرار والهدوء إلى المنطقة بل أدت إلى فوضى دموية. لقد يئس الرأي العام الأميركي، وقام الرئيسان الأميركيان الأخيران، باراك أوباما وترامب، بطي العلم الأميركي والانسحاب من المنطقة بالتدريج.

 

•لقد سلّم الأميركيون سورية لسيطرة روسيا وإيران، على حساب حليفين قديمين للولايات المتحدة هما تركيا وإسرائيل، اللتان استفادتا في السنوات الأخيرة من انهيار الجيش السوري ومن زعزعة نظام الأسد، وهما حالياً مضطرتان إلى مواجهة السلاح الجوي التابع لفلاديمير بوتين، وميلشيات طهران الشيعية. وقد حصلت إسرائيل على تعويض مزدوج: تصريح رئاسي بأن القدس عاصمة إسرائيل، ووعْد بأن تبقى الضفة الغربية تحت سيطرة إسرائيلية في المستقبل المنظور، ما دامت إسرائيل تمتنع من القيام بخطوات بارزة مثل ضم مناطق، أو المسّ بالأماكن المقدسة الإسلامية في جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف]. لكن تركيا لم تحصل على شيء، وهذا يفسر ردها الغاضب على خطاب ترامب. يدرك نتنياهو أن وجود إسرائيل وأمنها يعتمدان على تأييد الولايات المتحدة، ولذا فهو يتخوف من انسحاب أميركي من هذا الدعم، لكنه يعلم أيضاً أن ليس في إمكان إسرائيل وقف هذا المسار، لذا يحاول إيجاد فرص تحسّن وضع إسرائيل في صراع لا هوادة فيه مع حركة وطنية فلسطينية تحتضر. وخطاب ترامب بالأمس كان إحدى هذه الفرص.