29 تشرين الثاني/نوفمبر: سيادة وتقسيم أسباب الدعم الأميركي والسوفياتي لقرار التقسيم
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

•لقد كان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني/نوفمبر بإقامة دولتين، يهودية وعربية في أرض إسرائيل [فلسطين]، من أبرز إنجازات الحركة الصهيونية. وللمرة الأولى حظيت الصهيونية باعتراف قاطع بحق الشعب اليهودي بالسيادة والاستقلال في وطنه التاريخي. لكن هذا القرار كان مرتبطاً بمبدأ التقسيم: رافق الاستعداد للاعتراف بحق تقرير المصير لليهود بحق مقابل للسكان العرب في البلد بإقامة دولة على جزء من أراضي الانتداب. ومع أن أياً من الحركتين الوطنيتين لم تحصل على مطالبها كاملة، لكن أصبح لكل منهما مكان تحت الشمس. إن كل من يحتفل فقـط بالاعتراف بالحـق اليهودي بالسيادة ويتجاهل مبـدأ التقسيم - "دولتان لشعبين"- يكذب على نفسه ويشوه الذاكرة التاريخية.

•يعود فشل قرار التقسيم في حل النزاع بين الحركتين القوميتين إلى عدم استعداد العرب للقبول بمبدأ التقسيم. إن موقف "كل فلسطين لي" دفعهم إلى الدخول في حرب ليس فقط ضد إسرائيل، بل ضد قرار الأمم المتحدة، وكان سبب النكبة. وعدم استعداد الفلسطينيين للإعتراف بالخطأ التاريخي والأخلاقي في رفضهم التقسيم يشكل اليوم حجر عثرة في التوصل إلى تسوية تاريخية بين الحركتين القوميتين. لقد كان الاستعداد الصهيوني للقبول بالتقسيم هو العامل المركزي للحصول على الدعم الدولي من أجل إقامة الدولة والاعتراف بها من جانب أغلبية الدول الديمقراطية في العالم، وقبول إسرائيل في الأمم المتحدة، وفي المقابل هو أيضاً سبب الإدانة الساحقة في الأمم المتحدة للعداونية العربية في 1947-1948.

•لكن السياق التاريخي الذي دفع الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي إلى تأييد قيام الدولة اليهودية في بداية الحرب الباردة معقد، وله انعكاسات على مكانة إسرائيل الدولية اليوم أيضاً.

•بحسب التفسير الشائع، كان لدى العالم بعد المحرقة النازية إحساس بالذنب حيال اليهود، وهذا ما أدى إلى تأييد قيام دولة يهودية. بالطبع هذا صحيح، لكن يجب رؤية الأمور بصورة نسبية: ينسى الناس اليوم أنه بعد عامين على انتهاء الحرب، فإن المعرفة بخصوصية المحرقة، التدمير المنهجي للسكان المدنيين بهدف إبادة شعب، لم يكن قد تغلغل بصورة كافية إلى الوعي العالمي، وفي أحيان كثيرة اعتبر مقتل 6 ملايين شخص من بين خسائر الحرب، وليس حدثاً مختلفاً في بشاعته. في محاكمات نورنبرغ لم يرد تقريباً ذكر المحرقة، وكذلك في الخطابات التي ألقيت في الجمعية العامة للأم المتحدة أثناء مناقشة مستقبل أرض إسرائيل [فلسطين].

•لقد ألقيت في الأمم المتحدة خطابات مؤثرة من جانب ممثلي بعض الدول الصغيرة في أميركا اللاتينية، لكن كان واضحاً أن دولاً عظمى مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي لم تكن قد حددت سياستهما بعد - واليوم أيضاً هي لم تحددها، فقط بسبب أحاسيس بالذنب أو مبررات أخلاقية.

•لقد كانت اعتبارات الرئيس الأميركي هاري ترومان معقدة، ومما لا شك فيه أن نشطاء يهوداً بينهم حاييم وايزمان، نجحوا في جمع التأييد داخل الإدارة الأميركية والحزب الديمقراطي. لكن الدعم الأميركي للأهداف الصهيونية بدأ بدعم السماح لـ100 ألف نازح من الناجين من المحرقة بالهجرة إلى إسرائيل، وذلك بعد توصيات لجنة التحقيق الإنكليزية - الأميركية لشؤون إسرائيل في 1946. وشكلت هذه المطالبة الأميركية تحدياً للحكومة البريطانية، التي حتى بعد الحرب تمسكت بسياسة الكتاب الأبيض، وأغلقت أبواب إسرائيل في وجه الهجرة اليهودية. لقد كان هذا الموقف على علاقة بالتوجه الأميركي التقليدي المعادي للإمبريالية، الذي طمح إلى تقليص السيطرة البريطانية على العالم العربي، ولهذا أيضاً أيد استقلال الهند.

•إن المطالبة بالسماح بهجرة 100 ألف يهودي إلى أرض إسرائيل لم تكن منفصلة عن سياسة الهجرة في الولايات المتحدة التي سُنت في العشرينيات بوحي من أيديولوجيا عنصرية واضحة، والتي حددت حصصاً صغيرة للمهاجرين من الدول غير الأنكلوسكسونية أو أوروبا الشمالية وخاصة إسكندنافيا إلى أميركا. وحددت هذه الحصص بحسب مسقط رأس طالب الهجرة، لذا فإن أغلبية النازحين من مواليد بولنده لم يكن لديهم أي حظ في الوصول إلى الولايات المتحدة. وقد بُذلت محاولات من جانب يهود وآخرين من أجل تغيير الحصص، لكن هذه المحاولات تعرضت إلى معارضة شديدة في الكونغرس، ويجب ألا ننسى أنه في تلك الفترة جزء كبير من القاعدة التي تدعم الحزب الديمقراطي من الولايات الجنوبية، المعروفة بعنصريتها، وهو أمر كان يجب على ترومان أن يأخذه في الحسبان. من جهة أخرى مورست على ترومان ضغوط من أجل التخفيف من معاناة النازحين في المعسكرات في ألمانيا، التي كان أغلبها واقعاً تحت الاحتلال الأميركي، وتسبب وجود هذه المعسكرات بحدوث مشكلات غير قليلة بين السلطات الأميركية والسكان الألمان. لذا رغبت الولايات المتحدة في حل هذه المشكلة من خلال توجيه النازحين إلى أرض إسرائيل. 

•لقد حظيت الولايات المتحدة وترومان عن حق بالتقدير من جانب اليهود لتأييدهما هجرة 100 ألف يهودي إلى إسرائيل، الأمر الذي رفضته بشدة حكومة العمال البريطانية برئاسة كلمينت أتلي وإرنست بيفن. وأدى ذلك في نهاية الأمر الى طرح موضوع استمرار سلطة الانتداب البريطاني في أرض إسرائيل أمام الأمم المتحدة، التي حلت محل عصبة الأمم. وكون الاعتبارات الإنسانية ليست فقط هي التي وجهت السياسة الأميركية بل الاعتبارات السياسية أيضاً، لا يقلل من أهمية هذه السياسة ومن الدلالات الأخلاقية التي رافقتها. 

•أما الدعم السوفياتي لقيام الدولة اليهودية وتقسيم البلد فقد كان أكثر تعقيداً بكثير، وليست جميع وجهات النظر واضحة اليوم أيضاً. في العشرينيات اتخذ الاتحاد السوفياتي موقفاً رفض فيه الصهيونية واعتبرها "حركة بورجوازية" تتعارض مع المبادئ الأممية للأيديولوجيا الشيوعية. واعتبر النظام في الاتحاد السوفياتي الجمهور اليهودي الكبير الذي يعيش في الدولة إحدى دعائمه الأساسية، ليس بسبب الميل اليهودي الأساسي نحو الشيوعية، ولكن لأن الحكم السوفياتي كان الكابح المهم الوحيد في مواجهة رجعية قوى "البيض" من معارضي الثورة الشيوعية، مع موقفهم التقليدي المعادي للسامية. ومن الواضح أن الدور الذي لعبه اليهود في القيادة السوفياتية في بداية طريقها (تروتسكي، كامينيف، زينوفييف، سفيردلوف، راديك) الذين اعتبروا الشيوعية، وليس الصهيونية، هي الحل للعداء للسامية، ساهم أيضاً في العداء للمشروع الصهيوني. 

•نتيجة لذلك، ونتيجة السياسة السوفياتية العامة المعادية للإمبريالية، أيد الاتحاد السوفياتي الحركة الوطنية العربية، ودفعه ذلك في بعض الأحيان إلى تأييد مبادئ محافظة دينية راديكالية واضحة (مثل مواقف مفتي القدس)، لأنها مواقف معادية للبريطانيين. وكانت هناك أحزاب شيوعية في الغرب، بمن فيهم أعضاؤها اليهود، يشاطرون وجهة النظر هذه.

•أدت الحرب العالمية الثانية تدريجياً إلى تغير في هذه النظرة، التي انعكست ذروته في خطاب سفير الاتحاد السوفياتي في الأمم المتحدة أندريه غروميكو في 14 أيار/ مايو 1947، الذي أعلن فيه تأييده لإقامة دولة يهودية في أرض إسرائيل كحل لمحنة اليهود في أوروبا. بصورة عامة من المعتاد تفسير تأييد الاتحاد السوفياتي للدولة اليهودية بالقول إن الطرف الوحيد الذي حارب منذ ذلك الحين الإمبريالية البريطانية في المنطقة هو اليشوف اليهودي في البلد، بينما كانت جميع الأنظمة العربية المحافظة حليفة للإمبراطورية البريطانية (مصر، العراق وشرق الأردن)، أو حليفة لفرنسا (لبنان وسورية). بالإضافة إلى ذلك، كانت أحياناً تطرح حجة أن السوفيات اعتقدوا أن الهيمنة الاشتراكية على اليشوف اليهودي ستدفع الدولة اليهودية إلى التقرب سياسياً من الاتحاد السوفياتي في حقبة الحرب البادرة التي أخذت تتبلور.

•لكن الوثائق السوفياتية والصهيونية التي نشرت بعد تفكك الاتحاد السوفياتي تُظهر صورة أكثر تعقيداً. في شباط/فبراير 1941 حاول حاييم وايزمن، الذي كان يقيم في لندن، أن يوجد صلة مع الحكومة السوفياتية بواسطة السفير السوفياتي في بريطانيا، إيفان مايسكي. وعلى الرغم من الحديث اللطيف والمهذب الذي دار بينهما، فقد كان هذا اول لقاء سياسي بين زعيم صهيوني وسفير سوفياتي، فإنه لم يسفر عن نتائج. في التقرير الذي أرسله مايسكي إلى موسكو (هو يهودي مثل الكثير من السفراء السوفيات في تلك الفترة) أشاد بجودة اللغة الروسية لوايزمن، على الرغم من مغادرته روسيا منذ سنوات عديدة. كما أشار مايسكي، من دون تعليق، إلى أن وايزمن قال له إن هتلر في نهاية الأمر سيهزم، وهذا قول تطلب جرأة من جانب وايزمن، في ضوء أنه بعد اتفاق رويبنتورب – مولوتوف، كان ستالين ما يزال حليفاً لهتلر وشريكاً في مهاجمة بولنده وتقسيمها بين ألمانيا النازية والاتحاد السوفياني الشيوعي.

•إن الغزو الألماني للاتحاد السوفياتي في حزيران/يونيو 1941 أتاح للحركة الصهيونية فرصة للقيام بإحدى أهم الخطوات الدبلوماسية في تاريخها. فللمرة الأولى ظهرت فرصة للاتصال بالسلطة السوفياتية نظراً لأن الحركة الصهيونية والاتحاد السوفياتي باتا في معسكر واحد في الحرب ضد النازيين. وأقام زعماء صهيونيون في مختلف العواصم علاقات مع سفراء سوفيات، وبهذه الطريقة سمعت القيادة السوفياتية للمرة الأولى عن الصهيونية من زعماء صهاينة. وأدى ذلك إلى ثورة مهمة في الوعي، لأنه حتى ذلك الوقت، كانت المعلومات عن الصهيونية تصل إلى السوفيات من مصادر عربية أو من يهود شيوعيين في الاتحاد السوفياتي أو في الغرب، من الذين كانوا في طبيعتهم معادين للصهيونية.

•خلال السنوات 1941- 1945 التقى ديفيد بن – غوريون، وناحوم غولدمان، وعمانوئيل نيومان وإلياهو إبشتاين سفراء سوفيات في لندن وواشنطن وأنقرة ومكسيكو سيتي. وقدموا لهم ارقاماً عن الييشوف اليهودي في البلد [في فلسطين]، وعن الجهود لتعبئته للحرب، وعن شحنات السلاح والمساعدة من فلسطين إلى الاتحاد السوفياتي، وعن البنية الاقتصادية في فلسطين. وفي أيار/مايو 1943 عندما علم وايزمن الذي كانت لديه علاقات دولية قوية، أن إدوارد بانش، رئيس حكومة المنفى في تشيكوسلوفاكيا، موجود في لندن وعلى وشك الذهاب إلى موسكو لمقابلة ستالين، نجح في إعطائه رسالة موجهة إلى زعيم الاتحاد السوفياتي، تحدث فيها بالتفصيل عن قدرات استيعاب الييشوف اليهودي في أرض إسرائيل [فلسطين]، وعن طابعه المعاصر والمعادي للبرجوازية، وذهب إلى حد المقارنة بين اشتراكية الييشوف والاتحاد السوفياتي.

•إن إلقاء نظرة إلى الوثائق السوفياتية والصهيونية عن هذه الاجتماعات أمر مذهل. لم يحاول الناطقون بلسان الصهيونية إقناع محاوريهم بأن الصهيونية مُحقّة [في مطالبها]، بل حاولوا إقناعهم بأنهم هم وليس العرب، الحلفاء الطبيعيون للاتحاد السوفياتي في المنطقة. وذهب إبشتاين خلال لقائه في ربيع 1943 مع السفير السوفياتي في أنقرة، سيرغي راينغرادوف إلى أبعد من ذلك، عندما قال له إنه من الواضح الآن ومن دون شك أن السياسة السوفياتية الداعمة للحركة الوطنية العربية كانت على خطأ لأن هذه الحركة في أرض إسرائيل [فلسطين] وفي العراق مثلاً، ظهرت كمؤيدة للنازيين، وأن الييشوف اليهودي هو الجهة التقدمية الوحيدة في المنطقة. 

•كشفت هذه اللقاءات أن السوفيات أظهروا اهتماماً كبيراً بقدرة استيعاب البلد، وبناء على طلبهم أُرسل من لندن ومن القدس إلى موسكو عدد من التقارير ومن الإحصاءات الاقتصادية. ومن الواضح أن الاهتمام السوفياتي بمسألة قدرة الاستيعاب في البلد كانت مؤشراً إلى تغير في التوجه السوفياتي الذي جاء رداً على ادعاءات السفارات العربية بأن البلد غير مؤهل لاستيعاب هجرة كثيفة. وفي 1943 وصل فجأة الى البلد السفير السوفياتي في لندن، مايسكي، في طريق عودته من لندن إلى موسكو، واجتمع مع بن غوريون وإليعيزر كبلان، اللذين كانا رئيسي الدائرة الاقتصادية في الوكالة اليهودية. وقد أخذ الاثنان مايسكي إلى جبال القدس، وأجابا بالتفصيل عن أسئلته بشأن قدرة استيعاب البلد، وكتبا بناء على طلبه مذكرة تفصيلية بشأن هذا الموضوع.

•ليس لدينا معلومات تتعلق بالنقاشات الداخلية للمكتب السياسي السوفياتي في هذه الموضوعات: الوثائق التي نشرت هي فقط مراسلات دبلوماسية وليست تقارير عن نقاشات داخلية. لكن تكرار الأسئلة بشأن قدرة الاستيعاب يدل على توجهات التفكير السوفياتي الذي كان يبحث عن أجوبة براغماتية على مسألة الهجرة اليهودية إلى البلد.

•ويمكن أن نأخذ فكرة عن مراحل هذا التفكير في بعض التقارير التي كتبها ناحوم غولدمان عن لقاءاته خلال السنوات 1942-1944 مع أمنسكي، سفير الاتحاد السوفياتي في واشنطن، ومن بعدها في مكسيكو (وهو أيضاً من أصل يهودي). وقد نجح غولدمان بسحره ومؤهلاته الدبلوماسية وقدرته على الكلام، في دفع أمنسكي خلال لقاء معه في آب/أغسطس 1944 إلى التلميح له (بصورة شخصية" كيهودي") أنه بعد الحرب ستكون هناك مشكلة صعبة جداً في أوروبا مع اليهود الناجين، وأن هذه المسألة تشغل بال السوفيات: لقد كان هذا هو التلميح الأول عن تحول محتمل في السياسة السوفياتية، الذي سيجد تعبيره القاطع في خطاب غروميكو في 1947. ويشار إلى أنه في خريف 1943 حل غروميكو محل أمنسكي في السفارة السوفياتية في واشنطن، وكان غولدمان من أوائل الذين التقى معهم، على الرغم من أنه لم يكن لديه أي شيء ملموس لمناقشته معه، إلاّ إنه أراد "المحافظة على الصلة". في التقرير الذي أرسله إلى الإدارة الصهيونية، أشار غولدمان إلى أن غروميكو رجل شاب، لكنه مؤهل ومستعد للاستماع.

•وبهذه الطريقة نشأت الخلفية للاتفاق بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي التي أدت إلى تأييد الدولتين العظميين لخطة التقسيم. ومثل تصريح بلفور، تضافرت هنا مصالح معقدة من سياسات خارجية وداخلية، بالإضافة إلى القدرة المدهشة لقادة الصهيونية على إدارة دبلوماسية حكيمة حتى مع عدم وجود دولة. 

•لا يمكن الامتناع عن القول إنه لو توفرت للحركة الفلسطينية في ذلك الوقت زعامة ذات مؤهلات مشابهة، ولم تكن غارقة في التزمت والعنف، لكانت قامت في سنة 1948 دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، ولما انجر الشعبان إلى الحرب، ولما حدثت النكبة، ولا نشأت مشكلة اللاجئين، ولكان وجه الشرق الأوسط اليوم مختلفاً.

•في نظرة إلى الوراء من الواضح أيضاً أنه لو لم تقبل الزعامة الصهيونية مبدأ التقسيم، لما أيدت الأمم المتحدة قيام دولة يهودية. وهذه أمور يجب أن نتذكرها اليوم: من يرفض تقسيم البلد وحل الدولتين يقوض شرعية دولة إسرائيل نفسها والمشروع الصهيوني. إنه وهم خطير افتراض أن إسرائيل في نهاية الأمر ستحظى بشرعية لمواصلة سيطرتها على جميع أراضي إسرائيل. من يحتفل بالـ29 من تشرين الثاني/نوفمبر لا يمكنه أن يتجاهل أن السيادة والتقسيم مرتبطان.

•يجب ألا يكون هناك أي شك في أن المجتمع الدولي اعترف بحق الشعب اليهودي في تقرير المصير وبالسيادة والاستقلال لأن الحركة الصهيونية قبلت مبدأ التسوية بين حركتين وطنيتين، وفي أساس هذا المبدأ توجد فكرة تقسيم البلد إلى دولتين قوميتين، يهودية وعربية. من يسعى اليوم إلى استمرار السيطرة الإسرائيلية على ملايين الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة، يتآمر على شرعية الصهيونية وشرعية دولة إسرائيل. وكما في العام 1947 حيث لم يكن في الإمكان الحصول على إجماع دولي على دولة يهودية على كل أرض إسرائيل، كذلك اليوم من غير الممكن الحصول على مثل هذا الإجماع، ومن لا يرى ذلك فهو يتجاهل الواقع ويخدع الجمهور.