•في ذكرى مرور 40 عاماً على الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس المصري أنور السادات إلى القدس، تبدو أسس السلام التي وضعها في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 1977 ثابتة وقوية، لكن هذا ما يزال سلاماً "بارداً"، سلام بين حكومتين وليس بين شعبين. في الوقت عينه، فإن التطورات العميقة السياسية والاجتماعية التي شهدتها مصر في السنوات الأخيرة، خاصة تلك المتعلقة بالجيل الشاب، تمنح الدولتين فرصة لإحداث تحوّل.
•طوال سنوات السلام دأبت مصر على ضبط التطبيع مع إسرائيل وتقييده من خلال تحديد مستوى مفهوم وموجّه للعلاقات، وذلك في ما يتعلق بحجم هذه العلاقات وعمقها بحيث لا يمكن الخروج عن ذلك بصورة جوهرية لا سلباً ولا إيجاباً. وقد فرض النهج المتبع قيوداً على العلاقات المدنية المتبادلة خارج العلاقات الرسمية، وضيّق على حرية عمل الشركات ورجال الأعمال ، وفرض عقوبات على الجهات المصرية التي حاولت خرق هذه القيود.
•وباستثناء حفنة من الكتّاب والمفكرين من ذوي التوجهات الليبرالية أو اليسارية الذين كانوا مستعدين لدفع ثمن شخصي والمخاطرة بالتعرض لعقوبات من قبل اتحاداتهم المهنية، لم تتبنّ أي قوة سياسية مهمة أو اجتماعية في مصر السلام مع إسرائيل، ولم تدخل في مواجهة مع معارضي التطبيع، ولم تعمل على نشر قيم المصالحة والتعايش وقبول الآخر.
•لقد كان هناك سبب مزودج لذلك: أولاً، منع النظام المصري نشوء معسكر سلام شعبي ومستقل يعمل خارج الاحتكار المؤسساتي الرسمي. ومن المفارقات أن النظام الذي وقّع اتفاق السلام هو نفسه أيضاً الذي سمح لمعارضي السلام بالإساءة إلى أفراد عبّروا علناً عن تأييدهم للسلام والتطبيع، وحاولوا بناء قنوات اتصال مدنية مع إسرائيل.
•ثانياً؛ إن أغلبية الناشطين والمفكرين المصريين الذين ينتمون إلى التيار الليبرالي، كانوا بمثابة مرشحين طبيعيين لقيادة معسكر مصري يرفع لواء السلام، اختاروا موقفاً مغايراً. وبدلاً من الدعوة إلى السلام، ادعت هذه الأغلبية أن نظاماً ديمقراطياً منتخباً هو الذي سيسمح لمصر بالوقوف في مواجهة إسرائيل بقوة أكبر من نظام لم يُنتخب.
•لكن الثورتين اللتين حدثتا في مصر في 25 كانون الثاني/يناير 2011 وفي 30 حزيران/يونيو 2013 نشأت منهما دينامية جديدة، تحمل في طياتها إمكانية حدوث تحول تاريخي إيجابي في الرأي العام المصري، خاصة في أوساط الجيل الشاب، في ما يتعلق بالسلام والتطبيع مع إسرائيل.
•لقد نشأ بعد هاتين الثورتين في مصر جيل جديد ذو توجهات ليبرالية - علمانية، يتحفظ على الطابع المؤيد للعرب وعلى الأسلمة، ولا يخاف من النظر بعين نقدية إلى الاجماعات الوطنية والدينية والاجتماعية المهيمنة.
•لقد بدأ الشباب المصري الذي يأخذ معلوماته من الإنترنت بطرح تساؤلات جديدة بالنسبة إلى العلاقة بإسرائيل: هل العداء معها حقيقي أو وهمي؟ وهل هذا العداء يخدم مصر أو يضر بها؟ ما هو الأفضل بالنسبة إلى مصر، وضع حرب أو وضع سلام؟ من هو العدو: دول تدعم الإخوان المسلمين والإرهابيين في سيناء، أو إسرائيل التي تساعد الجيش المصري في محاربة الإرهاب؟
•إن ظهور جيل مصري علماني وليبرالي، ذي نظرة جديدة إلى السلام مع إسرائيل، يحمل فرصة عودة الحرارة إلى العلاقات بين الشعبين، وإضافة بعد مدني إلى التنسيق الأمني الوثيق القائم منذ مدة على المستويات الرسمية.
•بيد أن ترسّخ هذا الجيل كمعسكر فاعل ومؤثر يواجه ثلاثة عوائق: العائق الأول استمرار توجه مؤسسات الحكم في مصر نحو مصادرة احتكار علاقات السلام مع إسرائيل بصورة حصرية. والعائق الثاني هو استمرار الجمود في عملية السلام الإسرائيلية - الفلسطينية. وثمة عائق ثالث ينبع من الفجوة الكبيرة في القيم بين الجيل الشاب في مصر وعناصر دينية – قومية في إسرائيل.
•بالإضافة إلى الحكومات، ثمة دور مهم للقوى المدنية لدى الطرفين في عودة الحرارة إلى السلام. فهي التي تقدر على التضامن من أجل الدفع قدماً بسلام جدي، يستند إلى الرغبة في حياة مشتركة، واعتراف متبادل وفي تعزيز قيم السلام والمصالحة.
•لقد خرقت تكنولوجيا المعلومات الموجودة اليوم في متناول الشعوب، والمنتشرة بصورة خاصة وسط الجيل الشاب، الكثير من العوائق والحدود المفروضة من فوق. وفي استطاعة أنصار السلام التحدث، ونشر أفكار واستخدام المنصات التي تتيحها لهم وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت أقوى وأفعل من وسائل الإعلام التقليدية.
•وإذا حظي استعداد الجيل الشاب في مصر لتطوير علاقات السلام بالشرعية من جانب المؤسسة المصرية ومن الجمهور الإسرائيلي، فإن ذلك يمكن أن يساهم في الانتقال من السلام الرسمي القائم حالياً إلى السلام المدني المنشود.