•منذ وقت طويل لم نسمع هذا الكم من التصريحات التهديدية بما يشبه المعركة الكلامية التي خاضتها إسرائيل في الأسبوع الماضي ضد تمركز إيران في أراضي سورية، وفي مواجهة احتمالات انتقام حركة الجهاد الإسلامي لمقتل عناصرها في تفجير النفق بالقرب من كيسوفيم.
•لقد كانت التصريحات التي صدرت عن وزير الدفاع خلال زيارته للحدود الشمالية يوم الأربعاء غير مسبوقة في حدتها حتى بمقاييس أفيغدور ليبرمان حين قال: "الجيش الإسرائيلي مستعد ومهيأ لأي سيناريو. ونحن نحتفظ بحرية تحرك مطلقة. لن نسمح بتمركز إيراني في سورية، ولن نسمح بتحويل سورية إلى قاعدة متقدمة ضد دولة إسرائيل. ومن لم يفهم ذلك، يجدر به أن يفهمه".
•تكشف هذه الزيارة إلى الشمال برفقة رئيس الأركان اللواء غادي أيزنكوت وسائر كبار المسؤولين العسكريين حقيقة أن هذه الجبهة تشكل أكبر تحد بالنسبة إلى إسرائيل. إن الأحداث الداخلية الغريبة في لبنان، بما فيها مغادرة رئيس الحكومة الحريري، صرفت أنظار حزب الله عن حساب العدو الإسرائيلي، لكن التحركات الإيرانية التي تشمل اقامة قاعدة دائمة على أراضي سورية هي ذات أهمية كبيرة: تسعى إيران إلى رفع مستوى تهديدها حيال إسرائيل قبل احتمال تعرض منشآتها النووية للهجوم، لذا يشكل وجودها الرسمي على أراضي سورية خطراً لا مثيل له.
•إن التخوف الأكبر هو من أن تنقل إيران إلى سورية في المستقبل بطاريات دفاع جوي أكثر تطوراً، وصواريخ بر وبحر متطورة تمس بحرية الملاحة والطيران. ويمكن أن يشكل هذا بداية فقط لحرب صاروخية ضخمة.
•من وراء كواليس التصريحات أمام الميكروفونات، تجري اتصالات سياسية دولية بهدف منع التمركز الإيراني في سورية. وقد وظفت إسرائيل جهوداً كبيرة في واشنطن للتحذير من هذا الخطر الذي لا يتهددها فقط، بل يهدد الأردن أيضاً، الجارة الثالثة في مثلث الحدود، لكن الأميركيين ليسوا معنيين بسورية حقاً.
•إن الذي يسيطر على سورية بعد انتصار الأسد في الحرب الأهلية هو روسيا. يقول الروس لكل طرف من الأطراف بمن فيهم إسرائيل، ما يرغب في سماعه، لكنهم يفعلون ما هو الأفضل بالنسبة إلى روسيا. في هذه المرحلة، تلتقي المصلحة الروسية بصورة غير سيئة مع المصلحة الإيرانية. لهذا قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هذا الأسبوع إن الوجود الإيراني في سورية شرعي، وذلك بعد أسبوعين من الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الروسي لإسرائيل حيث أظهر كثيراً من الود وقليلاً من الخطوات العملية ضد التمدد الإيراني.
•هل التصعيد في الشمال يمكن أن يتحول من كلام إلى صواريخ؟ على الرغم من تهديدات جميع اللاعبين، حتى إيران تفهم ما هي الحرب النفسية، ليس لأي طرف من الأطراف مصلحة حقيقية في الانجرار إلى حرب، وبالتأكيد ليس إسرائيل. بيد أن المشكلة هي أن للتصعيد دينامية خاصة به، ويمكن أن تنشب حروب أيضاً من جراء سوء فهم للعدو (انظر عملية الجرف الصامد في 2014)، لذا فإن الوضع حساس للغاية.
•هذا الأسبوع بدت الخطوات في الساحة الأخرى، في مواجهة حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني التي يأتي تمويلها وتعليماتها من طهران، أيضاً كأنها حرب نفسية حقيقية. بداية هذه المعركة كانت من خلال الظهور الدراماتيكي لمنسق الأنشطة في المناطق اللواء يوآف (بولي) مردخاي، أمام الكاميرات مساء يوم السبت. قال مردخاي بلغة عربية سليمة يدرسونها في وحدات الاستخبارات في الجيش: "إن حركة الجهاد الإسلامي تلعب بالنار على ظهر سكان قطاع غزة، وعلى حساب المصالحة الفلسطينية، والمنطقة كلها."
•يوجد في الجيش الإسرائيلي وحدات تهتم بالحرب النفسية، ويمكن تقدير أن ذلك جزء لا يتجزأ من المجهود الرامي إلى منع هجوم انتقامي تشنه حركة الجهاد بعد مقتل 12 من عناصرها في تفجير النفق الشهر الماضي.
•تتعرض حركة الجهاد الإسلامي إلى ضغط شعبي غزاوي للرد، ومن جهة أخرى إلى ضغط من "حماس" ومن مصر لكبح النار من أجل عدم تعريض المصالحة الفلسطينية الهشة للخطر. وثمة تخوف حقيقي في إسرائيل من حدوث هجوم كبير أو إطلاق صواريخ، ولهذا جرى اتخاذ خطوات عملية لإحباط هذه الاحتمالات مثل اعتقال قائد الجهاد الإسلامي في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] طارق قعدان يوم الاثنين الماضي، ونشر بطاريات القبة الحديدية في وسط البلد.
•إن الجهد النفسي "لإقناع" حركة الجهاد الإسلامي بالامتناع عن الانتقام كبير. وسخاء الجيش الإسرائيلي، غير المعهود، في إعطاء تفاصيل عن تدابير التأهب، بما في ذلك نشر القبة الحديدية، يشكل جزءاً من هذا الجهد الدعائي. والرسالة هي "لا تعبثوا معنا، نحن على أهبة الاستعداد". لكن حتى في هذه الجبهة ليس في إمكان أحد أن يؤكد أن الانتقام لن يأتي، وفي أعقابه يأتي التصعيد في مواجهة غزة.