معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•في 3 تشرين الأول/أكتوبر هدم الجيش الإسرائيلي نفقاً هجومياً حفره الجهاد الإسلامي داخل أراضي إسرائيل من قطاع غزة. وكانت هذه أهم عملية قام بها الجيش الإسرائيلي في القطاع منذ عملية "الجرف الصامد" سنة 2014، ولو بسبب مصادفة مقتل سبعة مخربين بينهم مسؤولون كبار في الجهاد الإسلامي، ونشطاء من الوحدة الخاصة في "حماس". إن عدد القتلى ومنصبهم الرفيع، وبحد ذاته الهجوم على النفق الذي يعتبر في نظر "حماس" وجهات إرهابية أخرى في غزة "بنية تحتية استراتيجية"، يمكن أن يولّد ضغطاً على الجهاد الإسلامي للرد، وأن يثير مصاعب في وجه "حماس" في كبح الرد أو منعه. وبالفعل هددت هذه الجهات بعد الهجوم بالرد "في الزمان والمكان المناسبين". وذلك رغم عدم وجود ذريعة، لأن النفق الهجومي اجتاز الحدود ووصل إلى أرض خاضعة للسيادة الإسرائيلية.
•ورغماً عن أن الرد مبرر في نظر الجهاد الإسلامي و"حماس"، فمن المعقول الافتراض أن "حماس" تفضل احتواء الحادثة والامتناع عن التصعيد. وتبرز في خلفية ذلك جهود "حماس" من أجل الدفع قدماً باتفاق المصالحة بينها وبين السلطة الفلسطينية، وهي تصغي جيداً إلى المصريين، الذين يقودون العملية. وقد نقلت مصر رسائل قاطعة إلى قيادة "حماس" بشأن ضبط النفس المطلوب. وبالإضافة إلى خطر تراجع عملية المصالحة إلى الوراء، فإن التصعيد من شأنه أن يزيد في مفاقمة الوضع الإنساني الصعب في القطاع، وقد تجد "حماس" نفسها في مواجهة انتقادات شعبية قاسية، وتآكل لمكانتها وسط سكان القطاع. كما أنه من المعقول الافتراض بأن الردع الإسرائيلي الذي تعزز منذ عملية "الجرف الصامد" هو بمثابة كابح إضافي. لذا إذا حدث رد، يمكن الافتراض بانه سيكون محدوداً، ومن باب القيام بالواجب، وسيقوم به الجهاد الإسلامي أو فصيل آخر، وليس "حماس"، وسيكون بمثابة رسالة إلى إسرائيل بأنه ليس هناك مصلحة للسلطة في غزة بجولة قتال.
•من المهم لقيادة "حماس" مواصلة المُناخ الإيجابي الذي نشأ مع بلورة اتفاق المصالحة مع السلطة الفلسطينية، بسبب الميزات التي احتوى عليها بالنسبة إليها. والدليل على ذلك يمكن أن نجده في تصريحات زعيم "حماس" في غزة، يحيي السنوار، التي قال فيها إنه "سيكسر رقبة " كل من يحاول منع المصالحة. لذلك، ورغم التوتر الناشىء بعد تدمير نفق الإرهاب، نقلت "حماس" بعد مرور يوم على الهجوم، كما كان مخططاً له، المسؤولية عن معبري "إيرز" وكرم سالم" إلى السلطة الفلسطينية، بحسب الاتفاق. وفي 12 تشرين الثاني/نوفمبر ستنتقل السيطرة على معبر رفح في الحدود المصرية إلى يد السلطة.
•ما تزال "حماس" تمر بعملية اعادة بناء عسكرية (سريعة نسبياً) ومدنية (أكثر بطئاً) وذلك بعد الأضرار التي لحقت بالحركة وبالبنية التحتية في القطاع خلال عملية "الجرف الصامد". وما أدى إلى تأخير عملية اعادة البناء المدنية القيود التي فرضتها إسرائيل على دخول مواد ثنائية الاستخدام لأسباب أمنية؛ وعدم التلقي الكامل لأموال المساعدات الموعودة؛ واستخدام "حماس" لجزء من الموارد والأموال التي حولت إليها من أجل إعادة البناء المدنية من أجل تعاظم بناء قوتها العسكرية وبناء أنفاق؛ وهناك عقوبات السلطة الفلسطينية، التي لم ترفع بالكامل. وقد أثار هذا الواقع انتقادات حادة ضد سلطة "حماس" وسط الجمهور الغزاوي. وبالاضافة إلى الدمار الهائل الذي من المتوقع أن يقع في غزة في حال وقوع جولة مواجهة أخرى مع إسرائيل، يتخوفون في "حماس" من وقف تحويل الأموال من الدول العربية، وتوقع أن تعطي الإدارة الأميركية، التي تعتبر "حماس" مسؤولة عن الهجمات ضد إسرائيل من أراضي القطاع، حريّة العمل لإسرائيل في المواجهة المقبلة.
•يبدو أن هجوم الجيش على النفق لم يغير شيئاَ في ميزان هذه الاعتبارات، والذي هو أيضاً وجّه قبل الهجوم "حماس" نحو انتهاج ضبط النفس. من جهة أخرى، فإن اعتبارات حركة الجهاد الإسلامي التي لا تتولى مسؤوليات حكومية في القطاع مختلفة. والردع الإسرائيلي تجاهها أضعف بالمقارنة مع الذي يمارس حيال "حماس"، وليس واضحاً إلى أي حد سيكون مهماً ردع "حماس" تجاهها، كما أن دوافعها للعمل والرد أكبر بكثير. بناء على ذلك، ليس من المستبعد أن يفضل الجهاد الإسلامي وربما "حماس" أيضاَ، في حال وقوع هجوم على أنفاق هجوميه تابعه لها، الرد في الضفة الغربية أو انطلاقاُ منها. وذلك على افتراض أن الرد الإسرائيلي على غزة، إذا حدث، سيكون مكبوحاً ومضبوطاً.
توصيات بالسياسة المطلوبة
أ-عمليات عسكرية علنية وسرية ضد أنفاق "حماس"- إن قدرة إسرائيلية مؤكدة للكشف عن الأنفاق وتدميرها تقوض منطق عمل "حماس" والجهاد الإسلامي القائل بإن الانفاق الهجومية هي أداة استراتيجية ونفسيه من الطراز الأول، وذلك في ضوء تضاؤل فعالية ترسانة الصواريخ بفضل منظومة "القبة الحديدية". بناء على ذلك، من الواضح أن إسرائيل ستواصل هدم أنفاق الإرهاب التي تتسلل إلى أراضي إسرائيل، بالإضافة إلى مواصلة بناء العائق الأرضي.
ب-في حال حدوث رد وإطلاق صواريخ من قطاع غزة - سواء كانت "حماس" من قام بالعملية أو أي تنظيم إرهابي آخر، يجب على إسرائيل التمسك بالسياسة القائمة التي تحمّل "حماس" المسؤولية عن أي إطلاق نار أو هجوم بوصفها المسيطرة على قطاع غزة، ولذا فإن بناها التحتية العسكرية ستكون هدفاً للرد. وستضطر إسرائيل إلى مواصلة المناورة بين الحاجة إلى رد عسكري ضد "حماس" لتعزيز الردع ومنع "رشح" إطلاق النار، وبين تقليص خطر التصعيد الذي يؤدي إلى جولة عسكرية واسعة إضافية.
ج-إمكانية التعاون مع حكومة الوفاق الفلسطينية فيما لو توفّر إجماع واسع بشأن سياسة معالجة أنفاق الإرهاب وضرورة تدميرها، فإن الأمور التي تتعلق بعملية المصالحة أكثر تعقيداً بالنسبة إلى إسرائيل. وتبرز حادثة هدم نفق الإرهاب الحاجة إلى بلورة سياسة حيال عملية المصالحة، واستنفاد الفرص التي تتيحها لإسرائيل من أجل بلورة واقع أو بيئة استراتيجية أكثر راحة.
د-لكن، مع أن فرص نجاح عملية المصالحة ليست كبيرة، فإن مجرد وجودها يمكن أن يخدم مصالح استراتيجية إسرائيلية، ويتيح هامشاً معيناً لبلورة واقع مريح أكثر بالنسبة إلى إسرائيل وأيضاً بالنسبة إلى سكان قطاع غزة. إن المصالحة تعزز قوة السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، وترسخ تأييد استراتيجية الكفاح الدبلوماسي والدولي للسلطة (التي هي أيضاً تتطلب رداً إسرائيلياً)، على حساب استراتيجية الإرهاب. بناء على ذلك، من غير الصائب بالنسبة إلى إسرائيل الوصول إلى وضع تتعرقل فيه المصالحة أو تتوقف بسبب عملياتها العسكرية؛ ومن الأفضل لإسرائيل، من وجهة النظر الاستراتيجية، ترك مسؤولية توقف المصالحة للفلسطينيين. من هنا أهمية ضمان التوازن المعقد بين الحاجة إلى رد عسكري وبين المحافظة على الردع، والاستفادة من الإمكانيات من أجل تحسين الواقع الاستراتيجي الموجود في عملية المصالحة بحد ذاتها.
•لهذه الغاية، من المهم الدفع قدماً بالتعاون مع حكومة الوفاق الفلسطينية التي تحظى برعاية مصرية، وخصوصاً التعاون مع أجهزة الأمن الفلسطينية التي ستنتشر في المعابر، من أجل مرور المطلوب لإعادة بناء القطاع بأحجام كبيرة. في المقابل، يجب العودة إلى التأكيد على الطلب من "حماس"، بدعم من الرئيس عباس وبضغط أميركي ومصري، الاعتراف بشروط اللجنة الرباعية. كذلك من المهم أن نُظهر أمام المجتمع الدولي، وخصوصاً أمام مصر والولايات المتحدة، أهمية مطالبة عباس بقيام "سلطة واحدة، وقانون واحد، وسلاح واحد" ودعم هذه المطالب. إن الهدف من هذه المطالبة الضغط على "حماس" لنزع سلاح الذراع العسكري للحركة والتخلي عن سلاحها، على الرغم من أن احتمال استجابة "حماس" لهذا المطلب ضعيف جداً.
•في الوقت عينه، يتعين على إسرائيل استغلال الواقع الجديد الناشئ في القطاع من أجل توسيع وترسيخ التعاون مع القوات الأمنية المصرية وأجهزة الأمن الفلسطينية في المعابر ضد محاولات تهريب أسلحة من سيناء ومن إسرائيل إلى أراضي السلطة الفلسطينية وإلى غزة، وتأمين التزود المنتظم والفعال للمنطقة بمواد البناء ووسائل أخرى لإعادة البناء المدنية.