•في مؤتمر دولي عُقد في إسرائيل في أيلول/سبتمبر الفائت، شاركت فيه، حضر ضيف من الأردن معروف جيداً في إسرائيل، وهو ممن سبق له أن شارك في مفاوضات السلام بيننا وبين الأردنيين ولا يتردد في حضور مؤتمرات تعقد عندنا حول موضوعات مختلفة، ويعتبر اليوم من الذين لديهم علاقات جيدة مع العائلة المالكة. تحدثنا في المؤتمر عن الأزمة الحادة التي نشبت بين الدولتين في أعقاب إطلاق النار دفاعاً عن النفس قام به حارس في سفارتنا في الأردن، مما أدى إلى مقتل مواطنيَن أردنييَن.
•لم يسبق لي أن رأيت الضيف الأردني مستاء إلى هذا الحد كما رأيته في هذا المؤتمر، وقال بشكل جازم إن الأردن لن يوافق أبداً على عودة السفيرة الإسرائيلية إلى العاصمة عمان، لأنه يعتبرها المسؤولة المباشرة عن الأزمة. أما سائر الجوانب في الأزمة فإنها قابلة للحل. وأعترف أنني فوجئت بالأسلوب، و لم تترك لهجة الضيف مجالاً للشك بأنه في الحقيقة يعكس موقفاً سمعه في الأردن.
•وبعد حديث طويل حاولت فيه التخفيف من استيائه، ظل على موقفه. في قرارة نفسي ثارت ثائرتي ضد سلوك الضيف الأردني لأن قرارات دولة مستقلة وذات سيادة مثل إسرائيل هي قرارات مستقلة وسيادية، والأردنيون لا يفرضون علينا ما يجب فعله.
•ولكن سرعان ما رأيت أنني أتكلم بانفعال وليس بتعقل. يجب أن نتوقف لحظة ونفكر في ما هي مصلحة إسرائيل في الوقت الحالي في ضوء ما يجري من حولنا والتحديات التي نواجهها: هل من الأفضل مواصلة ادعاء أن الأردن بحاجة إلى إسرائيل أكثر مما إسرائيل بحاجة إليه، وفي نهاية الأمر سيهدأ الأردن مع مرور الوقت وسيتخلى عن تهديداته؟ أو ربما من الأفضل تحديداً العثور على سبيل آخر لتقصير مدة الأزمة وإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه؟ أنا مع الحل الثاني.
•في العالم الدبلوماسي هناك مصطلح يسمى agreement (موافقة مسبقة)، إذ يتعين على الدولة التي ترسل سفيراً لها أن تحصل على موافقة الدولة التي ستستقبل هذا السفير. ومن دون ذلك لا يستطيع السفير استلام منصبه. إن المغزى العملي لذلك هو أن من حق الدولة المضيفة رفض استقبال سفير لأسباب معينة. وهذا ما حدث لنا مع البرازيل واضطررنا إلى تعيين سفير آخر بعد انتظار قرابة السنة. وفي إحدى المرات عارضت مصر تعيين سفير معين لديها، لكنها بعد ذلك اختارت أن تفعل ذلك بصمت. وعلى الرغم من عدم الرضا عن ذلك، فإن من حق الأردن رفض استقبال سفيرنا أو سفيرتنا.
•هذا أمر ليس محبباً، لا، بل هو مثير للغضب، لكن هناك قواعد دبلوماسية بين الدول، ولهذا يجب السعي إلى حل الأزمة من دون تأجيل.
•إن أحد احتمالات الحل هو اعادة الرجل الثاني في السفارة إلى عمان كمسؤول موقت عن السفارة إلى حين تعيين سفير أو سفيرة جديدة. لا فائدة من التحصن وراء المتاريس والسماح للأزمة بالاستمرار أكثر مما يجب، لأنه في نهاية الأمر إذا واصل الأردن رفض إعادة سفيرتنا، فسنضطر إلى القبول بذلك غصباً عنّا. ومن الأفضل والحال هذه، استخدام دبلوماسية ناجعة بدلاً من تعنت عقيم.