•إن إعلان الجيش الإسرائيلي أن إسرائيل تحتفظ بجثامين خمسة فلسطينيين كانوا يحفرون نفقاً هجومياً في غزة، كان مناورة مفاجئة وتصريحاً استخباراتياً وسيكولوجياً، لكن ثمة شك كبير في ما إذا كانت هذه المناورة ستدفع قدماً بصفقة لتبادل الجثامين. منذ العثور على النفق الهجومي الذي حفره الجهاد الإسلامي قبل أسبوع، حفرت إسرائيل سراً من أجل العثور على جثث الحفارين الذين قتلوا في هجوم النفق الذي في جزء منه يقع داخل أراضي إسرائيل. ومن أجل العثور عليهم كانت إسرائيل بحاجة إلى وقت، وقد ربحته بواسطة اتصالات عقيمة مع الصليب الأحمر الذي توجه إليها باسم "حماس" والجهاد الإسلامي.
•طلب التنظيمان الفلسطينيان من الصليب الأحمر أن يطلب من إسرائيل السماح لهما بالحفر للعثور على جثامين رجالهم الموجودين في الجزء من النفق الواقع بالقرب من الحدود في منطقة غزة يطلق عليها اسم الـ“parameter” التي تشكل نوعاً من منطقة فاصلة أقيمت بعد عملية "الجرف الصامد" في صيف 2014 بالاتفاق بين إسرائيل و"حماس" كجزء من الاتفاق على إنهاء القتال. وبحسب الاتفاق، هناك مساحة تراوح بين 100 متر إلى 150 متراً تابعة لسيادة غزة، لكن يحظر على سكان غزة الدخول إليها. وإذا دخلوا إليها من حق الجيش الإسرائيلي إطلاق النار عليهم. لقد أوضحت إسرائيل أنه ما دامت "حماس" تحتفظ بجثماني الجنديين أورون شاؤول وهدار غولدين، وبمواطنين على قيد الحياة هما أبراهام منيغستو وهشام السيد، وترفض تقديم معلومات عنهم، فإن طلب "حماس" مرفوض وسيرفض.
•في هذه الأثناء ادعت منظمات للدفاع عن حقوق الإنسان وبعض الشخصيات العامة في إسرائيل أن على إسرائيل الاستجابة لطلب المنظمتين الإرهابيتين. وحتى النيابة العامة للدولة لم تكن مرتاحة من موقف إسرائيل، وذلك لأن المتاجرة بالجثامين عمل غير إنساني ويتعارض مع قيم دولة ليبرالية وديمقراطية. مع ذلك، هناك أوضاع وظروف لا مفر من استخدام القسوة فيها في مواجهة عدو قاس من دون شفقة يتاجر كل بضع سنوات بجثامين عدوه. لقد تصرفت إسرائيل هذه المرة بهذه الطريقة، وحسناً فعلت.
•ليست هذه المرة الأولى التي تجري فيها صفقات بين إسرائيل والتنظيمات الإرهابية الفلسطينية أو مع حزب الله، والتي جرى في جزء منها تبادل جثامين. ولهذا الغرض لدى إسرائيل نوع من "بنك" جثامين، أي المقابر التي دفنت فيها جثامين شهداء العدو ومخربين لاستخدامهم كـ"أوراق مقايضة". وستُدفن جثامين حفاري الجهاد الإسلامي في هذه المدافن، وسينضمون إلى أوراق المقايضة التي تحتفظ بها إسرائيل.
•لكن هذا الأمر لن يغير الواقع. منذ ثلاثة أعوام تجري اتصالات غير مباشرة بواسطة وسطاء مختلفين بين إسرائيل و"حماس" للدفع قدماً بصفقة. تطالب "حماس" كشرط مسبق لأي تقدم، بإطلاق 50 سجيناً من أعضائها. وهؤلاء هم مخربون كانوا في السجن وأطلقوا في صفقة شاليط سنة 2012، ثم اعتقلوا مجدداً وأعيدوا إلى السجن بعد مقتل تلامذة اليشيفا الثلاثة في غوش عتسيون، وهذه خطوات أدت إلى تدهور الطرفين إلى عملية الجرف الصامد [2014].
•تعارض إسرائيل ذلك، وتطالب بأن تكون المفاوضات من دون شروط مسبقة. وتتشدد إسرائيل في موقفها بالمقارنة مع سوابق الماضي حين خضعت لمعظم مطالب التنظيمات الإرهابية. هذه المرة هي مستعدة مقابل الحصول على جثامين جنود إعادة جثامين فقط، ولن تعيد معتقلين. ومقابل المواطنين الأسيرين هي مستعدة لإطلاق عدد قليل من المخربين، ولا عودة إلى الخطوط العريضة لصفقات الماضي حيث مقابل جندي واحد أو بضعة جنود، كان يُطلق سراح ألف مخرب أو أكثر. بناء على ذلك، فإن فرص التوصل إلى صفقة مقايضة ضئيلة مثلما كانت قبل 3 سنوات، حيث كل طرف تحصن بموقفه ويرفض إبداء أي مرونة.