لبنان بعد استقالة الحريري في ظل المواجهة السعودية - الإيرانية
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

•أعلن رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري بصورة مفاجئة في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر، أثناء زيارته إلى السعودية، استقالته من منصبه. وفي سياق تفسيره لهذه الخطوة هاجم الحريري بشدة إيران وحزب الله قائلاً إن إيران تحاول فرض حقائق بالقوة في لبنان: "إيران تتخطى السلطة اللبنانية وتحاول فرض حقائق على الأرض. وفي أي مكان تحل فيه إيران هناك حروب إخوة ودمار... ويداها في المنطقة ستقطع". ولم يجنب الحريري حزب الله انتقاداته فقال: "لقد نجح الحزب في فرض حقائق بواسطة قوة السلاح. ونحن نرفض وجود سلاح لا يخضع لسلطة الدولة الشرعية في لبنان". واتهم الحريري حزب الله بمحاولة اغتياله مثلما اغتال والده (في شباط/فبراير 2005).

•يتولى الحريري رئاسة الحكومة منذ كانون الأول/ديسمبر 2016، وجرى تكليفه بهذا المنصب في إطار "صفقة" اتفقت في إطارها، بعد فترة طويلة من نفق مسدود، الكتلتان السياسيتان المتخاصمتان في لبنان "قوى الرابع عشر من آذار/مارس" المدعومة من السعودية والغرب، و"المعسكر المعارض 8 آذار/مارس" الذي يقوده حزب الله، على انتخاب ميشال عون (الماروني) رئيساً للجمهورية، وتكليف زعيم "تيار المستقبل" سعد الحريري، الذي حل مكان والده في زعامة الطائفة السنية في لبنان، برئاسة الحكومة. وقد دل سلوك الحريري حتى استقالته على محاولته التوصل إلى قاسم مشترك بين المعسكرين، وكان واضحاً أنه كان يعمل تحت ضغوط من جانب حزب الله وإيران، خاصة على خلفية التطورات في سورية، وهزيمة تنظيم "داعش"، وتعزيز قبضة النظام السوري وإيران، والضغوط المتزايدة من الولايات المتحدة على حزب الله.

•يبدو حتى الآن من مجمل ردود الفعل أن الاستقالة شكلت مفاجأة كبيرة بالنسبة إلى مختلف القوى الفاعلة في لبنان، باستثناء السعودية. وبسبب ذلك يتعزز الانطباع أن التوقيت جرى تنسيقه سلفاً مع السعوديين رعاة الحريري، لأن إعلان الاستقالة أتى بعد اجتماعه مع ولي العهد محمد بن سلمان ومع مسؤولين سعوديين كبار. وما يعزز الاعتقاد بأن الاستقالة جرى الاتفاق عليها مع كبار المسؤولين في العائلة المالكة، إذا لم تكن فعلاً فرضت عليه، يمكن أن نجده في كلام ثامر السبهان الوزير السعودي لشؤون الخليج ومن كبار المنتقدين لإيران وحزب الله، الذي التقى  الحريري أيضاً. وكان السبهان دعا قبل بضعة أيام من استقالة الحريري إلى اسقاط حزب الله، ورأى أنه يجب معاقبة الذين يتعاونون معه.

•ويشار إلى أنه في أواخر 2016 تحسنت العلاقات قليلاً بين لبنان والسعودية، بعد إعطاء المملكة مباركتها للصفقة السياسية التي تبلورت. ومن المحتمل أن السعوديين توقعوا أن يكون لذلك تأثير في الرئيس المنتخب عون باتجاه دفعه إلى التخلي عن حلفائه السياسيين الحاليين. وضمن هذا الإطار ظهرت تقارير تحدثت عن زيارة يجري الإعداد لها للملك سلمان إلى لبنان، وجرى تعيين سفير سعودي جديد في لبنان بعد أكثر من سنة لم يكن خلالها للمملكة سفير. بالإضافة إلى ذلك، أدى التحسن في العلاقات بين الدولتين إلى ارتفاع كبير في السياحة السعودية إلى لبنان، وتضاعف عدد السياح السعوديين في لبنان في مطلع 2017 بالمقارنة مع السنة السابقة.

•تعتبر السعودية حزب الله ذراعاً إيرانية بكل معنى الكلمة، وأن هدفه زيادة نفوذ إيران في المنطقة وزعزعة استقرار الدول العربية، ولا تعتبره تنظيماً لبنانياً مقاوماً. وعلى هذه الخلفية، وبرغم  أن التفسير الرسمي للاستقالة ما يزال مشوباً بالغموض، يبدو أن هذه الاستقالة هي نتيجة تقدير السعوديين أن العملية السياسية التي كانوا شركاء فيها في لبنان في 2016 لا تساهم في الحد من قوة حزب الله، وأن الحريري كرئيس للحكومة انجرّ وراء جدول أعمال الحزب، ولم ينجح في تقليص نفوذه ولا نفوذ إيران في لبنان الآخذ هو كذلك في التعاظم. ومن المحتمل أن القيادة السعودية تفترض أن الاستقالة ستؤدي إلى تآكل الشرعية التي حصل عليها حزب الله بالذات من جرّاء وجوده في الحكومة اللبنانية. وكان "مجلس التعاون الخليجي" الذي يضم 6 دول خليجية عربية قرر في آذار/مارس 2016 وضع حزب الله على قائمة التنظيمات الارهابية، وألغت السعودية مساعدة  تقدر بـ4 مليارات دولار لشراء سلاح للجيش اللبناني والقوى الأمنية في لبنان، خوفاً من أن يصل السلاح إلى حزب الله. وعلى الرغم من ذلك فإن جزءاً من هذا السلاح من انتاج فرنسا وصل إلى لبنان.

•ليس واضحاً إلى أي حد استقالة الحريري هي جزء من استراتيجية منسقة بلورتها القيادة السعودية ضد إيران، وهل ستتضمن خطوات إضافية مطلوبة من أجل تقليص نفوذ حزب الله وإيران في لبنان. ومع ذلك، من المعقول أن تكون هذه الخطوة اتخذت في اطار تعاظم صراع القوى الدائر بين السعودية وإيران، خاصة في ضوء إنجازات إيران في سورية وفي العراق، التي أظهرت تفوقها في عدد من الساحات في الشرق الأوسط، والرغبة السعودية في كبح هذا التوجه. ومن المحتمل أيضاً أن هذه الخطوة مندمجة مع استراتيجية أميركية، كما عبر عنها الرئيس ترامب، بهدف زيادة الضغوط على إيران وحزب الله. وضمن هذا الإطار وافق الكونغرس على تشريعات  تقضي بزيادة العقوبات على حزب الله. ويشار الى أنه بحسب تقارير في وسائل الإعلام، فقد قام صهر ومستشار الرئيس ترامب، جاريد كوشنير بزيارة إلى السعودية مؤخراً، التقى خلالها ولي العهد محمد بن سلمان.

•استقالة الحريري ستفاقم التوترات السياسية القائمة في لبنان. وتدل الانتقادات الحادة الصادرة عن إيران وحزب الله حيال خطوة الحريري وتحميل السعودية المسؤولية المباشرة عن زعزعة النظام في لبنان، على أن التسوية السياسية التي جرى التوصل إليها في العام 2016 خدمت أهدافهما، وأن الفوضى التي من المتوقع أن تحدث حالياً في لبنان قادرة على عرقلة تحقيقهما لأهدافهما. 

•ومع أن خطوة الاستقالة تدخل لبنان في فترة طويلة من عدم الاستقرار السياسي، فإن مصلحة حزب الله وإيران هي الامتناع عن الإنجرار إلى مواجهات، على أمل أن يكون في الإمكان المحافظة على استقرار النظام. وفي الوقت عينه، من المعقول أن الضغوط التي من المحتمل أن تمارس على الحزب لن تدفعه إلى التخلي عن الأهداف التي وجهته حتى الآن، خصوصاً تعزيز ورفع مستوى قوته العسكرية. ثمة شك في أن الرهان السعودي على أن تهمة المسؤولية عن الاستقالة ستوجه إلى حزب الله، وأنها ستضعف مكانته في الساحة اللبنانية، سيتحقق. بل العكس هو الصحيح: من المحتمل أن يستغل حزب الله بمساعدة من الرئيس عون الوضع من أجل تعزيز مكانته. ومن المحتمل أيضاً، أن تكون النتيجة المباشرة لخطوة الاستقالة تآكل النفوذ السعودي على حكومة لبنان، الذي كان محدوداً أصلاً، وأن تملأ إيران الفراغ. في جميع الأحوال، لا يبدو حتى الآن أن هذه الخطوة ستؤدي إلى تغيير توجه حزب الله الحذر حيال إسرائيل، والانطباع هو أن الحزب ما يزال معنياً بمنع حدوث تدهور بينه وبين إسرائيل.