•يتابع اللاعبون في الشرق الأوسط وبينهم إسرائيل، من قرب، المصالحة بين حركتي "حماس" و"فتح"، اللتين وقعتا اتفاقاً برعاية مصر، وانعكاسات هذه المصالحة على كل منهما.
•لقد عززت المصالحة مكانة مصر، فالاتفاق الذي رعاه الرئيس المصري السيسي يشدد على مكانة مصر كطرف وحيد يستطيع تجسير الفجوات بين "حماس" و"فتح"، وذلك انطلاقاً من نية علنية من أجل تحريك العملية السياسية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. وفي أي وقت تُستأنف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، فمن المتوقع أن تلعب مصر دوراً مهماً فيها، وأن تعود إلى موقع قيادة الدول السنية، بدعم من الولايات المتحدة وأوروبا، في مواجهة المحور الشيعي – الإيراني - السوري المدعوم من روسيا.
•لقد اعتبر اتفاق المصالحة، وعن حق، كإنجاز مهم على الأقل بالنسبة إلى أبو مازن، فهو خطوة أولى في مسار طويل من المفترض أن يؤدي، نظرياً، إلى توحيد السلطة الفلسطينية كما يقول جبريل الرجوب "تحت قانون واحد وشرطة واحدة وحكومة واحدة". وهذه الخطوة الأولى من المتوقع أن تؤدي بالإضافة إلى تحسين الواقع الحياتي الصعب في غزة، إلى فتح معبر رفح، واستعادة السلطة الفلسطينية السيطرة على المعبر. وفي الواقع، فإن انضمام عناصر من السلطة الفلسطينية إلى جهاز الشرطة في غزة، وانتقال صلاحيات السيطرة الإدارية إلى الحكومة الفلسطينية، يشكلان إنجازاً بالنسبة إلى أبو مازن.
•لقد اضطرت "حماس" بفعل ضغط مزدوج من مصر والسلطة الفلسطينية، وفي ظل ضعف قطر التي كانت تقدم دعماً سياسياً ومالياً للحركة سمح لها بالسيطرة على القطاع، إلى القبول بموطئ قدم للسلطة الفلسطينية في القطاع. لكن على الرغم من ذلك، فقد رفضت "حماس" مناقشة مشكلة مهمة هي نزع سلاح ذراعها العسكرية. وكان ممثلو "حماس" أعلنوا في تصريحات سابقة أنه ما دام الاحتلال الإسرائيلي مستمراً فليس في نيتهم التخلي عن السلاح الموجه ضد إسرائيل.
•يتمحور الخلاف الداخلي - الفلسطيني بين الحركة الوطنية بقيادة "فتح" وحركة "حماس" ذات الجذور الدينية، حول ثلاث مسائل أساسية، على الأرجح لن يحلها اتفاق المصالحة: الأولى تعريف الاحتلال، إذ تطالب "حماس" بتحرير كل الأراضي من النهر إلى البحر، بينما "قتح" مستعدة للاكتفاء باسترجاع الأراضي التي احتُلت في سنة 1967.
•إن نقطة الخلاف الثانية هي حيال مسألة: هل من أجل التوصل إلى إنهاء النزاع يجب استخدام العنف كما تقول "حماس"، أو الجمع بين انتفاضة شعبية غير مسلحة وتحرك دولي كما تقول "فتح".
•أما المسألة الثالثة فتتعلق بالصورة المستقبلية لدولة فلسطين (دولة إسلامية وفقاً للشريعة أو دولة ديمقراطية).
•لقد تحولت إسرائيل إلى عنصر مركزي من أجل تحول هذا الاتفاق الأولي إلى اتفاق للوحدة الفلسطينية. إن مطالبة إسرائيل، المحقة، بنزع سلاح "حماس"، لا يمكن أن تتحقق إلاّ من خلال عملية سياسية إسرائيلية - فلسطينية، يمكن أن تظهر في نظر المجتمع الفلسطيني ذات صدقية وتؤدي إلى حل الدولتين. وحده الحصول على دعم الشارع الفلسطيني سيسمح للسلطة بقيادة عملية مثل تلك التي تحدث عنها الرجوب، والتي حتى اليوم تبدو مستحيلة. حالياً وفي ظل غياب عملية سياسية، فإن نحو 75% من الجمهور الفلسطيني يؤيد العنف المسلح. في التسعينيات، وفي فترة العملية السياسية، أيّد الشارع الفلسطيني العمل الدبلوماسي، ووقف ضد هجمات "حماس" الإرهابية.
•يُظهر اتفاق المصالحة تزايد قوة التوجه المعتدل نسبياً في "فتح" وضعف التوجه العنفي في "حماس" من جهة. ومن جهة ثانية، يحوّل الاتفاق "حماس" إلى جزء مهم في الزعامة الموحدة للفلسطينيين، ومن المحتمل يوماً ما أن تسيطر "حماس" أيديولوجياً على هذه الزعامة. ومن أجل الحؤول دون حدوث هذا الخطر، والعمل بحزم لنزع سلاح "حماس" وتقليص الخطر الأمني على إسرائيل، فإنه يجب إعطاء الجمهور الفلسطيني سبباً لتفضيل توجه "فتح" على توجه "حماس"، واعتبار الوحدة الفلسطينية فرصة وليست خطراً فقط.
•من أجل زيادة التوجهات الإيجابية المحتملة يتعيّن على إسرائيل أن تظهر استعداداً حقيقياً لتحقيق حل الدولتين لشعبين بصورة تدريجية، موثوقة، ومتواصلة. إن أفضل سبيل للقيام بذلك هو إعلان إسرائيل أنها ليست لديها مطالب بالسيادة على كل المناطق الواقعة خارج الكتل الاستيطانية، ويجب أن ترفق هذا الكلام بأفعال من خلال سن قانون الإخلاء الطوعي للمستوطنات في المناطق [المحتلة] الواقعة خارج الكتل الاستيطانية الأساسية، وفي عمق الأراضي الفلسطينية. من المفروغ منه أن الجيش الإسرائيلي سيبقى في المناطق ما لم يجر توقيع اتفاق شامل، وأن تبقى المسؤولية الأمنية في يد إسرائيل، وألاّ يحدث أي إخلاء بالقوة لأي مستوطنة إلاّ بعد حسم مصير المستوطنين الذين يعيشون في المستوطنات الواقعة شرقي الجدار الأمني ضمن إطار تسوية دائمة.
•يتعين على الإدارة الأميركية التي على ما يبدو أيدت اتفاق المصالحة، الاستمرار في تشجيع الأجواء التي نتجت من توقيع الاتفاق، والانتقال إلى المرحلة المقبلة. فإذا كان الرئيس الأميركي يؤمن حقاً بـأن النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني يجب أن يكون معلماً في عملية الاستقرار وتخفيض مستوى العنف والإرهاب في الشرق الأوسط، فيتعين عليه أن يشير إلى السبيل والوسائل التي تؤدي إلى دفع إسرائيل والفلسطينيين للتحرك نحو الاتجاه الصحيح.
•لا يشكل اتفاق القاهرة تحدياً لزعامة المجتمع الفلسطيني فقط، بل لزعامة المجتمع الإسرائيلي أيضاً، وللعالم العربي بقيادة مصر وللمجتمع الدولي بأسره. لكن هذا التحدي هو أيضاً فرصة يجب على كل من يرغب في حل النزاع استغلالها، كي يتمكن اتفاق المصالحة الداخلية بين الفلسطينيين - وهو الأخير في سلسلة اتفاقات وحدة في العقد الأخير كلها فشلت - من النجاح، والدفع قدماً نحو اتفاق دائم مع إسرائيل.