التصعيد مع سورية: الأسد يشعر بالثقة ويطلق بالونات اختبار
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•إن المؤشرات التي تتزايد في الجبهة الشمالية لإسرائيل ليست مشجعة. في منتصف الأسبوع الماضي أطلق السوريون صاروخاً من طراز أس - آي5 ضد طائرات سلاح الجو الإسرائيلي أثناء طلعة تصوير روتينية في أجواء لبنان. وردّ سلاح الجو بقصف بطارية السلاح المضادة للطائرات. يوم الجمعة فجراً أُطلقت قذائف نحو إسرائيل في هضبة الجولان. هذه الأحداث الأخيرة بالإضافة إلى تبادل التهديدات بين إسرائيل وسورية وإيران، يمكن أن تكشف عن محاولة لنظام الأسد وحلفائه من أجل وضع قواعد جديدة في مواجهة إسرائيل في الشمال.

•طوال سنوات الحرب الأهلية في سورية، إسرائيل هي التي فرضت بصورة عامة القواعد في علاقاتها مع دمشق وحزب الله، وهي التي وضعت خطوطاً حمراء: منع تهريب منظومات سلاح متطور إلى لبنان، والرد على أي إطلاق نار من أراضي سورية على أراضيها؛ وكثيراً ما قامت بتطبيق تلك القواعد. وعندما كان النظام السوري يتلقى ضربة كان يتجاهلها. وتجاهل الجيش السوري هجمات استهدفت شحنات سلاح في أراضيه، أو اكتفى بإطلاق تهديدات غير مدعومة بأفعال. في مقابل الرئيس الأسد، نجح حزب الله في وضع خطوط حمراء خاصة به رداً على الهجمات على شحنات السلاح في أراضي لبنان (القصف الذي استهدف بلدة جنتا بالقرب من الحدود السورية في العام 2014)، وعمليات الاغتيال ضد عناصره التي نسبها الحزب إلى إسرائيل.

•في الأشهر الأخيرة تغيرت الظروف إلى حد ما، فقد استرجع نظام الأسد شيئاً من ثقته بنفسه في ضوء الإنجازات التي حققها في المعركة ضد المتمردين، وذلك بعد مساعدة كبيرة من روسيا وإيران وحزب الله. وفي الوقت عينه تسعى إيران إلى الاستفادة من ثمار الانتصار مهما كان محدوداً، من خلال مراكمة الأرصدة في سورية، وزيادة وجودها العسكري هناك المكون أساساً من عناصر الحرس الثوري والميليشيات الشيعية.

•في مطلع أيلول/سبتمبر وقع هجوم جوي كبير نُسب هو أيضاً إلى إسرائيل، فقد قصفت منشأة لإنتاج الصواريخ الدقيقة غربي سورية. وشكل الهجوم ضربة قاسية للنظام السوري، وهدد الأسد بالردّ عليه. ويمكن اعتبار إطلاق الصواريخ المضادة للطائرات في الأسبوع الماضي عملية انتقامية سورية، ومحاولة لردع إسرائيل والتوضيح لها أنه لم يعد في إمكانها بعد الآن التمتع بحرية التحرك الواسع الذي استغلته طائراتها في السنوات الأخيرة. بعدها بأيام قليلة جاء إطلاق الصواريخ في الجولان. وعلى الرغم من تجدد المعارك في الفترة الأخيرة بين النظام والمتمردين، فإن إطلاق الصواريخ حدث في ساعات الصباح الأولى التي لم تشهد تبادلاً حقيقياً لإطلاق النار. فإذا كان ما حدث "انزلاقاً" للقذائف وفقاً لوصف الجيش الإسرائيلي للحالات المتكررة لسقوط صواريخ وقذائف في أراضينا، فإنه انزلاق من نوع غريب. وثمة احتمال كبير ليكون ما جرى بالون اختبار إيرانياً أو سورياً، هدفه التلميح لإسرائيل وردعها. ويشار إلى أن إطلاق النار حدث بعد يومين على زيارة رئيس أركان الجيش الإيراني لسورية، حيث هدد الطرفان بالردّ على أي تحرك عسكري إسرائيلي. 

•التصريحات الإسرائيلية أيضاً ليست قليلة، إذ حذر رئيس الحكومة ووزير الدفاع من تزايد الوجود العسكري الإيراني والميليشيات الشيعية في جنوب سورية، وهددا بخطوات ضد ذلك. وأوضح اللواء في الاحتياط عميرام لفين بالأمس في مقال نشرته "يديعوت أحرونوت" أن السلوك الإسرائيلي غير ضروري، ويمكن أن يؤدي إلى تدهور الدولة نحو مواجهة عسكرية ثمة شك في أنها ترغب بها. انتقادات لفين ليست بعيدة عن السياسة، فهو ينوي الترشح هذه السنة لرئاسة حزب العمل، لكن هناك منطقاً في كلامه. 

•حتى الآن، حرص نتنياهو بشدة على إدارة الجبهة السورية بحذر وحكمة وعلى المحافظة على المصالح الإسرائيلية والامتناع من الانزلاق إلى حرب، لكن الظروف الجديدة تزيد من حجم المغامرة في كل تحرك وتفرض على الجانب الإسرائيلي المزيد من الحذر.

 

•بالمقارنة مع نتنياهو الذي يشدد على الفجوات والمخاطر التي وفقاً لكلامه ينطوي عليها الاتفاق النووي، فإن رؤساء المؤسسة الأمنية يركزون أكثر على التطورات في سورية وعلى الاقتراب الإيراني من الحدود في الجولان. وفي الخلفية، تبرز أيضاً مطالبة ليبرمان بزيادة الميزانية الأمنية في ضوء تحركات إيران في سورية واحتمال انهيار الاتفاق النووي. ويهم ليبرمان الدفع قدماً على هذه الخلفية، بعمليات التسلح التي جرى التخطيط لها في الجيش الإسرائيلي. وهذا موقف ينطوي على شيء من المعقولية، لكنه قد يُفسر في طهران كدليل على نيات إسرائيل الهجومية في المستقبل.