الأسد يحاول وضع خط أحمر جديد
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف

•الحادثة الخطيرة التي وقعت بالأمس هي محاولة من الرئيس بشار الأسد لوضع خط أحمر جديد أمام سلاح الجو الإسرائيلي وإجباره على الامتناع عن العمل في لبنان. لكن السؤال الكبير هل فعل ذلك بمبادرة منه أم بالتنسيق مع روسيا وإيران؟ والأخطر من ذلك أن يكون ربما فعل ذلك بتوجيهات منهما. منذ عشرات السنوات، وخصوصاً بعد حرب لبنان الثانية التي نشبت في العام 2006، ينشط سلاح الطيران من دون عرقلة في سماء لبنان، أساساً بهدف جمع معلومات استخباراتية. وهذا ما حدث بالأمس، عندما حلق سلاح الجو في مهمة تصوير روتينية.

•ما كان استثنائياً هو حقيقة أن نظام الأسد أطلق للمرة الأولى النار على طائرات إسرائيلية تحلق في أجواء لبنان، على الرغم من أن صاروخ أرض- جو الذي أُطلق أخطأ هدفه، إذ في نهاية الأمر هو من نوع صواريخ قديمة يعرفها سلاح الجو منذ 1983.

•حتى الآن، وخلال ست سنوات ونصف السنة من الحرب الأهلية في سورية، هاجم سلاح الجو أكثر من 100 مرة أهدافاً في سورية. وأغلبية الهجمات كانت موجهة ضد محاولات إيران وسورية نقل صواريخ دقيقة وبعيدة المدى، أو مواد لمثل هذه الصواريخ، إلى حزب الله في لبنان.

•ووفقاً لتقارير أجنبية، فقد تعرضت أيضاً بين الحين والآخر مخازن ومعامل للسلاح في سورية للهجوم. الجيش السوري لم يرد على الهجمات بسبب ضائقته الشديدة، وإلى حد ما هو رضخ لها. ومنذ تمركز الجيش الروسي في سورية ووضعه منظومة متطورة مضادة للطائرات وبطاريات صواريخ متطورة كذلك، فإن جزءاً من هذه الهجمات كان يجري من الأجواء اللبنانية، بهدف عدم المس ظاهرياً بالسيادة السورية، وتقليص خطر الاحتكاك مع روسيا وبطارياتها. 

•إذا كان الأمر كذلك، لماذا قرر نظام الأسد إطلاق النار، وما مدى تدخل روسيا وإيران في قراره؟ هذا هو السؤال الذي يشغل اليوم الاستخبارات الإسرائيلية. من الواضح أن ثقة الأسد بنفسه ازدادت منذ إنجازات الأشهر الأخيرة من الحرب، والتي بواسطتها استعاد سيطرته على أجزاء واسعة من سورية. كما أنه في هذا الأسبوع جرى احتلال مدينة الرقة "عاصمة الخلافة الإسلامية". و يشكل هذا فعلياً نهاية فكرة الخلافة الإسلامية ككيان إقليمي. وهذا الأمر يزيد أكثر من ثقة النظام بنفسه.

•إطلاق الصاروخ السوري يمكن أن يُفسر بمعناه الظاهر، لكن أيضاً بمغزاه المُضمر. التفسير بمعناه الظاهر مزدوج: يمكن أن يكون هذا رداً لمرة واحدة من جانب النظام على الهجوم على مصنع الصواريخ الذي وقع في الشهر الماضي في عمق الأراضي السورية، والمنسوب إلى إسرائيل، أو أنه يعبر عن رغبة نظام الأسد في ترسيخ سيادته بصورة أكبر، والتلميح لإسرائيل بأن عليها الامتناع عن القيام بهجمات في الأراضي السورية وكذلك في أراضي لبنان.

•لكن هناك أيضاً معنى مضمراً. يجب أن نأخذ في الحسبان أن التنفيذ كان من صنع الأسد، لكن الصوت الذي أعطى الأوامر هو صوت النظام الإيراني. ليس من المستبعد أن تكون إيران هي من طلب من جيش الأسد اطلاق النار كي تذكّر إسرائيل بأنه من الآن وصاعداً التحليق في الأجواء اللبنانية، الموجه قبل كل شيء ضد حزب الله، حليفها وذراع طهران الأمامي في مواجهة إسرائيل، لن يكون نزهة خفيفة وسيكون محفوفاً بالخطر.

•هناك مجال أيضاً لتفسيرات أبعد مدى مثل أن إيران استخدمت سورية ليس فقط كتلميح موجه لإسرائيل بل أيضاً للولايات المتحدة بعد قرار إدارة ترامب عدم الموافقة على الاتفاق النووي، مما يعني أن في مقدورها إشعال الشرق الأوسط.

•لكن الأهم من كل ذلك هو الغموض الكبير فيما يتعلق بروسيا. هل علمت مسبقاً بقرار سورية إطلاق الصاروخ؟ وهل علمت ووافقت على هذه العملية؟ إذا كان الجواب: لا، فإن الأمر يمس بمكانتها في سورية، التي هي من جهة تتعاون مع إيران في ادارة الحرب ضد اعداء النظام، ومن ناحية أخرى تتنافس معها على النفوذ وعملية اعادة البناء الاقتصادي المتوقعة بعد الحرب.

•إذا كانت روسيا علمت بالهجوم ووافقت عليه، فلماذا فعلت ذلك؟ هل تلعب لعبة مزدوجة، تسمح من جهة لجيش الأسد بالدفاع عن نفسه ضد الهجمات الإسرائيلية، ومن جهة ثانية تقبل من دون أن يرف لها جفن بهجمات سلاح الجو الإسرائيلي ضد أهداف سورية؟

•على أي حال، لقد ردت إسرائيل رداً مدروساً. وبذلك هي تملح إلى أنها ليست معنية بالحرب. ومن جهة ثانية، أوضح رئيس الحكومة مجدداً أن إسرائيل لن تسمح بالمس بها، ومن سيحاول أن يفعل ذلك سيُعاقب.

 

•يدل هذا كله على أنه على الرغم من عدم رغبة جميع الأطراف بالحرب، فهم يضعون خطوطهم الحمراء ويشحذونها، ويجهزون لبلورة واقع جديد في اليوم التالي من انتهاء الحرب الأهلية في سورية. بالنسبة إلى إسرائيل في الحدود الشمالية مع سورية ولبنان نشأ واقع جديد.