من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•"الذين لا يتعلمون من "أخطاء" الماضي مصيرهم أن يكرروها"، هذا ما قاله الفيلسوف خورخي [جورج] سانتيانا [1863-1952] في النصف الأول من القرن العشرين. وقال الكاتب الإنكليزي ألدوس هكسلي [1894- 1963] الذي عاصر سانتيانا، إن أهم درس في التاريخ هو أن البشر لا يتعلمون دروساً من التاريخ. هذان القولان يبدوان صحيحين بصورة خاصة في أيامنا هذه، عندما يحفل الخطاب العام بمقارنة الحالة النووية في كوريا الشمالية بحالة النووي الإيراني وتشبيهها بها.
•إن المقارنة التي طرحها دونالد ترامب في الولايات المتحدة وبنيامين نتنياهو في إسرائيل، أسست لصلة بين فشل الاتفاق النووي الذي توصل إليه بيل كلينتون مع كوريا الشمالية سنة 1994 ومستقبل الاتفاق النووي الذي توصل إليه باراك أوباما في سنة 2015. والحجة هي أنه مثلما أن تساهل بيل كلينتون في علاقته مع كوريا الشمالية حولها إلى دولة نووية، فإن اتفاق أوباما النووي مع إيران سيؤدي إلى إيران نووية. سياسة ضعيفة رفعت العقوبات مقابل اتفاق نووي. والاستنتاج: يتعين على ترامب إلغاء الاتفاق النووي مع إيران.
•ليس هناك فهم مشوّه لدروس التاريخ أكثر جهلاً من هذه المقارنة؛ فإذا كانت حالة كوريا الشمالية تنطوي فعلاً على درس تاريخي في ما يتعلق بإيران، فهو عكس ما يقترحه ترامب ونتنياهو. يظهر التفحص التاريخي للحالتين عن تشابه ليس ضئيلاً بين برنامج كوريا الشمالية النووي في مطلع التسعينيات والبرنامج النووي الإيراني بعد عقد من الزمن من ذلك (على الرغم من أن البرنامجين على الصعيد التكنولوجي مختلفان اختلافاً مطلقاً: كوريا الشمالية اعتمدت على البلوتونيوم، على الأقل في البداية، بينما الإيرانيون يعتمدون على تخصيب اليوارنيوم). وفي الحالتين، اكتشفت أجهزة الاستخبارات في مرحلة مبكرة التطلعات النووية للدولتين، بمساعدة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي الحالتين بلورت الإدارات الأميركية صيغة مشابهة لصفقة تمنع النووي: تطوير اقتصادي ورفع عقوبات مقابل تنازل عن برنامج سلاح [نووي].
•في حالة كوريا الشمالية، عملت إدارة كلينتون بسرعة وخلال عامين من اكتشافاتها ووقعت اتفاق إطار، وثيقة صغيرة من بضعة صفحات: الولايات المتحدة تزود كوريا الشمالية بمفاعلات لتوليد الطاقة من أجل تطوير اقتصادي، مقابل وقف مشروع السلاح. ووافقت كوريا الشمالية التي كانت بعيدة جداً عن سلاح نووي. في الحالة الإيرانية الرد كان أبطأ وأكثر تعقيداً. لقد ضيعت الولايات المتحدة الفرصة في 2004 من أجل التوصل إلى تفاهمات تكبح النووي الإيراني، واحتجنا إلى عشر سنوات من مفاوضات صعبة واصلت خلالها إيران مشروعها النووي، حتى تم في العام 2015 توقيع اتفاق نووي معقد التفاصيل، لكن مبادئه الأساسية تشبه كثيراً اتفاق الإطار مع كوريا الشمالية: تطوير اقتصادي ورفع عقوبات مقابل تنازل عن مشروع السلاح.
•في ذلك الوقت وحالياً، كانت الردود السياسية الداخلية الأميركية على الاتفاقين متشابهة. فقد عارضت الأغلبية الجمهورية المحافظة في الكونغرس الاتفاقين البراغماتيين المحدودين بالموضوع النووي فقط، بسبب وجود مشكلات أخرى مع دول محور الشر.
•في حالة كوريا الشمالية عُرقل الاتفاق على يد الجمهوريين على أمل سخيف بتوسيعه إلى ما هو أبعد من النووي، مما أدى إلى عدم التزام الولايات المتحدة بتعهداتها. وفي أواخر حكم كلينتون بحث وزير الدفاع وليام بيري عن طريقة لتقييد مشروع صواريخ كوريا الشمالية وتقريباً وجدها، لكن انتخابات سنة 2000 حدثت في وسط ذلك. وبعد الانتخابات، وبعد الكشف عن مشاريع التخصيب في كوريا الشمالية، انهارت المحادثات الدبلوماسية. وفي غياب اتفاق، استأنفت كوريا الشمالية برنامجها للسلاح والصواريخ، وفي سنة 2006 اجتازت العتبة النووية.
•إذا كان هذا ينطوي على درس بالنسبة إلى إيران فهو أنه من الأسهل التوصل إلى تسوية تمنع النووي قبل سنوات من اجتياز العتبة، وأن الأكثر صعوبة، وربما من المستحيل، هو التوصل إلى اتفاق بعد اجتيازها. ومن يعرف التاريخ النووي الإسرائيلي يعلم أن رئيس الحكومة ليفي أشكول كان مستعداً للتفكير في طرق مبتكرة لاستغلال الاقتراب من العتبة النووية من أجل إنجازات سياسية.
•إن الدرس من الأخطاء الأميركية في التعامل مع كوريا الشمالية هو أنه ما دام الطرف الآخر يحترم الاتفاق، فيجب الامتناع عن وضع العصي في الدواليب وعدم الحديث عن إلغائه من طرف واحد. إن إلغاء الاتفاق النووي مع إيران هو ضمانة لأن تسير إيران على منوال كوريا الشمالية وتتحول إلى دولة نووية.