الهجوم في هار أدار يتحدى وجهة نظر الجيش ضد العقوبة الجماعية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•الهجوم الخطير الذي أدّى صباح الثلاثاء إلى مقتل ثلاثة عناصر من قوى الأمن على بوابة مستوطنة هار أدار، أيقظ من جديد خلاف يشغل المستويين السياسي والأمني في إسرائيل منذ نحو عامين، منذ أن نشبت موجة الإرهاب الأخيرة في تشرين الأول/أكتوبر 2015. ويتعلق النقاش بمسألة ما هي الخطوات الواجب اتخاذها بهدف تقليص الهجمات؟ وهل يجب أن تشمل هذه الخطوات استخدام العقوبة الجماعية ضد السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية؟ وحتى لو لم تقرر الحكومة في النهاية الخروج عن السياسة الحالية، فإنه يتوجب عليها أن تعيد فحص إجراءات التمحيص الأمني التي يستخدمها الشاباك، والتي سمحت بوصول المخرب إلى بوابة مستوطنة إسرائيلية محاذية للخط الأخضر.

•في العامين الأخيرين، وقع أكثر من 400 هجوم ومحاولة هجوم وطعن، ودهس، وإطلاق نار، بينها نحو 50 في القدس و15 في نواحي الخط الأخضر. من بين منفذي الهجمات، كان هناك واحد فقط يحمل إذناً بالعمل في إسرائيل، ومخرب آخر (قتل إسرائيليين اثنين في مبنى بانوراما في تل أبيب) كان يحمل إذناً موقتاً انتهت صلاحيته. وهذه الحقيقة استخدمتها المؤسسة الأمنية لتبرير سياستها طوال الفترة المتوترة. 

•قيل إن تدابير العقوبة الجماعية تزيد من الدافع للقيام بهجمات. ولا فائدة من وقف إعطاء أذونات عمل لأن الفلسطيني الذي يحمل إذناً بالعمل سيفضل التركيز على إعالة عائلته. وقيل أيضاً إن استمرار تشغيل الفلسطينيين في إسرائيل وفي المستوطنات في الضفة، وربما توسيعه، سيساهم في التفريق بين السكان الفلسطينيين والدائرة الصغيرة نسبياً لمنفذي الهجمات. 

•وجهة النظر هذه قادها رئيس الأركان غادي أيزنكوت، ومنسق الأنشطة في المناطق [المحتلة] اللواء يوآف مردخاي، مع دعم محدود وجزئي من الشاباك والشرطة. وزير الدفاع السابق موشيه يعالون تبناها بالكامل. أما خلفه أفيغدور ليبرمان، فقد شكك بهذه السياسة في الأشهر الأولى لتوليه منصبه، لكن في النهاية وافق على موقف الجيش. أحياناً، كما حدث في الهجوم على مركز سارينا في تل أبيب الذي قتل فيه أربعة مواطنين في حزيران/يونيو من السنة الماضية، طُبّقت عقوبة جماعية لفترة محددة ضد البلدة التي جاء منها المخربان. لكن الحواجز والمضايقات توقفت في اللحظة التي فقد فيها الجمهور الإسرائيلي اهتمامه بما يحدث.

•يتحدى المخرب الذي نفذ الهجوم في هار أدار وجهة النظر هذه. فالشخص، محمد الجمل، يحمل إذناً بالعمل في المستوطنات. وفور وقوع الهجوم أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو التزامه بثلاثة أمور: هدم بيت المخرب، محاصرة قريته، ومصادرة أذونات العمل من أفراد عائلته الواسعة. و هذا يشبه العقوبة الجماعية كما يحددها القانون الدولي. وسارع إلى الانضمام إلى نتنياهو وزراء وأعضاء كنيست من الائتلاف، وكالعادة تنافسوا فيما بينهم على إطلاق تهديدات ضد الفلسطينيين في الضفة.

•في هذه الأثناء، لم يغير الجيش توصيته المهنية. وحتى الآن، الهجوم في نظره حادثة محصورة، ولا سبب يدعو إلى معاقبة آلاف الفلسطينيين بسببه لوقت طويل، وأي خطوة كهذه ستزيد من خطر التدهور. وتدل التجربة على أنه عندما يصر الجيش على موقفه، يميل السياسيون إلى التراجع. لكن السياسات البعيدة المدى مرتبطة أساساً بأحجام الإرهاب، فإذا لم تنشأ موجة هجمات بإيحاء من الحادثة في هار أدار، فإن المطالبة بالعقوبة الجماعية ستتلاشى والخلاف سيخمد. لدى المقارنة مع مخربي العامين الماضيين يبدو الجمل إلى حد ما استثناء من حيث العمر (37 عاماً) ووضعه العائلي (متزوج وأب لأربعة أولاد). أما الظروف التي دفعته إلى فعل ما فعله فهي ليست استثنائية. فالمخرب لا ينتمي إلى أي تنظيم، بل هو تحرك بدافع شخصي بعد أزمة عائلية. هجرته زوجته إلى الأردن بعد أن ادّعت أنه ضربها. فقرر، انتقاماً، مهاجمة يهود.

•سيضطر الشاباك والاستخبارات العسكرية إلى تبرير سبب عدم ظهور اسم المخرب كشخص محتمل أن يقوم بهجوم، وذلك على خلفية المراسلات بينه وبين زوجته التي سبقت الهجوم. ويبدو هذا تضييعاً للفرصة للمرة الثانية خلال شهرين. فالمخرب الذي قتل ثلاثة من عائلة واحدة في مستوطنة حلميش نشر تعليقاً على الفايسبوك عن نيته ولكنه لم يُكتشف في حينه. شهرياً يجري اعتقال عشرات الأشخاص في المناطق [المحتلة] على خلفية نشاطهم في وسائل التواصل الاجتماعي بما يدل على نيتهم القيامبهجوم. لكن على ما يبدو، فإن هذا الأسلوب بعيد من أن يكون ناجعاً تماماً كما يتضح من الهجومين.

•إن نتائج الهجوم في هار أدار ليست مأساوية فحسب بل هي غير محتملة من الزاوية العسكرية. ويمكن وصف حقيقة أن مخرباً واحداً مسلحاً بمسدس فقط ومن دون خبرة سابقة، نجح في قتل ثلاثة حراس أمن مسلحين وجرح رابع، هو بمثابة تحقق سيناريو احتمال حدوثه منخفض إحصائياً. ولكن من المعقول أكثر أنه يشير إلى إخفاقات فيما يتعلق بإجراءات الأمن في المكان. كما يمكن أن يكون لهذه الإخفاقات علاقة بالعدد الكبير من رجال الأمن، وبالانتشار غير الصحيح، وبمشكلات اليقظة، أو بأن الرد لم يكن سريعاً بما يكفي.

•ثمة مسألة إضافية تتعلق بانعكاسات الحادثة على القدس والضفة الغربية. أحياناً، نجاح عمليات الإرهاب (وهذا يُقاس من وجهتي نظر مرتبطتين ببعضهما بعضاً: عدد القتلى واهتمام وسائل الإعلام)، يولد موجة من التقليد. هذه المرة الظروف مثيرة للقلق بسبب فترة الأعياد التي تحمل معها توتراً دائماً في جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف]، والتخوف الفلسطيني من أن تكون إدارة ترامب غير جدية بشأن عملية السلام، وأجواء أفول حكم محمود عباس.

•في صيف 2015 عرضت الاستخبارات العسكرية على المستوى السياسي تحذيراً استراتيجياً بشأن انفجارات محتملة في المناطق. التحذير تحقق، لكن المواجهة لم تتسع ولم تتخذ أحجاماً كبيرة، وبالأساس بسبب الرد المتوازن نسبياً لإسرائيل والامتناع عن العقوبة الجماعية والأداء الناجع للجنود والشرطة في ساحات الهجوم.

 

•ما يزال تحذير الاستخبارات العسكرية على حاله أيضاً للخريف الحالي. كما أن حقيقة تقلص التنسيق الأمني بين إسرائيل وأجهزة الأمن الفلسطينية بصورة كبيرة منذ أزمة البوابات المغناطيسية في جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف] في تموز/يوليو الأخير، لا تدعو إلى التفاؤل.