الحسم = الردع
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•هذا ليس لعبة كلامية، بل صفحة جديدة في نظرية اللعب بالكلمات. عندما يعلن الجيش الإسرائيلي بمناسبة مناورة الفيلق التي جرت في الأسبوعين الماضيين، أن الردع لن يكون هدف المعركة المقبلة في لبنان، وأن الهدف من الآن فصاعداً هو الحسم، فإنه يلوح بتهديد الحسم تحديداً بهدف الردع.

•إن جوهر المناورة هو في أساس كل جيش - مراجعة المادة المتعلقة بالعقيدة القتالية، فحص ملاءمتها للواقع، والجمع بين التخطيط والوضع على الأرض، وتعرّف أصحاب الرتب المختلفة في قوات البر إلى بعضهم بعضاً وإلى قادة التشكيلات الأخرى. على مستوى الوعي، الموجه نحو الطرف الآخر والقائم في التوتر بين الشرح والإخفاء، توجد معادلة "الحسم هو الردع". وكما هو معروف، فإن المصطلحين مختلفان بل متعارضان، لكن عملياً إذا أقنع الجيش الإسرائيلي أعداءه بأنهم سيهزمون بالتأكيد إذا تجرؤوا على مواجهته، فإنه بذلك يبعدهم عن الهجوم ويردعهم. 

•الحسم ليس كلمة مرادفة للنصر، بل هو نوع من أنواع النصر. نصر بالضربة القاضية وليس بالنقاط. والصورة التي يتجلى من خلالها هي هزيمة، اندحار كبير، وليس مجرد خسارة للطرف الآخر. وعكسه هو الاستنزاف، والسحق، وسفك دماء بطيء على غرار الحرب الأهلية الأميركية في أغلبية مراحلها، والجبهة الغربية بخنادقها وأسيجتها في الحرب العالمية الأولى.

•ولاعتبارات عسكرية (الاعتماد على تعبئة الاحتياط)، واقتصادية واجتماعية، اعتًبرت دولة إسرائيل منذ سنواتها الأولى قادرة فقط على خوض حروب قصيرة تنتهي بسرعة بالانتصار على العدو والعودة إلى الحياة الطبيعية. مع مرور الزمن اتضح أن هذا التقدير الذي كان سائداً لدى الحكومات وهيئات الأركان العامة للجيش على مر السنوات، يقلل من قدرة الجمهور الإسرائيلي على التكيّف، فالاستنزاف كان حقيقة دائمة إلى حد التوقف عن ملاحظة وجوده، إنه ببساطة هناك في الخلفية.

•إن النموذج المنشود للحسم هو عملية "قادش" سنة 1956 [العدوان الثلاثي على مصر] الذي كانت نتيجته، إذا لم يكن هدفه أيضاً، تحقيق عشر سنوات من الهدوء في الحدود الجنوبية. لقد احتل الجيش الإسرائيلي سيناء في أربعة أيام، وانسحب في أربعة أشهر، وانتشرت قوة من الأمم المتحدة على الحدود، وامتنع النظام المصري عن الاعتداء على إسرائيل لمدة عقد كامل. إذا وضعنا لبنان مكان مصر، ونصر الله مكان عبد الناصر، فيمكن لرئاسة الأركان العامة أن يرتاح بالها.

•لكن الأمين العام لحزب الله ليس سيد نفسه، ويتعين عليه أن يوازن بين اعتباراته كلبناني وتوجيهات تأتي من إيران. لذا، فإن التهديد بتوظيف إسرائيلي تدميري كبير من أجل إلحاق الهزيمة بحزبه، يهدف إلى ردعه عن الانصياع إلى الحرس الثوري وتشجيعه على أن يكون لبنانياً أولاً.

•في حرب لبنان عام 1982 استنفرت هناك ثلاث قيادات فيالق، لكن قيادة واحدة فقط في القطاع الشرقي بقيادة يانوش بن غال شاركت في القتال. الفيلق الثاني الذي كان في الجولان بقيادة موشيه بريل - بار كوخيا، استعد لاحتمال تمدد القتال إلى سورية، والثالث بقيادة دان شومرون، استعد لاحتمال توسيع الحرب إلى المنطقة الواقعة شمال بيروت. 

•وبالاستناد إلى هذه السابقة، يمكن تقدير أن تخصيص قيادة فيلق لجنوب لبنان في هذه المناورة، وتنازل قائد المنطقة الشمالية عن السيطرة المباشرة على الفرق كي يبقى متفرغاً لمهمات أخرى، معناه أن الجيش يستعد لاستخدام فيلق ثان في سورية وقيادة أخرى في شمال لبنان. ونظراً إلى أن الفيلق الثالث قد ألغي، فإنه يمكن افتراض أن من سيقوم بذلك هو قيادة الجبهة المخصصة للقتال في العمق. 

•مَن يرغب في الردع يهدد بالحسم، لكن صدقية الردع مرتبطة بتقدير العدو أن الجيش مؤهل فعلاً لتنفيذ المهمات التي يتدرب عليها. يوظف رئيس الأركان غادي أيزنكوت الكثير في قوات تضمن تحقيق الحسم وتكون كافية في تحقيقه. وليس من خلال نظرة تتطلع إلى مساواة، كفاءة متوسطة، في كافة صفوف الجيش، بل من خلال استثمار تدريجي في الممتازين والجيدين. وإذا لم تتحقق التطلعات بإنجازات سـريعة لوحدات النخبة ونشأت حاجة أيضاً إلــى قـوات مـن الدرجـة الثانيـة أو الثالثة فإن المعركة يمكن أن تتعقد وتنعكس مجرياتها.

•عندما اضطر الجيش الإسرائيلي إلى الخروج من لبنان بعد وجود لا لزوم له استمر 18 عاماً، فإن هذا كان حسماً لصالح حزب الله، وكما تبين أيضاً في سنة 2006، فإن الحزب لم يرتدع.