•في الأشهر الثمانية التي مرت منذ بداية ولايتها، تواجه إدارة ترامب صعوبة في ترجمة وعودها بإحداث تغيير بعيد المدى في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، إلى استراتيجية واسعة تستند إلى أسس واضحة يمكن انطلاقاً منها الدفع قدماً بمجموعة خطوات يؤدي تطبيقها إلى تحقيق الأهداف المعلنة.
•يبدو أن الارتياح الذي ساد داخل دول في الشرق الأوسط في إثر قرار الرئيس ترامب بدء جولاته خارج الولايات المتحدة بزيارة إلى السعودية وإسرائيل، بعد أن خسرت الولايات المتحدة خلال فترة أوباما مكانتها كقوة عظمى مؤثرة في المنطقة، حلّ محله بوادر خيبة أمل وتخوف من أن الإدارة لا تستطيع أو ربما لا ترغب، في تغيير جوهري لسلوك الولايات المتحدة في المنطقة.
•وبمرور الوقت يبدو أن "سحر" الرئيس المهدِّد وغير المتوقعة خطواته قد زال، وإذا كان ظهر في البداية أنه بالإضافة إلى التصريحات "القوية" سنشهد مبادرات جديدة تقدم جواباً على مخاوف حلفاء الولايات المتحدة، فقد تبين بسرعة كبيرة أنه باستثناء توسيع العمليات العسكرية للقضاء على تنظيم داعش، ليس لدى الولايات المتحدة الحافز ولا الجرأة لمواجهة التحديات التي يفرضها الواقع الإقليمي المعقد.
•بالتأكيد يمكن أن نربط أسباب ذلك بحاجة الإدارة الأميركية لمواجهة أزمات داخلية، ومجموعة تحديات مهمة في مناطق أخرى في أنحاء العالم (كوريا الشمالية).
•عملياً، الانطباع السائد هو أن الإدارة الأميركية سارعت إلى "الاستسلام" في مواجهة استمرار تمركز إيران في بؤر المواجهة المركزية خاصة في سورية، كما سلمت أيضاً بالهيمنة الروسية في تقرير جدول العمل الأمني والسياسي في هذا البلد. ويبرز أيضاً أن تصريحات هذه الإدارة فيما يتعلق بإنشاء جبهة عربية واسعة تنهار في ضوء المواجهة التي يلاقي المسؤولون الكبار في الإدارة صعوبة في حلها، والتي نشأت تحديداً بين حلفائها في الخليج.
•الجهود التي تبذلها الإدارة في هذه الأيام لبلورة سياستها حيال موضوع الاتفاق النووي [مع إيران]، هي تعبير آخر عن ارتباك الخبراء المهنيين المضطرين إلى تقديم أفكار من أجل وضع خطة عمل قبل منتصف تشرين الأول/أكتوبر (الموعد الذي يجب على الإدارة أن تؤكد فيه للكونغرس أن إيران ملتزمة الاتفاق). إن هدف العصف الفكري محاولة التوصل إلى طريقة لـ"تربيع الدائرة". طريقة تستجيب من جهة إلى إرادة الرئيس ترامب، المهتم بالتوصل إلى إلغاء الاتفاق الذي يشكل إرثاً أساسياً للرئيس السابق في البيت الأبيض لم ينجح بعد في تغييره، وتخفف من جهة أخرى قدر الإمكان الأضرار المحتملة التي قد تتعرض لها الولايات المتحدة، مثل: تحميلها مسؤولية نسف الاتفاق، وعزلها، وإلحاق ضرر إضافي بعلاقاتها مع حلفائها الأوروبيين.
•إن الجهود الفاشلة للسفيرة الأميركية في الأمم المتحدة في إقناع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالمطالبة بزيارة منشآت عسكرية في إيران، واستغلال ذلك في ما بعد لرفض إيران المتوقع لهذه الزيارة بإعلان إلغاء الاتفاق النووي، يؤكد إدراك الإدارة الأميركية بأنها لا تملك "دليلاً تكنولوجياً قاطعاً" يمكن أن يساعدها. وحتى لو قررت الإدارة في النهاية إبلاغ الكونغرس بأن إيران لا تتقيد بالاتفاق، وابتدأت في هذه الأثناء (وفقاً للقانون) فترة الـ60 يوماً للنقاشات الداخلية الأميركية إلى حين اتخاذ قرار في الكونغرس، فلا يبدو أن شبكة العلاقات المضطربة القائمة بين إدارة ترامب والأوروبيين والروس تتيح الدفع قدماً بعملية بلورة اتفاقات في محور الدول الخمس +واحد (الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن في الأمم المتحدة زائد ألمانيا)، يمكن أن تساهم في إنشاء جبهة موحدة في مواجهة إيران.
•مثل هذا التطور إذا لم يحصل على تأييد سائر الدول المشاركة في الاتفاق، وهي أوضحت معارضتها لمثل هذه الخطوة أيضاً على خلفية الصفقات الاقتصادية التي وقعتها مع إيران، فإنه يمكن أن يؤدي إلى أزمة بين الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين مثل الأزمة مع روسيا والصين، ومن شأن أزمة كهذه أن تكون لها تداعيات بعيدة المدى على الساحة الدولية.
•وبالنسبة إلى إسرائيل، حتى لو كان هناك تطابق قي الأهداف والمصالح بين الدولتين، فإن ترسخ رواية تتحدث عن إدارة أميركية ضعيفة ومترددة، يمكن مع مرور الوقت أن يضر بمصالحها الحيوية، ويمكن أيضاً أن يؤذي عنصراً مهماً في الردع الإسرائيلي الذي يعتمد، من بين أمور أخرى، على الطريقة التي تُفسر بها سياسة حليفتها الولايات المتحدة من جانب أعدائها في المنطقة.