فتح معبر رفح يمنح "حماس" متنفساً لكنه لن يكون من دون ثمن
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•هل تنوي مصر إسقاط نظام الإغلاق الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة قبل 10 سنوات؟ وهل ستتحقق الأخبار بشأن فتح معبر رفح بصورة دائمة من الجانب المصري أمام البضائع والناس ولن يعود هناك غرض حقيقي لمواصلة سياسة الإغلاق؟ إذا حدث ذلك، سيكون في إمكان سكان غزة الذهاب عبر طريق طويلة من خلال مصر، إلى كل مكان في العالم، وفي استطاعة الطلاب الذهاب للدراسة، والمرضى الحصول على المعالجة الطبية ليس في إسرائيل بل في مصر والأردن أو في أوروبا، وستدخل البضائع وتخرج كما تشاء، وحينها ستبقى إسرائيل من دون شريكتها العربية الحيوية التي حافظت معها على الحصار الوحشي الذي حوّل غزة إلى مكان من المستحيل العيش فيه.

•لكن بما أنه حتى الآن وعلى الرغم مما نشر سابقاً، لم يصدر بيان مصري رسمي وأيضاً رد إسرائيلي على فتح المعبر في بداية أيلول/سبتمبر، فإنه يجب التحلي بالقليل من الصبر ووقف التجييش لفترة. إن فتح المعبر، إذا حدث، فهو ليس مبادرة مصرية أحادية الجانب منقطعة عن شبكة التنسيق والتعاون الأمني القائم في السنوات الأخيرة بين إسرائيل ومصر. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة يمكن أن تقوي موقع "حماس" في القطاع وتمنحها أداة اقتصادية فائقة الأهمية، ولكنها تهدف إلى خدمة المصلحة السياسية المصرية من دون إلحاق الضرر بالمصلحة الإسرائيلية.

•لقد وضعت مصر عدة شروط لفتح المعبر، الشرط الأول والأكثر أهمية بينها هو أن تكون السلطة الفلسطينية هي التي تدير المعبر. لكن بخلاف اتفاق المعابر الموقع في 2006 (والذي لم تكن مصر طرفاً فيه) لا يصر السيسي على وجود طرف ثالث (أوروبي) على المعابر، ويكتفي بأن يكون عاملو السلطة جزءاً فقط من العاملين في المعبر. والأكثر أهمية في نظر السيسي هو أن الشخص الذي سيكون مسؤولاً أمام المصريين (وأيضاً أمام إسرائيل) عن المعابر لا ينتمي إلى "حماس"، كي يمكن القول إن "حماس" لم تحصل على هذه الهدية بل محمد دحلان عضو حركة "فتح".

•ليس هذا مجرد زخرفة هدفها توفيرعذر ملائم لفتح المعبر، بل هو جزء لا يتجزأ من سياسة السيسي الذي يعتبر دحلان رجلاً موثوقاً فيه وقادراً على أن يعيد إلى مصر مكانتها كمسؤولة عما يجري في غزة خاصة وفي المناطق [المحتلة ] عامة. بالنسبة إلى السيسي يستطيع دحلان وراثة محمود عباس عندما تنضج الظروف، وهو لا يخفي ذلك.

•لكن كي يستطيع دحلان أن يحتل مكانه في غزة، كان من الضروري لجم "حماس" والحصول على موافقتها التي أعطتها بعد نقد ذاتي سياسي طويل أجرته قيادة الحركة. إن عملية تبدل القيادة في الحركة، واستقالة خالد مشعل، وتعيين إسماعيل هنية رئيساً للمكتب السياسي للحركة، ويحيى السنوار رئيساً للمكتب السياسي في غزة، بالاضافة إلى نشر وثيقة "حماس" الجديدة، كل ذلك أدى إلى نتيجة استطاعت مصر قبولها. لقد كان ما يهم مصر هو فصل "حماس" عن الإخوان المسلمين الذين تخوض مصر ضدهم حرباً لا هوداة فيها، ووثيقة "حماس" الجديدة تعطي مصر ما تريده.

•وبخلاف الوثيقة القديمة فلا يوجد في الوثيقة الجديدة أي ذكر للإخوان المسلمين أو للعلاقة بين "حماس" والحركة الأم. لكن مصر طالبت بما هو أكثر من التصريحات، ووفقاً لشهادات كبار المسؤولين في "حماس"، وافقت الحركة على زيادة رقابتها العسكرية على الحدود مع مصر لمنع استمرار تسلل عناصر إرهابية من غزة وإليها. في موازاة ذلك، توصل كبار مسؤولي "حماس" إلى اتفاقات مع محمد دحلان في لقاءات عقدت برعاية وأحياناً بمشاركة عناصر من الاستخبارات المصرية مسؤولة عن إدارة العلاقة مع غزة. ووفقاً لمسودة الاتفاق الذي سُرب قبل 3 أسابيع، سيكون دحلان نوعاً من رئيس الإدارة المدنية في غزة، وهو المسؤول عن إدارة المعابر سواء مع الجانب الإسرائيلي أو المصري، والمفاوض في هذه الموضوعات مع مصر ومع إسرائيل، والمسؤول عن جمع المال لإعادة إعمار القطاع. ووفقاً لتقارير في وسائل الاعلام المصرية، فقد خصص اتحاد الإمارات العربية أكثر من 140 مليون دولار من أجل اقامة محطة لتوليد الطاقة في غزة، كما تعهد بتحويل 15 مليون دولار شهرياً إلى غزة لتمويل أعمال الصيانة الجارية، ومساعدة العائلات المحتاجة. وهذا المال سيديره أنصار دحلان الذي يسكن في اتحاد الامارات ويحظى بدعم النظام.

•لم يكن أمام "حماس" بعد تضاؤل مصادر تمويلها منذ قطعت علاقاتها بسورية وإيران، خيارات سياسية واقتصادية. والإملاء المصري الذي جاء مع الالتزام بفتح المعبر كانت الرئة الحيوية للتنفس بقيت لها. لكن هذه الرئة للتنفس لا تقدم مجاناً، إذ تحتاج مصر مثلها مثل إسرائيل، إلى وجود طرف مسؤول في القطاع في مواجهة الفشل المطلق للسلطة الفلسطينية تحت سلطة محمود عباس. لكن بينما تعتبر مصر 

•أن إغلاق غزة في وجه التنظيمات الارهابية التي تنشط في سيناء وفي عمق مصر هو المصلحة الأساسية، تستخدم إسرائيل قيام إدارة معترف بها في غزة أداة يمكن أن تحبط أي حل سياسي. وما دام هناك قيادتان فلسطينيتان واحدة في الضفة وثانية في غزة، تستطيع إسرائيل ادعاء أن كل واحدة من القيادتين لا تمثل الشعب الفلسطيني، وستجد بذلك دليلاً على حجتها بعدم وجود شريك.

•إن قيام إدارة فلسطينية معترف بها في غزة، حتى لو كانت تعتمد بشكل كبير على "حماس"، هو زيادة مهمة إضافية بالنسبة إلى مصر التي تستطيع بذلك تحييد نفوذ قطر في القطاع، ولن يعود في إمكان تركيا أن تحظى بالحرية التي كانت تتمتع بها في المنطقة على الرغم من تأييدها الكبير لـ"حماس". وإسرائيل أيضاً لن تخرج خاسرة، فإذا تحول الاتفاق بين دحلان و"حماس" إلى واقع، فإن في إمكانه أن يلجم تطلعات إيران في غزة. بقي فقط موضوع صغير سيتطور بسرعة: مسألة وراثة الزعامة في المناطق [المحتلة]. فهل يستطيع دحلان الذي طرده محمود عباس من حركة "فتح" سنة 2011 أن يحول غزة إلى رافعة سياسية تحوله إلى وريث له؟ أم أن أعضاء "فتح" سيقدمون زعيماً عنهم؟ وكيف ستنضم "حماس" إلى القيادة الجديدة؟