من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•قبل عامين هبت عاصفة في إسرائيل حول الاتفاق النووي مع إيران. فقد وُصف الاتفاق بأنه تهديد خطير لأمن إسرائيل، وخضوع أميركي، ودليل على ضعف باراك أوباما وعدم مصداقيته، وأنه خطأ تاريخي. وقد جازف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بإحداث شرخ خطير مع رئيس الولايات المتحدة وبتقسيم يهود الولايات المتحدة ومؤيدي إسرائيل هناك عندما وقف ضده أمام الكونغرس في نضال بطولي من أجل إنقاذ إسرائيل.
•في واشنطن ثارت مؤخراً ضجة غير بسيطة، عندما في يوم الذكرى السنوية الثانية للاتفاق اضطر الرئيس دونالد ترامب إلى الموافقة مرة أخرى على أن إيران تلتزم بالاتفاق، وإلى إعطاء مهلة ثلاثة أشهر حتى يحين أوان الاختبار الدوري المقبل. وجاءت موافقة الرئيس بضغط كبير من جانب وزرائه ومستشاريه، ورغماً عنه، ومع التوضيح بأنه لن يكرر ذلك مرة اخرى.
•في إسرائيل في المقابل، مرت الذكرى الثانية للاتفاق بتثاؤب كبير. نتنياهو، وزير الدفاع، ورؤساء المؤسسة الأمنية صمتوا، ولم تصدر عنهم كلمة حتى قبل أحداث الحرم القدسي. ويمكن إرجاع هذا الصمت المفاجئ إلى سببين: الأول، أن المؤسسة الأمنية على عكس السياسيين تعتبر الاتفاق عنصراً ايجابياً وباعثاً على الاستقرار، ووفقاً لوصف رئيس الأركان فإنه يشكل "منعطفاً استراتيجياً" يخدم مصالح إسرائيل الاستراتيجية. بالطبع لم يعترف نتنياهو ووزراؤه بأنهم أخطأوا وتسببوا بمواجهة لا فائدة منها مع الولايات المتحدة. ثانياً: من الواضح جداً اليوم، أنه لا توجد بدائل أفضل، خاصة عندما يكون في الولايات المتحدة رئيس غير كفوء، متهور، وليس خبيراً في هذا الموضوع المعقد. في مثل هذه الظروف فإن الاتفاق هو بوليصة تأمين يجب المحافظة عليها.
•إن النضال للحؤول دون تحول إيران إلى دولة نووية ودون توسع نفوذها في المنطقة سيظل مستمراً. وهو يتطلب جهداً يمتد سنوات وربما عقوداً، ويجب أن نستعد لذلك نفسياً واستراتيجياً. لقد شكل الاتفاق النووي مع كل سيئاته، أداة لنشوء تحرك إسرائيلي منسق لهذه الغاية على ثلاثة مستويات حيوية. قبل كل شيء، مطلوب بذل جهد مستمر لضمان امتثال إيراني كامل للاتفاق. والشرط المسبق لذلك، أن يتخلى الرئيس الأميركي عن أي نية لإلغائه بمبادرة منه وأن يطبقه حرفياً، ولإسرائيل دور مهم في إقناع الرئيس. كما أنه من الضروري أن تُبلور تفاهمات مع الإدارة الأميركية، وبينها وبين الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق بشأن أفعال تقوم بها إيران وتعتبر خرقاً للاتفاق، وبلورة خطوات الرد.
•كما يجب التوصل إلى تفاهمات مع الولايات المتحدة ومن خلالها مع الشركاء الآخرين، في ما يتعلق بالخطوات التي ستتخذ عندما سينتهي مفعول الاتفاق بهدف التأكد من أن إيران لن تتمكن من تجاوز عتبة النووي. وثمة شك في أن إدارة ترامب الغارقة في فضائح داخلية قادرة على التفكير بمصطلحات بعيدة المدى. وإسرائيل أيضاً ليست جيدة في التخطيط البعيد المدى وغارقة في أزمات داخلية، ولكن يتعين عليها أن تحاول إجراء حوار استراتيجي عميق في هذا المجال.
•بالإضافة إلى ذلك، يجب تركيز الجهد لكبح نفوذ إيران في المنطقة، بما في ذلك الوجود المتزايد في الشمال، وتسلحها بالصواريخ. يشدد معارضو الاتفاق على أن الاتفاق لا يمنع ذلك. صحيح أن الاتفاق ركز، بحكمة، على الموضوع النووي فقط، التهديد الأساسي الذي تمثله إيران. لكن الفترة الزمنية، ولو أنها محدودة، التي أتاحها الاتفاق لمعالجة الموضوع النووي، أسست لجهد دولي بقيادة الولايات المتحدة لكبح إيران. كل هذا إذا بلورت الإدارة الأميركية سياسة واضحة، وهنا أيضاً ثمة مجال لتقديم مساعدة إسرائيلية مهمة.
•ما هي البدائل؟ بديل أول هو تحقيق ترامب تعهده بـ"تمزيق الاتفاق قطعاً قطعاً" على ما يبدو لتحقيق رغبات نتنياهو. لكن حتى الآن تلتزم إيران بالاتفاق، وإلغاؤه سيؤدي إلى مواجهة ليس فقط معها، بما في ذلك خطر أن ترد إيران باستئناف برنامجها النووي واجتيازها بسرعة الحافة العملانية، بل وأيضاً إلى مواجهة مع الشركاء الآخرين، وبينهم بريطانيا وألمانيا اللتان أوضحتا معارضتهما لإلغاء الاتفاق. ستجد الولايات المتحدة نفسها معزولة. ثمة احتمال ثان هو تطوير الاتفاق وادخال تحسينات وفقاً لاقتراح نتنياهو. لكن لا يوجد شركاء أو جدوى من هذه الخطوة.
•من الغريب أن يعودوا في واشنطن إلى التلهي بإمكانية العمل على تغيير النظام في طهران. هذا هدف يستحق الاهتمام، لكن ربما بخلاف ما يعتقده موظفو الإدارة الجديدة ليس هناك جديد في هذه الفكرة، فهذه هي السياسة الأميركية منذ نشوب الثورة [في إيران] في 1979. وتوجد هنا أيضاً مشكلة صغيرة: لا يعرف أحد كيف نتعامل معها، على الرغم من توظيف تفكير وموارد كبيرة لهذا الغرض في الولايات المتحدة وفي أماكن أخرى. إن تغيير النظام إذا حدث يجب أن يكون من الداخل.
•بقي بديل محتمل هو عملية عسكرية محدودة ضد أهداف نووية إيرانية. المشكلة أن لدى إيران المعرفة اللازمة لإعادة بناء المشروع حتى بعد مهاجمته، والمكسب الزمني الذي سيتحقق [من الهجوم] لن يتجاوز عدة سنوات. وعلى أية حال، فالمكسب الزمني الذي حققه الاتفاق أطول بكثير. لذا فلا فائدة من الخطوات العسكرية، على الأقل ما دامت إيران تمتثل للاتفاق. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يدفع هجوم عسكري إيران إلى التخلص من كل قيد، والسعي إلى الحصول على قدرة نووية خلال زمن قصير.
•يدل الفحص الواقعي على أن الاتفاق النووي بقي أفضل من البدائل السيئة الموجودة. في السياسة، المسألة ليست ما نرغب فيه بل ما نستطيع تحقيقه. وقد اتضح ذلك في موضوع الاتفاق النووي مع إيران، وفي المفاوضات مع الفلسطينيين، وفي الجولات ضد "حماس"، وفي وضع البوابات الإلكترونية على مداخل الحرم ثم إزالتها. نأمل، أن يجري الآن تبني مقاربة أخرى، على الأقل في النضال المستمر ضد إيران.