•بحلول 14 تموز/يوليو يكون قد مرّ عامان على الاتفاق النووي بين إيران والدول العظمى. وخلال العامين اللذين مرا على توقيعه، تحول الاتفاق إلى حقيقة قائمة. تحترم إيران في هذه المرحلة التزاماتها في الاتفاق مع أنها حاولت أكثر من مرة اختبار حدوده. ويكشف تمسكها بالاتفاق الرغبة في مواصلة الحصول على ثماره الاقتصادية، والحؤول دون مساعدة الإدارة الأميركية الجديدة المضطرة إلى احترام تعهدات المجتمع الدولي بالاتفاق ومعارضة خرقه.
•من الزاوية الاقتصادية، تستطيع إيران أن تقدم صورة مختلطة بعد الاتفاق. لا شك في أنه منذ تطبيقه، طرأ تحسن على الوضع الاقتصادي، بالأساس في ضوء الارتفاع الضخم في مداخيل الدولة من النفط، وانفتاح السوق الإيرانية على الاستثمارات الأجنبية. وأتاح رفع العقوبات الدولية عن إيران توقيع اتفاقين ضخمين مع شركة إيرباص الأوروبية وشركة بوينغ الأميركية لشراء نحو 200 طائرة جديدة، وصفقة ضخمة تقدر بنحو 4.8 مليارات دولار مع شركة الطاقة الفرنسية توتال من أجل تطوير مرحلة اضافية في حقل الغاز في جنوب فارس.
•مع ذلك، فهناك مصارف وشركات ما تزال تتحفظ عن معاودة إبرام صفقات مع إيران خوفاً من ردة فعل الولايات المتحدةـ وأيضاً في ضوء الاخفاقات البنيوية التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني، ومن بينها المركزية الشديدة والفساد وسيطرة الحرس الثوري على الاقتصاد. وإلى جانب النمو المدهش الذي يصل إلى أكثر من 6%، فإنه يمكن الاشارة أيضاً إلى بطالة مرتفعة وسط الشباب تصل إلى أكثر من 40%. وأكثر من ذلك، التحسن الذي طرأ على الاقتصاد على الصعيد الكلي [Macro] لم يصل بعد إلى المواطن البسيط.
•وفي الساحة الداخلية ساهم الاتفاق النووي مساهمة كبيرة في فوز المعسكر البراغماتي بزعامة الرئيس روحاني في الانتخابات الرئاسية التي جرت في أيار/مايو. وشكلت نتائج الانتخابات رسالة واضحة تدل على تأييد الجمهور لنهج روحاني، وعلى رغبة هذا الجمهور في مواصلة التعاون مع الغرب. وفي انتخابات المجالس المحلية التي جرت مع الانتخابات الرئاسية، حققت قوائم المرشحين المتماهين مع المعسكر البراغماتي نتائج بارزة أيضاً. لكن على الرغم من ذلك، ما تزال مراكز القوى المركزية في إيران تحت سيطرة المؤسسة الدينية المحافظة بزعامة المرشد الأعلى علي خامنئي. وتضع هذه السيطرة قيداً ثقيلاً على كل محاولة يقوم بها روحاني من أجل الدفع قدماً بإصلاحات واسعة النطاق. وتدل المواجهة غير المسبوقة التي دارت في الأسابيع الأخيرة بين الرئيس روحاني والحرس الثوري بشأن مطالبته بتقليص تدخل الحرس في الاقتصاد، على مجموعة الإملاءات والقيود التي يعمل روحاني ضمنها.
•في الساحة الخارجية لم يؤد الاتفاق النووي أيضاً إلى تغيير مهم في سياسة إيران. وتصاعد جهود إيران في تحصين نفوذها الإقليمي يمكن إعادته إلى التطورات في الشرق الأوسط العربي أكثر من إعادته إلى الاتفاق النووي. إن استئصال تنظيم داعش في العراق وإنجازات النظام السوري برعاية روسيا، يقدمان لإيران فرصة لتوسيع نفوذها، وخاصة بواسطة تنظيمات المقاتلين التي تنشط تحت حمايتها.
•إنما بالإضافة إلى تزايد تدخلها الإقليمي، لا يمكن أن نتجاهل التحديات التي تواجهها. فالتدخل الروسي في سورية يهدد هيمنتها الإقليمية في هذه الدولة، كما أن قدرة إيران على الهيمنة الإقليمية في منطقة ذات أغلبية عربية سنية تصطدم بعقبات، خاصة على خلفية نشاط أطراف أخرى في المنطقة، وفي طليعتها روسيا وتركيا والسعودية. إن التبدل في مقاربة الولايات المتحدة من إيران منذ وصول الرئيس ترامب إلى منصبه، زاد من الضغط عليها ومن تخوف طهران من نشوء ائتلاف إقليمي معاد لها.
•ختاماً، منح الاتفاق النووي إيران فرصة جديدة لتحسين وضعها الاقتصادي وموقعها الإقليمي، لكنه لم يساهم في حل ضائقتها الاقتصادية والتحديات التي تواجهها في الداخل والخارج. وحسناً تفعل إسرائيل إذا استغلت الاتفاق الذي أبعد إلى حد ما الخطر الإيراني لبضع سنوات من أجل تحسين استعدادها في مواجهة إيران قبل مرحلة رفع أغلبية القيود عن مشروعها النووي، وقبل أن تستطيع من جديد ترسيخ قدراتها الواسعة. وتتطلب هذه الاستعدادات دراسة حكيمة تأخذ في الحسبان ليس فقط قوة إيران وإنجازاتها، بل أيضاً حدود قوتها وضعفها والقيود التي تواجهها في الداخل.