•شكل فوز آفي غباي في المنافسة على زعامة حزب العمل ضد عمير بيرتس الأقدم منه مفاجأة. من جهة ما جرى هو إنجاز مذهل وغير مسبوق. ومن جهة ثانية فإن هذا ينسجم مع ميل الجمهور في العالم الديمقراطي إلى الانجذاب نحو "الحصان الأسود"، أي شخص غير معروف تقريباً ولا علاقة له بالسياسة، ولم يسبق أن جرى اختياره في أي منصب عام، لكنه قادر، ظاهرياً على الأقل، أن يبدأ كل شيء من جديد من دون تعهدات. هذا ما جرى مع دونالد ترامب في الولايات المتحدة، ومع إيمانويل ماكرون في فرنسا.
•غباي الذي يصغر ترامب بـ20 عاماً، ويكبر ماكرون بـ11 عاماً، نجح في جذب أعضاء حزب العمل بفضل سيرة حياته التي تثبت أن إسرائيل ما تزال أرض الفرص غير المحدودة. طفل موهوب، من عائلة كثيرة الأولاد من سكان حي البقعة في القدس، أنهى خدمته العسكرية في الجيش كرائد في الوحدة الذائعة الصيت 8200 [وحدة الاستخبارات الإسرائيلية المسؤولة عن التجسس الإلكتروني]، وحصل على دبلوم وماجستير من الجامعة العبرية، وعمل بضعة سنوات في شعبة الميزانية في وزارة المال، فعمل 14 عاماً في شركة بيزيك[شركة الاتصالات الإسرائيلية] في قسم منها كمدير عام. وقد حوله راتبه الضخم إلى مليونير، وانتقل إلى العمل في المجال العام، وعرفت مسيرته المهنية تقدماً سريعاً ، بدأت بتعيينه وزيراً للبيئة، ليتحول هذا الأسبوع إلى رئيس أكبر حزب في المعارضة. وهذا نجاح كان مفاجئاً حتى في نظره.
•يواجه غباي الآن تحديات صعبة. التحدي الأول هو الكنيست. نظراً لكونه ليس عضواً فيه، فهو مضطر إلى أن يطلب من أحد ما في الكتلة أن يكون رئيساً للمعارضة مع كل ما هو مرتبط بذلك، كما أنه سيحتاج إلى توظيف وقت لا بأس فيه في المجلس التشريعي والاجتماع مع أعضاء الكنيست من كتلته محاولاً أن يضمن قبولهم بحقيقة أن الشخص الأقل خبرة من غيره يترأس الحزب. وسيكون موضع اختبار دائم من جانب أعضاء الكنيست من الحزب الذين نافسه جزء منهم في الأسبوع الماضي.
•الخطوة الأولى الذي سيضطر إلى التفكير فيها هي انشاء كتلة مشتركة مع حركة ميرتس. معاً سيشكلان قوة برلمانية مساوية لقوة حزب الليكود. والمقصود هو إنشاء تجمع من حزبين مستقلين منفردين، يمكن أن يقررا خوض الانتخابات معاً او كل على حدة عندما يحين الوقت. وإذا وجدت حركة ميرتس نفسها عاجزة عن تخطي نسبة الحسم، فإن هذا سيكون مأساة ليس بالنسبة إليها فحسب، بل أيضاً بالنسبة إلى حزب العمل ورئيسه. ويبدو أن لدى الطرفين اهتماماً كبيراً بإنشاء مثل هذا التكتل قبيل الانتخابات المقبلة. وإذا شكلا الآن كتلة مشتركة، فإن في إمكانهما معرفة ما إذا كانا يستطيعان العمل معاً.
•الخطوة الثانية الملحة التي لن تكون سهلة سياسياً، لكنها قد تكون عملية فقط في أيام السماح القليلة التي ستمنح إلى غباي، هي تشكيل حكومة ظل. إن فكرة تقليد النموذج البريطاني وتعيين أشخاص في المعارضة يقف كل واحد منهم في مواجهة وزير موجود في الحكومة، يدرس جيداً ما يحدث في تلك الوزارة، ويستطيع أن ينبه وينتقد، قد طرحت في الماضي ولم تتحقق أبداً.
•غباي يمكن أن يكون أول رئيس حزب للمعارضة يفعل ذلك: يعقد جلسات حكومة بديلة ويتخذ في اطارها قرارات تتعلق بموضوعات مطروحة على جدول أعمال حكومة نتنياهو. وبذلك يتيح لمجموعة كبيرة من أعضاء الكتلة المشتركة بين المعسكر الصهيوني وبين حركة ميرتس التمرس في موضوعات يطرحها عليهم.
•ونظراً لكونه جديداً في السياسة، وجديداً أكثر في حزب العمل، وليس عضواً في الكنسيت لن يكون في استطاعته أن يشغل منصب رئيس المعارضة الذي سيمنح إلى شخص آخر من حزب العمل، لذا فإن السنوات المقبلة لن تكون سهلة بالنسبة إلى غباي. لكن نظراً لأننا نتحدث عن شخص بنى نفسه بنفسه، وشكل قصة نجاح إسرائيلية كلاسيكية، لا يمكن الاستهانة بفرص نجاحه أيضاً في مواجهة التحدي الكبير الذي يواجهه.