قضية الغواصات بدأت فقط في الظهور
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

•فرضت القواعد التي تنظم طريقة نشر أسماء المشتبه بهم جنائياً تأخيراً لمدة يوم في الكشف عن هوية جزء من كبار المسؤولين الذين حُقق معهم في قضية الغواصات والسفن. لكن ما اتضح رسمياً بالأمس، كان يمكن حدسه بناء على قراءة ما بين سطور التقارير الصحافية التي نشرت بعد موجة الاعتقالات أول من أمس. والذين يحقق معهم هم كبار المسؤولين أنفسهم الذين ارتبطت أسماؤهم بالقضية منذ الأيام الأولى: المحامي ديفيد شمرون محامي رئيس الحكومة، والقائد السابق لسلاح البحر اللواء في الاحتياط أليعيزر (تشيني) ماروم، ورجل الأعمال ميخائيل غانور، والعميد في الاحتياط أفريئيل بن يوسف الذي كان مرشح نتنياهو لمنصب رئيس مجلس الأمن القومي.

•وعلى الرغم من الجهود التي بذلها مؤيدو بنيامين نتنياهو لتحجيم القضية وطمسها طوال الأشهر الأخيرة، فقد أوضحت النقاشات الأولى التي جرت في قاعة القاضية عينات رون خطورة الجرائم التي يجري التحقيق فيها. وتفحص الشرطة والنيابة العامة شبهات جرائم رشى واحتيال وتحويلات وحَرْف صفقات ضخمة تابعة لسلاح البحر، أحد أهم القوى الاستراتيجية في دولة إسرائيل. والذين يجري التحقيق معهم أساساً هم جزء لا يتجزأ من القيادة الأمنية ومن كبار رجال الأعمال. وثمة شك في أن الألقاب الكثيرة التي يحملها المشتبه بهم، أو شبكة علاقاتهم المتشعبة يمكن أن تؤثر كثيراً في القاضية رون، التي هي نفسها عقيد في الاحتياط، وشغلت سابقاً منصب مدعي عام عسكري أول (وكانت في نهاية خدمتها تحت إمرة المدعي العام العسكري أفيحاي مندلبليت الذي يشغل اليوم منصب المستشار القانوني للحكومة). 

•يعتبر اعتقال اللواء ماروم من أجل التحقيق معه، وتجميد حساباته المصرفية، سابقة بحد ذاتها. لم يسبق أن شهدنا قضية جرى التحقيق فيها مع قائد سلاح سابق بتهمة الفساد. وسُمع تعبير في المؤسسة الأمنية بالأمس عن تخوف من أن ماروم ليس اللواء السابق الوحيد الذي سيجري التحقيق معه تحت طائلة التحذير في هذه القضية، إذ توجد حول ماروم وبار يوسف مجموعة من قدامى الجنرالات الذين قدموا لهما دعمهم الشخصي، حتى لو لم يكونوا هم أنفسهم متورطين في الأعمال التي يجري التحقيق مع الاثنين بشأنها. وقد تطورت المراحل الأولى للتحقيق نتيجة الشكوى التي قدمتها حركة "أومتس" [شجاعة] ضد شبهات فساد تتعلق ببار يوسف. وخلال تلك الفترة حاول لواءان متقاعدان على الأقل إقناع زعماء الحركة بالتخلي عن اتهاماتهم بحجة أن بار يوسف رجل طيب وأنه واحد منا.

•في الوقت عينه لا يمكن تجاهل الانعكاسات المحتملة للقضية في الخارج. في الشهر الماضي وافق مجلس الأمن القومي في ألمانيا على الصفقات مع إسرائيل، لكنه أضاف بنداً تحفظياً يسمح لألمانيا بعدم الالتزام بالصفقات إذا اتضح أنها مشوبة بعمليات فساد. ويمكن أيضاً تخيّل كيف ستنظر وزارة الدفاع الأميركية إلى الصفقات مع وزارة الدفاع والصناعات الإسرائيلية بناء على التقارير التي ستصدر عن التحقيقات. ويميل الأميركيون إلى التعامل بخطورة كبيرة مع شبهات الفساد في صفقات السلاح. ومن المحتمل أن يكون لذلك نتائج أوسع بكثير مما يجري مناقشته حالياً.

•إن رئيس الحكومة كما كرّر مساعدوه مرات ومرات، ليس مشتبهاً بأي شيء. وهذا ما جاء في البيان الرسمي الصادر عن النيابة العامة في القضية قبل بضعة أشهر، لكن النار تلفح الحلقة المقربة منه من المحامي شمرون حافظ سره، إلى بار يوسف، الذي أراد نتنياهو ترقيته وتعيينه رئيساً لمجلس الأمن القومي.

•يتحجج نتنياهو وشمرون بأن رئيس الحكومة لم يعرف قط حقيقة أن محاميه الشخصي يعتاش أيضاً من تمثيله قانونياً رجل الأعمال غانور، الوسيط في صفقات الغواصات والسفن،  وهذه الحجة تتطلب قدراً كبيراً من الثقة بنزاهة واستقامة الرجلين. وعلى أية حال يبدو أن نتنياهو ليس لديه حاسة شم حادة لدى اختياره مساعديه، أو لا يراقب أعمالهم بعد تعيينه لهم. 

•أثارت خطة تعيين بار يوسف رئيساً لمجلس الأمن القومي التي حُذفت من جدول الأعمال عندما بدأ التحقيق بالشبهات ضده، الدهشة لدى طرحها. ويبدو أن نتنياهو لم يكن على علم بتحفظات ثلاثة من كبار المسؤولين في مجلس الأمن القومي على مدى ملاءمة بار يوسف للمنصب. لقد كان بار يوسف يفهم بالغواصات والسفن وصفقات الغاز، وهو الذي كان سابقاً مسؤولاً عن العتاد في سلاح البحر، ومعرفته تحديداً في هذه المجالات ربما هي التي شجعت فكرة تعيينه. 

•ومن دون أي علاقة بتقدم التحقيق الجنائي، تلمّح الشرطة إلى أنه من المتوقع أن يتشعب التحقيق ويشمل اكتشافات خطيرة أخرى. ومن الواضح أن كل صفقات الشراء التي قام بها سلاح البحر تتطلب فحصاً واسعاً من جديد. إن المواقف الملتبسة وعدم التنسيق بين الهيئات المختلفة، وعلامات الاستفهام المطروحة بشأن التصرف الجنائي لعدد من المتورطين، كل ذلك يستوجب فحصاً معمقاً لعملية اتخاذ القرارات التي أدت إلى الموافقة على صفقات بعدة مليارات من اليورو.

 

•ومثلما كان الأمر في حالات أخرى، يبرز هنا أيضاً ضعف الرقابة والمتابعة من جانب الحراس الذين من المفترض أن يراقبوا باسم الجمهور للتأكد من نظافة أي عملية وجديتها. لا قيادة الجيش الإسرائيلي، ولا وزارة الدفاع، ولا لجنة الخارجية والأمن في الكنيست ولا اللجنة الوزارية للتجهيزات، نقبت في هذه الصفقات ورفعت العلم الأحمر في الوقت الحقيقي. لقد تطلب الأمر تقديم شكاوى من مواطنين وتحقيقات صحافية كي تبدأ النيابة العامة والشرطة في وقت متأخر توضيح ما جرى هنا، بطريقة ربما تؤدي لاحقاً إلى محاكمة المسؤولين عن ذلك.