سلوك ترامب يهدّد السياسة الحكيمة لإسرائيل في الساحة السورية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•قالت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هايلي أول من أمس أمام لجنة الخارجية في مجلس النواب الأميركي، إن الدبلوماسيين الذين تتحدث معهم في الأمم المتحدة يشكون كثيراً من السياسة الخارجية غير المتوقعة لإدارة ترامب. وأنها تعتبر هذا تطوراً جيداً، إذ بينما تحاول دول أخرى التكهن بما ستكون عليه الخطوات المقبلة للولايات المتحدة، تحتفظ الإدارة الأميركية لنفسها بهامش كبير للمناورة. 

•لكن عنصر المفاجأة في سياسة ترامب الخارجية، وهذا أسلوب لبق لوصف غياب وشبه مطلق لأي سياسة خارجية، لا يسران حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. إن الجارة القريبة من إسرائيل [سورية] تضج حالياً بالمواجهات العسكرية، والتهديدات المتبادلة، وبصراع قوى معقد، لكنها بقيت إلى حد كبير منطقة في حالة انتظار. لقد مر أكثر من خمسة أشهر على تنصيب دونالد ترامب، وما تزال دول الشرق الأوسط تجد صعوبة في فهم توجهات إدارته.

•ترغب إسرائيل، مثلها مثل معسكر الدول السنية المحافظة بقيادة السعودية،  في وجود أميركي قوي ودائم في المنطقة. وكلما مر الوقت تكثر علامات الاستفهام: هل الأميركيون موجودون هنا كي يبقوا؟ أم أن لديهم هدفاً وحيداً، القضاء على تنظيم داعش، وبعد ذلك الخروج من المنطقة؟ وماذا سيجري بعد سقوط الرقة، عاصمة الخلافة، الذي بحسب كل المؤشرات أصبح وشيكاً؟

•لقد تعهد وزير الدفاع الأميركي الجنرال جايمس ماتيس هذا الأسبوع بأن تمتنع الولايات المتحدة عن mission creep، أي توسع زاحف وغير مخطط له للمهمة العسكرية في سورية. وأضاف أن الولايات المتحدة ستظل تركز على محاربة داعش وستمتنع عن الانجرار إلى الحرب الأهلية هناك. ويعتبر ماتيس بالإضافة إلى مستشار الأمن القومي الجنرال روبرت ماكماستر، من الذين يقودون خطاً متشدداً وصارماً نسبياً حيال التوجهات التوسعية لإيران في المنطقة. لكن الذي سيحسم في النهاية هو الرئيس، الذي أظهر خلال حملته الانتخابية توجهات انعزالية، وكان ضد التورط في حروب لا لزوم لها. وحالياً يتولى ماتيس قيادة الجهد لبلورة سياسة إزاء كوريا الشمالية، التي هي على رأس سلم الأولويات الدولية للإدارة الأميركية. ومن الصعب معرفة ما إذا كان قادراً في المقابل على قيادة مقاربة أميركية أخرى في الشرق الأوسط.

•تقلق هذه التطورات إسرائيل. وهي تطرح على المدى البعيد السؤال فيما غذا كان من الممكن أن يكون ترامب دعامة من قصب هش في زمن الاختبار الحقيقي. الرئيس الذي سبقه باراك أوباما الذي وجهت حكومة نتنياهو إليه اللطمات والإهانات في جميع المناسبات، التزم بجميع تعهداته الأمنية  إزاء إسرائيل. في المدى الأكثر قرباً، تبقى المشكلة السورية. طوال أكثر من ست سنوات للحرب في سورية، يبدو أن إسرائيل تتصرف بصورة حكيمة ومتوازنة. فقد وضعت خطوطاً حمراء: منع تهريب السلاح المتطور إلى حزب الله، والرد على كل إطلاق نار على أراضيها، وبخلاف إدارة أوباما التزمت بهذه الخطوط.

•أدى نشر سربين من الطائرات الروسية في شمال سورية في أيلول/سبتمبر 2015، إلى ميل كفة موازين القوى تدريجياً لصالح نظام الأسد، وأجبر ذلك إسرائيل على إجراء تعديلات. وغادر رئيس الحكومة فوراً إلى موسكو، ومنذ ذلك الحين التقى الرئيس فلاديمير بوتين خمس مرات. وأنشأت إسرائيل مع الروس آلية لمنع الاحتكاك الجوي، ووفقاً لتقارير في الإعلام الأجنبي، استمرت في هجماتها ضد شحنات السلاح، لكنها انتقلت إلى استخدام قصف من مدى أكثر بعداً لتقليص خطر الاشتباك مع سلاح الجو الروسي.

•لكن المطروح على المحك في الفترة الأخيرة أمور أكبر بكثير. بالقرب من الحدود تشعر إسرائيل والأردن بالقلق من اقتراب الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، وميليشيات شيعية أخرى من العراق تابعة لإيران، من بلدة درعا المحاذية لحدود الأردن، وربما من هناك إلى هضبة الجولان. واعتبرت إسرائيل عودة قوات إيرانية وعناصر من حزب الله إلى الجولان، حيث لم يُشاهدوا هناك منذ أكثر من سنتين، خطاً أحمر آخر بالنسبة إليها.

•تدور اللعبة الحقيقية بعيداً عن حدود إسرائيل، وبعيداً عن نطاق نفوذها. إنه السباق الذي وصفناه هنا قبل أسبوع للسيطرة على المناطق التي ستتخلى عنها داعش لدى انسحابها في اتجاه الرقة. وحتى الآن، يبدو أن جهد إيران لإنشاء تواصل لنفوذها، أي نوع من ممر بري يمر غربي العراق وشرق سورية ويصل إلى دمشق وبيروت، يسير بصورة أفضل من الجهد المقابل للسيطرة التي تحاول أن تقوم بها الميليشيات السّنية التي يتلقى قسم منها مساعدة من الأميركيين.

•لقد امتنع أوباما الذي تخوف من تورط عسكري ولم يرغب في المس بجهده الأساسي في الشرق الأوسط، أي التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، بصورة كاملة تقريباً عن القيام بعملية برية في سورية. وما يزال موقف ترامب بهذا الشأن أمراً غامضاً. ويتابع المستويان السياسي والعسكري في إسرائيل ما يجري عن كثب: هل تتوجه واشنطن نحو الاتفاق مع موسكو، أم نحو خطوة أكثر حزماً لوقف تقدم الإيرانيين، أم نحو قطع تدريجي للصلة بعد احتلال الرقة؟ إن كل قرار من هذه القرارات ستكون له انعكاسات واسعة على مجموعة نزاعات أخرى، من المواجهة السعودية – القطرية، إلى الأزمة بين حماس والسلطة الفلسطينية.

من المنتج إلى المستهلك

•من التقريرين اللذين نُشرا قبل أسبوع بشأن استعدادات حزب الله وإيران في جنوب لبنان، فإن ما حظي بالاهتمام هو المواقع الجديدة التي أقامها الحزب على امتداد السياج الحدودي مع إسرائيل تحت غطاء نشاطات للدفاع عن البيئة. إن هذه المواقع هي خرق فاضح لقرار مجلس الأمن 1701 الذي اتُخذ في نهاية حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006]. لكن من المحتمل أن التطور الأكثر أهمية من ذلك هي المتعلقة بإنشاء مصنع سلاح إيراني في لبنان، ذكره رئيس الاستخبارات العسكرية، اللواء هآرتسي هليفي في خطابه في مؤتمر هرتسليا، بعد أشهر من الحديث عنه للمرة الأولى في الصحف الكويتية.

•ويبدو أن تحريك منظومة الإنتاج من المنتج إلى المستهلك، هو خطوة مدروسة من جانب طهران، التي تعمل برويّة وصبر وتفكر للمدى البعيد. إن محور الاهتمام والجهود التي تبذلها إيران ومعها حزب الله هو المحافظة على نظام الأسد في سورية. لكنهما إذا نجحا في إنشاء مصانع لإنتاج السلاح، فسوف يوفر الإيرانيون على أنفسهم جزءاً من المخاطرة المتعلقة بإرسال شحنات السلاح من طريق سورية، الأمر الذي يعرضهم للقصف الإسرائيلي. وإذا وصلت المصانع في لبنان إلى مستوى نوعي مشابه للمصانع في إيران، يكون حزب الله حل أغلبية مشكلات التزود بالسلاح، ويستطيع مستقبلاً اختراق عنق الزجاجة المتعلق بصورة أساسية بتحسين دقة منظومته الصاروخية.

•في المرة الوحيدة التي هاجمت فيها إسرائيل (وفقاً لتقارير أجنبية) شحنة سلاح في أراضي لبنان، بعد اجتيازها في شتاء 2014 الحدود السورية متوجهة إلى بلدة جنتا، ردّ حزب الله بعنف، وفتح لوقت قصير جبهة في هضبة الجولان، قام فيها بهجمات بواسطة شبكة إرهاب درزية. إن هجوماً إسرائيلياً على مصانع سلاح في لبنان، يمكن أن يستخدمه حزب الله ذريعة للحرب. في المقابل، فإن التجاهل الإسرائيلي للخطر يتيح للتنظيم الشيعي التقدم إلى حد كبير في استعداداته للجولة المقبلة. وثمة تشابه هنا بين هذه المعضلة وقرار حكومة غولدا مائير ضبط النفس حيال تحريك بطاريات صواريخ أرض - جو مصرية في اتجاه قناة السويس مباشرة بعد وقف إطلاق النار الذي أنهى حرب الاستنزاف. وقد صعّب تقدم هذه الصواريخ جهود سلاح الجو الإسرائيلي في تحقيق تفوق جوي لدى نشوب حرب يوم الغفران [حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973.]

•استقبلت التحذيرات الإسرائيلية الأخيرة بتشكيك من جانب جزء من الخبراء الأجانب، وبرز فوراً التقدير بأن نتنياهو يعد العدة لمواجهة أخرى مع حزب الله. وهذا يبدو في الوقت الحالي ادعاء لا أساس له من الصحة. فنتنياهو ليس مثل الذي سبقه إيهود أولمرت، الذي غرق من دون تفكير ومن دون حذر في المستنقع اللبناني سنة 2006. وإذا كان هناك من شيء قد ترسخ لدى نتنياهو خلال ثماني سنوات متواصلة في الحكم، فهو أن خوفه من أي تقدم سياسي يترافق مع حذر كبير من إشعال حرب لا لزوم لها. والجولتان الأخيرتان للقتال ضد "حماس" في قطاع غزة انجرّ إليهما  نتنياهو رغماً عن إرادته، كما اعترف بصورة غير مباشرة في الفترة الأخيرة. 

•لكن إيران وحزب الله يتحديان باستمرار الخطوط الحمراء لإسرائيل في سورية وفي لبنان. إن وصول ميليشيات مدعومة من طهران إلى السياج الحدودي في الجولان يمكن أن يرفع مستوى التوترات، وكذلك الخطوات الاستفزازية التي يقوم بها حزب الله على طول الحدود اللبنانية. 

•وفي الفترة الأخيرة، برز تعقيد إضافي كانعكاس غير مباشر للضغط السعودي على قطر. فقد اضطر القطريون إلى طرد أعضاء الذراع العسكرية لـ"حماس" من أراضيهم، من الذين أبعدوا سابقاً من تركيا بسبب جهود إسرائيلية – أميركية. لقد عاد مخربو "حماس" إلى لبنان ومن الصعب أن نصدّق أنهم سيركزون هناك على نشاط تربوي.

خطوة دحلان

•خفف القرار المصري الذي سمح بإدخال كميات كبيرة من السولار إلى غزة قبيل عيد الفطر، موقتاً، من أزمة الكهرباء في غزة. وتحققت المبادرة التي قادها المسؤول الكبير في "فتح" محمد دحلان، الذي هو على خلاف مع رئيس السلطة الفلسطينية محمد عباس، بمساعدة اقتصادية من اتحاد الإمارات وبموافقة سلطة "حماس" في القطاع. وخففت هذه المبادرة على ما يبدو من تقنين التزود بالكهرباء الذي أعلنته إسرائيل بضغط من السلطة الفلسطينية (خطوة ليس من الواضح البتة حتى الآن إذا كانت قد نفذت على الأرض).

•في ضوء هذا النجاح، سرّب أنصار دحلان إلى الإعلام العربي أخباراً عن نية القيام بخطوة أوسع بكثير. وقيل إن دحلان مرشح لأن يعين رئيساً لحكومة جديدة في القطاع بموافقة "حماس"، وأن مصر ستؤيد وإسرائيل لن تتدخل. أما عباس، الذي أمل أن يؤدي الضغط الاقتصادي الهائل الذي مورس على القطاع في الأشهر الأخيرة إلى خضوعه لرام الله، فمن المتوقع أن يخيب أمله.

•شككت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بما نُشر. ويبدو أنه لم يتم الاتفاق على تلك الأمور. ومن المنتظر أن يجتمع دحلان مع أعضاء من "حماس" في الأيام المقبلة. 

•في هذه الأثناء وعلى الرغم من التحسن القليل لوضع التزود بالكهرباء، يعاني قطاع غزة من مشكلات صعبة أخرى. فالوضع الاقتصادي متدهور. وأدى تخفيض دفع الرواتب من السلطة في رام الله لعشرات الآلاف من الموظفين، إلى إلحاق الضرر بالسكان. كما تزداد المصاعب حدة  في جهاز الصحة، وفي التزود المنتظم بالدواء، وفي انتقال المرضى للعلاج في إسرائيل. وأول من أمس أعلنت "حماس" إنشاء منطقة عازلة لمنع استخدام الأنفاق على الحدود المصرية في رفح. وهذا مطلب قديم للقاهرة التي تخاف الحركة الدائمة لنشطاء داعش في سيناء إلى قطاع غزة ومنه عبر الأنفاق. ومنذ سنوات تدّعي إسرائيل أن أعضاء "حماس" يقدمون العلاج الطبي إلى جرحى داعش ويدربون نشطاء "ولاية سيناء" التنظيم المتطرف ويزودونهم بالسلاح. وسبق أن أعلنت "حماس" أكثر من مرة إنشاء منطقة عازلة لكنها حتى اليوم لم تف بتعهداتها.

•تدل مبادرة دحلان في غزة - ولديه علاقات متشعبة مع الاستخبارات المصرية ويخدم مصالحها أيضاً في ليبيا وفي السودان - على أنه مثل "حماس" ومصر، يرى أن عباس في موقف ضعيف.

•لقد انتهت لقاءات رئيس السلطة مع موفدي إدارة ترامب بخيبة أمل، وما يزال مدى تصميم الرئيس الأميركي على إعادة تحريك العملية السياسية موضع سؤال، كما تعاني السلطة من مصاعب اقتصادية متزايدة في ضوء تقلص المساعدات التي تأتي من دول الخليج. والمساعدة المحدودة التي حققتها شحنات السولار إلى غزة لا تحل الأزمة في القطاع ولا تبرد الأجواء بين "حماس" والسلطة. 

•لذا، فإن خطر أن تؤدي هذه التوترات إلى نشوب مواجهة عسكرية جديدة بين "حماس" وإسرائيل ما يزال يحوم فوق هذا الصيف، ما دامت الحلول موقتة وجزئية......