إسرائيل تزحف نحو الساحة السورية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•"نحن نعمل بصورة مثمرة مع الأردن، كما أننا نعمل، ولا أخفي عنكم شيئاً، مع إسرائيل"، هذا ما قاله وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أمام أعضاء مجلس الدوما في نهاية أيار/مايو. كما أشار شويغو أيضاً إلى "المحادثات المثمرة" التي أجراها مع وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، الذي هو على اتصال هاتفي دائم معه، وتتحدث وسائل إعلام عربية عن وجود اتصالات دائمة بين طياري سلاح الجو الروسي والمسؤولين في برج المراقبة في سلاح الجو الإسرائيلي، الذين يزوّدونهم بالمستجدات وينسقون معهم خطط طلعاتهم الجوية، كما تنسق إسرائيل نشاطاتها الجوية وغير الجوية في سورية مع القيادات الروسية.

•تشمل "النشاطات الأخرى" شحنات المساعدات الإنسانية والعسكرية التي تنقلها إسرائيل إلى ميليشيات تنشط في هضبة الجولان السورية وفي جنوب سورية، في منطقة درعا. وفي الأسابيع الأخيرة، تدور في درعا معركة عنيفة يخوضها الجيش السوري سوية مع ميليشيات شيعية وحزب الله من الذين يعملون تحت رعاية إيران، للتقدم من أجل القضاء على المتمردين. وهذه العمليات هي محور محادثات تنسيقية مشتركة بين الأردن وروسيا والولايات المتحدة والسعودية. وحضر مندوبون إسرائيليون كذلك جزءاً من المحادثات التي جرت في الأردن، وفي حالات أخرى جرى التنسيق هاتفياً أو بواسطة مبعوثين جاؤوا إلى إسرائيل.

•تشكل المعركة في درعا جزءاً من خطة لإقامة مناطق "خفض التصعيد"، أي نوع من مناطق أمنية يحظرعلى طيران الجيش السوري التحليق فوقها، ويسودها وقف إطلاق للنار بين الطرفين، ويستطيع اللاجئون السوريون العيش فيها من دون خوف. وخلال الشهر الماضي جرى الاتفاق على إقامة 4 مناطق "خفض التصعيد"، لكن التفاصيل التقنية هي التي تعرقل قيامها حتى الآن. وهي تتعلق بعدم الاتفاق على 3 موضوعات: ترسيم حدود هذه المناطق، هوية المراقبين الذين سيديرون المناطق الأمنية، وحماية المعابر بين المناطق. 

•وقد وجدت إسرائيل، التي أوضحت لروسيا أنها تعارض مشاركة ميليشيات شيعية في الإشراف على المنطقة الأمنية الجنوبية القريبة من مدينة درعا، في الأردن وواشنطن حلفاء لها. وضغط هؤلاء على روسيا للموافقة على هذا المطلب والموافقة على نشر قوات روسية كجزء من حماية المنطقة الجنوبية. وروسيا التي تعهدت لإسرائيل بمنع دخول قوات موالية لإيران وفهمت المعارضة الأميركية القوية، من المفترض أن توافق، على الأقل موقتاً، على عدم تدخل الجيش السوري أيضاً في مراقبة هذه المناطق. وتكون روسيا بهذه الطريقة حيّدت مطالبة تركيا وإيران بالمشاركة في الرقابة، على الأقل في هذه المنطقة، لكن أيضاً لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن الرقابة على سائر المناطق. 

•وكانت تركيا هدّدت بأنها إذا لم يجر التوصل إلى اتفاق بشأن مسألة الرقابة، فستقيم بصورة منفردة منطقة أمنية حول مدينة إدلب، التي يتمركز فيها الجزء الأكبر من قوات المتمردين، بهدف منع سيطرة الأكراد السوريين على منطقة الشمال. من جهتها تراجعت إيران عن مطالبتها بالمشاركة بصورة مباشرة أو بواسطة ميليشيات تابعة لها، وعلى ما يبدو فإن إسرائيل، في منطقة درعا على الأقل، تستطيع أن تكون مطمئنة. لكن هذا لا ينهي مخاوف إسرائيل والأردن.

•إن إقامة مناطق أمنية هو مرحلة واحدة، مهما كانت أهميتها، في مسار طويل من المنتظر أن يبدأ في تموز/يوليو المقبل عندما سيجتمع في أستانة عاصمة كازاخستان، ممثلون عن روسيا وتركيا وإيران من أجل رسم خريطة المناطق الأمنية. لا مكان للولايات المتحدة وإسرائيل في هذا الاجتماع، وستتقرر نتائجه وفقاً لمدى استعداد إيران وتركيا لحل الاختلافات في وجهات النظر بينهما في الأساس، بشأن محاور العبور إلى المناطق الأمنية. ومن الواضح لكل طرف من الأطراف أن السيطرة على المعابر ستحدد مصير المناطق الأمنية وإمكانية أن تشكل ملجأ آمناً للاجئين أم لا، كما ستحدّد الترتيبات المتعلقة بنقل المساعدات الإنسانية، وإمكانية ضم مناطق أخرى في سورية تسيطر عليها قوات النظام أو قوات المتمردين، إلى هذه المناطق. وإذا توصلت الأطراف إلى اتفاق، سينتقل النقاش إلى قمة ستعقد للمرة الأولى بين الرئيسين بوتين وترامب في هامبورغ بين 7 و8 تموز/يوليو.

•حتى الآن، لم تعرض الإدارة الأميركية رؤية متناسقة لإنهاء الأزمة في سورية، وليس واضحاً إلى أي حد يؤثر تدهور العلاقات بين الرئيسين في قدرتهما على التوصل إلى تفاهم على مستقبل سورية. مع ذلك، يوجد لروسيا شركاء مهمين في رؤيتها لمستقبل سورية. ففي السنة الأخيرة اقتربت تركيا من موقف روسيا في ما يتعلق بمصير بشار الأسد ولم تعد تعارض بقاءه في الحكم، على الأقل خلال الفترة الانتقالية وإلى حين تشكيل حكومة جديدة في سورية، وإجراء انتخابات.

•وفي هذا الأسبوع، انضمت فرنسا بصورة مفاجئة إلى موقف روسيا وإيران، عندما أوضح الرئيس ماكرون أنه لا يرى في الوقت الحالي بديلاً عن الأسد يمكنه أن يمنع تحوّل سورية إلى دولة فاشلة. وفي ظل غياب موقف أميركي حازم، فالافتراض هو أن ترامب لا يهمه من يتولى الحكم في سورية إذا كان ذلك الرئيس يتعاون في الحرب ضد داعش، حتى لو كان ثمن ذلك تعزيز مكانة إيران في سورية، شرط أن تبقى الحدود بين إسرائيل وسورية "خالية من الإيرانيين وعملائهم".

•بالنسبة إلى ترامب الأكثر أهمية هو معاودة التنسيق الجوي بين الولايات المتحدة وروسيا، الذي لن يضر عدم وجوده المعركة ضد تنظيم داعش، لكن غيابه يمكن أن يؤدي إلى نشوب مواجهة عسكرية بين طائرات أميركية وروسية، في ضوء التهديد الروسي الذي يعتبر كل تحليق جوي غربي نهر الفرات انتهاكاً عدائياً. وإذا نجح الزعيمان [الأميركي والروسي] في التوصل إلى تفاهمات جديدة في هذا المجال، فإن هذا يمكن أن يعبّد الطريق إلى مؤتمر جديد في جنيف يلتقي فيه ممثلو النظام السوري مع مندوبي المعارضة من أجل الدفع قدماً بعملية سياسية. وتكون هذه الجولة السابعة من المحادثات بين الطرفين، التي من غير المضمون نجاحها في ضوء الخلافات الداخلية بين الميليشيات.

•إن طموحات مؤتمر جنيف البعيدة المدى هي التوصل إلى وقف إطلاق نار شامل، يجري في أعقابه تشكيل حكومة موقتة جديدة تحضّر للانتخابات، وتعمل على وضع دستور جديد، وتغيّر وجه النظام السوري. لكن يبدو أن إقامة مستعمرة مأهولة على سطح المريخ أقرب إلى التحقق من هذه الأهداف السياسية في سورية.

•هنا تكمن أهمية "المحاولة" التي ستجري في درعا لإقامة منطقة أمنية من حولها. ففي درعا ستُختبر قدرة روسيا على الوفاء بتعهداتها ومنع دخول الميليشيات السورية وجيش النظام، وإتاحة الفرصة لحياة "منخفضة التوتر" في هذه المنطقة. لكن ليست روسيا وحدها ستكون موضع اختبار، ففي المنطقة تنشط كتلتان من الميليشيات على الأقل. الأولى مدعومة وتنسق مع "غرفة العمليات الأردنية" التي تشارك فيها الولايات المتحدة، والسعودية، والأردن، والتي تسلّح، وتدرّب، وتموّل جزءاً من الميليشيات، وبينها الجيش السوري الحر.

•أما الكتلة الثانية فتسمى "البنيان المرصوص" (تعبير الرسول محمد في وصف وحدة وإصرار المقاتلين في سبيل الله)، وتتضمن خليطاً كبيراً من الميليشيات، بينها وحدات من الجيش السوري الحر انشقت عن الكتلة الأولى، ووحدات من تنظيمات إسلامية راديكالية كبيرة مثل "أحرار الشام" و"جيش الإسلام"" وكذلك "جبهة فتح الشام"، الاسم الجديد لتنظيم "جبهة النصرة" التي تنتمي إلى القاعدة.

•لا تعتبر هذه التنظيمات نفسها ملزمة بتوجيهات "غرفة العمليات" في الأردن، وهي تقوم بعمليات مستقلة للمحافظة على قوتها ومكانتها في مدينة درعا وضواحيها، وأحياناً من خلال الاشتباك مع قوات تابعة لميليشيات أخرى. وبعض هذه التنظيمات لا يشكل جزءاً من ائتلاف تنظيمات المتمردين الذي تعترف به الدول العظمى كممثل شرعي للمعارضة، ولهذا لم تشارك هذه التنظيمات في المؤتمرات التي عُقدت سابقاً، ولن تشارك في المؤتمر الذي سيعقد في تموز/يوليو. وبالتالي ليس هناك ما يضمن أن تعترف هذه الميليشيات بأي اتفاق يتم التوصل إليه في أستانة أو جنيف.

•ثمة احتمال لأن تشكل هذه الميليشيات جبهة مستقلة ضد قوات الرقابة الروسية، وهذا يمكن أن يؤدي إلى معركة عسكرية من شأنها أن تشعل الحدود بين سورية والأردن وإسرائيل. وفي ضوء هذا السيناريو ستتحول الحدود إلى رهينة المعارك في جنوب سورية بصورة لن تمكن إسرائيل أو الأردن من الرد عسكرياً، طالما تنشط في هذه الجبهة قوات روسية. وسيؤدّي ذلك إلى انهيار الاستراتيجية الإسرائيلية التي اعتمدت حتى الآن على التعاون الصامت والسري مع جزء من الميليشيات. لقد كان هدف التعاون بصورة خاصة المتابعة، وأيضاً قدر الممكن منع دخول ميليشيات موالية لإيران إلى المنطقة. وفي حال دخول قسم من هذه الميليشيات في مواجهة مع القوات الروسية، ستضطر إسرائيل إلى التمسّك بالتعاون المهم مع روسيا، ومن المحتمل أن يكون ذلك على حساب تعاونها مع "ميليشياتها".

•إن إسرائيل التي تبنت منذ بداية الحرب الأهلية في سورية موقفاً قاطعاً بعدم التدخل بأيّ صورة من الصور في تلك الحرب باستثناء مهاجمة مخازن سلاح أو شحنات سلاح موجهة إلى حزب الله، تجد نفسها تزحف إلى داخل الساحة السورية، وليس فقط بصورة تكتيكية تهدف إلى المحافظة على علاقات وجمع معلومات استخباراتية بشأن ما يحدث في الجهة السورية من الحدود الشمالية. 

•في الواقع، فإن تعاون إسرائيل في عمليات التنسيق العملاني التي تجري في الأردن، والحوار العسكري الذي تجريه مع روسيا، والتعهدات التي تطالب بها كلاً من روسيا والولايات المتحدة على حد سواء لمنع دخول قوات إيرانية إلى منطقة الحدود، حوّلها إلى شريكة في عمليات اتخاذ القرارات الاستراتيجية في هذه الحرب.