العلاقات العربية- اليهودية بعد أحداث كفر قاسم- خطر "المنحدر الزلق"
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

•الحادث الخطر الذي وقع في ‏كفر قاسم ‏ في 6 حزيران/يونيو 2017 وأدّى إلى مقتل مواطن عربي من إسرائيل على يد رجل أمن مدني يعمل في مركز الشرطة المحلية، هو بمثابة حجر آخر يُضاف إلى الجدار الفاصل بين الدولة ومواطنيها العرب. وهو ينضم إلى حادث خطير آخر وقع قبل أشهر (18 كانون الثاني/ يناير) في أم الحيران البلدة البدوية الجنوبية، حيث قتل مواطن بدوي بنيران الشرطة التي كانت تحمي أعمال هدم منازل شُيدت من دون ترخيص. وكانت النتيجة في الحادثين متشابهة وقاسية على الرغم من اختلاف الخلفية. فقد وقع الحادث في كفر قاسم ‏ على خلفية محاربة الجريمة الداخلية والعنف في القطاع العربي، وكذلك العنف ضد المرأة. وفي السنوات الأخيرة حظيت هذه المسألة باهتمام كبير، وهي تشغل السكان العرب كثيراً.

•كشف تقرير مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست الصادر في تموز/ يوليو 2014 جزءاً من الحجم الخطير لهذه الظاهرة. ووفقاً للأرقام، فإن 49% من المسجونين الجنائيين في إسرائيل ينتمون إلى القطاع العربي. ويتبين لدى تصنيف عدد الملفات العلنية وفقاً للجريمة خلال السنوات 2013-2016 أن العرب يشكلون 55% من المشتبه بهم بجرائم، و49% من المتهمين بارتكاب جريمة، و58% من المشتبه بهم بالتسبب بأضرار جسدية خطيرة، و45% من المتهمين بذلك. وفي أعمال السرقة المرفقة بملابسات خطيرة بلغ العدد في تلك السنوات 1625 من غير اليهود، مقابل 1535 من اليهود.

•ورداً على قلق الجمهور العربي من ظاهرة العنف والجريمة فيه، شجعت الزعامة المحلية العربية دخول الشرطة الإسرائيلية إلى داخل البلدات العربية. وهذا ما حدث في ‏كفر قاسم حيث أقيم قبل نحو سنة ونصف السنة مركز شرطة محلية كجزء من خطة شاملة من أجل توسيع عملية فرض القانون في القطاع العربي. ووفقاً للخطة كان من المفترض أن تُقام نحو عشرة مراكز للشرطة في بلدات عربية، كما جرى الحديث عن تجنيد أكثر من ألف شرطي جديد. وقد عكس تأييد الجمهور العربي للمزيد من التعاون مع الشرطة من أجل مواجهة الجريمة والعنف المحنة الشديدة التي يعانيها الناس من هذه الظواهر، على الرغم من أن دخول الشرطة إلى البلدات العربية يعتبر هناك بمثابة مسّ بحيز الاستقلال الذاتي الوحيد الذي يتمتع به القطاع العربي في دولة إسرائيل.

•لكن مع الأسف، لم يؤدّ نشاط الشرطة إلى حدوث تغيير. بعد حادث كفر قاسم ‏ ظهرت صورة مزعجة لحجم نشاط العناصر الإجرامية في البلدة، كما لو أنها صورة مصغرة عن ظاهرة العنف في الحيز العربي بأكلمه، وظهرت أيضاً الصعوبات التي يواجهها عمل الشرطة في هذا الشأن. على هذه الخلفية بدأت محاولات محلية لحماية الأعمال في المدينة بواسطة تنظيمات مستقلة للحماية، وفي حالة ‏كفر قاسم كانت برعاية الجناح الجنوبي (القانوني) للحركة الإسلامية، التي تحركت بالطبع انطلاقاً من مصالح سياسية. وليس واضحاً إلى أي حد تقبل الشرطة مثل هذه النشاطات المستقلة، وخصوصاً بالرعاية التي حصلت عليها من الحركة الإسلامية. ومن المحتمل أن الرد القوي للشرطة الذي ظهر في أحداث كفر قاسم، والاستعداد للدخول في مواجهة مع الأطراف المحلية لهما علاقة بذلك.

•اللقاء المشحون بين سكان ‏كفر قاسم ‏والشرطة هو تعبير خطير إضافي عن شبكة العلاقات المعقدة بين سلطات تطبيق القانون كجزء من مؤسسات الدولة والسكان العرب. ثمة فجوة كبيرة نشأت بين الطرفين بعد أحداث تشرين الأول/أكتوبر 2000 التي قُتل فيها 13 متظاهراً عربياً بنيران الشرطة. ومنذ سنة 2000، قُتل وفقاً لأرقام منظمة "مساواة" 48 عربياً على يد الشرطة في ظروف مختلفة- وهذه ظاهرة تولد حقداً وشكوكاً وسط الجمهور العربي حيال الشرطة. ومن المحتمل أن وقوع حادث ‏كفر قاسم ‏بعد زمن قريب من حادث أم الحيران على الرغم من اختلاف الخلفية، يمكن أن يعتبره المواطنون العرب دليلاً على استعداد متزايد لدى الشرطة للاشتباك مع الجمهور العربي، وعلى "إصبع سهل على الزناد".

•ليس من الواضح إذا كان ما يجري سياسة مقصودة من جانب الشرطة أم لا، لكن من الصعب الفصل بين السمات الهجومية لعمليات الشرطة في القطاع العربي وبين السياق العام الذي توجد ضمنه العلاقات بين المواطنين العرب والدولة في السنوات الأخيرة، والذي يمتاز بالتشدد في السياسات الرسمية حيال الأقلية العربية وخاصة حيال زعامتها السياسية. وتجلى ذلك في الفترة الأخيرة من خلال خطوات سياسية وتشريعية، جوهرها إقصاء الأقلية العربية عن المجتمع السياسي الإسرائيلي. 

•إن الجهد المؤسساتي توجّه نحو زعامة الأقلية العربية في البرلمان وإلى تلك التي هي خارج مؤسسات الدولة. فخلال السنتين الأخيرتين اتخذت الحكومة خطوات صارمة تهدف إلى تقليص الوجود العربي في السلطة التشريعية (من خلال رفع نسبة الحسم في انتخابات الكنيست، وقانون الإبعاد عن الكنيست، وخطوة وضع الحركة الإسلامية/الجناح الشمالي خارج القانون، بالإضافة إلى خطوات أخرى من بينها قانون القومية واقتراح "قانون الأذان"). وفي الوقت نفسه لوحظ الخطاب المعادي للعرب  الذي تسرب من الأعلى إلى صفوف المجتمع الإسرائيلي، وجر وراءه ابتعاداً وعدائية ومشاعر كراهية وعنصرية متزايدة داخل أجزاء كبيرة من المجتمع اليهودي.

•ما حدث في أم الحيران وكفر قاسم يمكن أن يدل على ظاهرة مقلقة هي تسلل "روحية القائد" من المستوى السياسي- الحكومي إلى أطراف تنفيذية مؤسساتية، وذلك من دون اتخاذ قرارات في قيادة الشرطة. ويظهر خطاب بعض العناصر في الشرطة بعد الأحداث مثل هذا التوجه ويشير إلى الخطر الكامن في "منحدر زلق" من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من التدهور في شبكة علاقات متوترة أصلاً بين اليهود والعرب في إسرائيل. وبخلاف خط السياسة المتشددة التي ينتهجها المستوى السياسي حيال القطاع العربي، والموجهة بصورة خاصة نحو الزعامة السياسية لهذا الجمهور، جاء احتكاك الشرطة مع سكان القطاع العربي الواسع. وهذا القطاع يمكنه، بتشجيع (أو بتحريض) من أطراف سياسية متطرفة، الرد أيضاً بعنف غير ملائم مع ما يعتبره تعديات من جانب الشرطة. ويمكن لخطوات احتجاجية أن تتدهور بسهولة إلى عنف لا يمكن السيطرة عليه، خاصة في ظل غياب زعامة قادرة على الكبح لدى الطرفين العربي واليهودي في آن معاً. 

•في مثل هذه الظروف الخطيرة، من المهم أن يفهم ويستوعب المستوى السياسي خطورة الوضع والتهديدات التي ينطوي عليها. ومن المهم أن يعمل وزراء الحكومة خاصة على تبريد الأجواء المشحونة وأن يُشعروا الشرطة بالحاجة إلى كبح نشاطها حيال المواطنين حتى لدى معالجة حالات خطيرة من انتهاك القانون. وفي هذا الشأن هناك مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق الزعامة السياسية العربية التي تميل مع التيار وتظهر موقفاً قومياً تحريضياً بدلاً من المساهمة في إزالة التوتر. ويوجد وسط الجمهور العربي أصوات متزايدة تنتقد بشدة موقف الزعامة السياسية في هذا الموضوع، وتطلب من المواطنين العرب أن يكونوا مسؤولين عن مصيرهم من خلال الاعتراف بالأولوية المطلوبة للتحديات الداخلية التي تعرّض للخطر أمنهم وازدهارهم. 

•على المستوى المحلي، من المهم أن تطور الشرطة أدوات جديدة مع السلطات المحلية لمواجهة محنة الجمهور العربي في كل ما يتعلق بظاهرة العنف والجريمة، بالإضافة إلى الخطط المحلية التي تركز بصورة خاصة على إقامة مراكز شرطة جديدة وتخصيص يد عاملة لها. وفي هذا السياق من الضروري جداً أكثر من أي شيء آخر العمل المشترك مع السلطات المحلية العربية وأن تقام من بين أمور أخرى، هيئات شرطة مدنية– محلية، مثل تلك التي يجري تطويرها في القطاع اليهودي. إن مثل هذه الخطوة لن تكون من دون مشكلات، لكن هي ومثيلاتها يمكن أن تساعد في الدفع قدماً بالاستقرار، وفي خفض العنف وتحسين الأجواء - وهذه مهمات يجب التعامل معها باهتمام كبير وبسرعة في جدول الأعمال الاجتماعي المعقد لدولة إسرائيل.

 

 

 

المزيد ضمن العدد 2633