•حذّر جهاز الأمن الإسرائيلي العام ["الشاباك"] أخيراً من أن الإرهاب اليهودي المسياني - الفوضوي الذي يسعى إلى تقويض الدولة الصهيونية بدأ يرفع رأسه من جديد. وأشار الجهاز إلى أنه خلال الشهرين الأخيرين فقط تم تسجيل 8 عمليات سرية لهذا الإرهاب اليهودي داخل الخط الأخضر والضفة الغربية: في القرى العربية في وادي عارة، وقرية الناعورة في الشمال، وفي القدس والقرى الفلسطينية القريبة من مستوطنة يتسهار. ويدور الحديث حتى الآن حول عمليات إضرار بالممتلكات وإحراق سيارات وكتابة شعارات قومية متطرفة على الجدران. وبالإضافة إلى ذلك سجلت عشرات الاحتكاكات من طرف إرهابيين يهود مع الجنود والشرطة ومع السكان الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين، انتهى بعضها بوقوع إصابات.
•في السنتين الأخيرتين كانت عناصر هذا الإرهاب اليهودي في حالة شلل شبه تامة، فبعض القادة ومنفذي العمليات تم إيداعهم في السجن، والبعض الآخر تم إبعادهم. ولكن منذ إخلاء بؤرة "عمونه" الاستيطانية غير القانونية في شباط/ فبراير الفائت زاد نشاط الإرهاب اليهودي. ولا شك في أن حديث جهاز "الشاباك" عن تصعيد في الإرهاب اليهودي يعيد إلى الأذهان الموجة السابقة من هذا الإرهاب التي وصلت إلى ذروتها في تموز/ يوليو 2015 لدى إحراق عائلة دوابشة في قرية دوما [قضاء نابلس].
•بحسب التعريفات المهنية لدى "الشاباك"، فإن هذا الإرهاب اليهودي موجود الآن في ما يسمى "المرحلة الثالثة" من سلم التصعيد. وقد تمثلت المرحلة الأولى منه في ممارسة العنف بالقرب من المستوطنات، وكان شعارها أنه "في الأماكن التي يعيش فيها المستوطنون لا يسمح بأن يمر أمام ناظريهم أي عدو"- شرطة، جنود، فلسطينيون أو نشطاء السلام واليسار. وكلّ من يمر هناك يكون عرضة لتلقي الضربات. وعمل القلب النابض لهذا الإرهاب اليهودي المتجدد في مركزين: الأول في مستوطنة يتسهار حيث تم تأسيس جماعات "جباية الثمن"، والثاني بين مجموعات "شبيبة التلال" التي خرجت منها جماعات عنيفة تعيش في بؤر استيطانية غير قانونية في مناطق بنيامين وغئولات تسيون ورمات مغرون. ومن هذه الجماعات خرجت النواة الصلبة لـ"جماعة التمرد" برئاسة مئير إتينغر حفيد الحاخام مئير كهانا، وتم اتهام شخصين من هذه الجماعة بقتل عائلة دوابشة، ووقفت هي أيضاً وراء الحريق في كنيسة دورمتسيون في القدس وكنيسة الخبز والسمك في طبريا. وحصلت وحدة بين نشطاء يتسهار وهذه الجماعات العنيفة خريجة "شبيبة التلال".
•المرحلة الثانية تشمل الخروج من المستوطنات، أو ما يسمى في يتسهار بـ"رحلات السبت". وفي إطارها ينهي نشطاء الإرهاب اليهودي صلاة الفجر ويخرجون إلى القرى المجاورة مثل بورين وعوريف وحوارة ويقومون بالاعتداء على هذه القرى. وفي معظم الحالات يعرف الجيش مسبقاً عن هذه الاعتداءات ويصل إلى المكان لكنه لا يؤثر. كما أن الجنود يتعرضون للاعتداءات. وفي الأشهر الاخيرة سجلت شرطة يهودا والسامرة 17 حادثة عنف من طرف مستوطنين في يتسهار والبؤر الاستيطانية المذكورة ضد الفلسطينيين والجنود ونشطاء اليسار.
•أما المرحلة الثالثة من الإرهاب اليهودي فهي "المرحلة السرية" وفيها يتم القيام بأفعال تحت جنح الظلام بواسطة خلايا صغيرة. وفي ما يلي قائمة جزئية من الأسابيع الأخيرة فقط: في نهاية آذار/ مارس الفائت - عملية "جباية ثمن" في القنصلية الإسبانية في القدس؛ يوم 26 نيسان/أبريل الفائت - إحراق سيارة في حوارة بالقرب من يتسهار، وكتابة شعارات قومية متطرفة؛ يوم 5 أيار/ مايو الفائت- تخريب إطارات سيارات وكتابة شعارات في القدس الشرقية؛ يوم 9 أيار/ مايو الفائت - إلحاق أضرار بسيارات في شعفاط وفي قرية الناعورة بالقرب من العفولة [شمال إسرائيل] إلى جانب كتابة شعارات "جباية الثمن"؛ يوم 24 أيار/ مايو الفائت- إحراق سيارات في عارة [المثلث]؛ يوم 28 أيار/ مايو الفائت- الاعتداء على سيارة عربي وكتابة شعارات في جبل صهيون في القدس؛ يوم 29 أيار/ مايو الفائت - إحراق تراكتور وكتابة شعارات في قرية بورين بالقرب من يتسهار وهكذا دواليك.
•يمكن القول إن هذه "المرحلة الثالثة" حساسة جداً في تنظيم الخلايا الإرهابية، ففيها يبدأون بالعمل من خلال التخطيط المسبق والتنسيق السري وازدياد الثقة بالنفس، وهذا يؤدي إلى "المرحلة الرابعة" التي تشمل إلحاق الأذى الجسدي بالأشخاص والاعتداء على منازل العرب وعلى المساجد والكنائس.
•كما يمكن القول إن الهدف والأيديولوجيا لم يتغيرا خلال العامين اللذين تم فيهما تراجع الإرهاب اليهودي. وبموجب هذه الإيديولوجيا إذا كانت الدولة الصهيونية تعيق قدوم المُخلص فنحن سنحرقها ونقوم ببث الخلاف بينها وبين أمم العالم، وبينها وبين الفلسطينيين، وبينها وبين الديانات الأخرى، من أجل التسبب بحرب أهلية تكون نهايتها انهيار السلطات في إسرائيل وصعود الدولة الدينية. وباختصار، القتل هو أداة شرعية من أجل تعجيل الانبعاث.
•ما نزال نذكر أن قتل عائلة دوابشة في دوما جرّ موجة إرهاب استمرت 9 أشهر. كما أن قتل الفتى محمد أبو خضير في تموز/ يوليو 2014 تسبب بأعمال شغب في وسط العرب في إسرائيل والقدس استمرت نصف سنة. وبحسب رأي المجموعة التي ترأسها مئير إتينغر فإن ذلك يعتبر نجاحاً.
•يدور الحديث حول جماعات معادية للصهيونية. وبطبيعة الحال لديها آباء روحانيون مثل الحاخام يتسحاق غينزبورغ من يتسهار. وثمة الآن أيضاً شخصيات عامة تؤيدهم وعلى الأقل يوجد عضو كنيست واحد يؤيدهم بشكل علني هو بتسلئيل سموتريتش [نائب رئيس الكنيست من "البيت اليهودي"] الذي يعرف غرف التحقيق في "الشاباك" جيداً، حيث سبق له أن جلس أمام محققي هذا الجهاز قبل عقد بتهمة العضوية في خلية سرية خططت لتنفيذ عملية إرهابية. في ذلك الوقت جلس والتزم الصمت ثم أطلق. وحتى سنة 2014 لم تقدم حتى ولو لائحة اتهام واحدة ضد أمثاله من المُخلين. فقط القتل في دوما كان بمثابة خط فاصل جرى فيه اعتبار عمليات "جباية الثمن" عملاً إرهابياً بكل معنى الكلمة وبدأ "الشاباك" بتنظيف أساسي أدى إلى عامين من الهدوء.
•من الملاحظ أنه منذ سنة 2015 إلى السنة الحالية سجل تراجع في نشاط هذه الجماعات في الضفة. وتم اعتقال نشطاء يتسهار و"شبيبة التلال" أو إبعادهم بأوامر إدارية. وعمل "الشاباك" بطريقة "جزّ العشب الأخضر" بالضبط مثلما يعمل مع حركة "حماس"، أي أنه يصل إلى كل من يشتبه بممارسته نشاطاً إرهابياً ويقوم بالتحقيق معه. لم يكن القتل في دوما وحده هو الذي سبب زعزعة في صفوف قيادة "الشاباك"، بل إن شخصيات عامة في المناطق [المحتلة] وأعضاء كنيست من اليمين أبدوا تحفظهم من أعمال "شبيبة التلال" بعد أن نشر الفيلم القصير "رقصة الدم" الذي ظهروا فيه وهم يرقصون في حفل زفاف ويقومون بطعن صورة الطفل علي دوابشة. وتسبب ذلك أيضاً بتزعزع الجمهور في إسرائيل وبخوف قادة المستوطنين من أن يلحق هذا الأمر الضرر بشرعية مشروع الاستيطان، وعندها فقط تم التنصل من هذه الجماعات. غير أن الذاكرة قصيرة والزمن يفعل فعله، ويحذّر مسؤولون كبار في "الشاباك" من أنه إذا لم يحدث الآن تغيير في الوعي حيال هذه الجماعات ومراحل عملها المُتدحرجة، فإننا في الطريق إلى موجة أخرى من الإرهاب اليهودي، ودوما 2 هي مسألة وقت لا أكثر.