معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•عندما تغلب دونالد ترامب على هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية، اعتقد كثيرون في معسكر اليمين الإسرائيلي أن حلمهم تحقق. وحصل انطباع لدى كثيرين بأن الإدارة الجديدة وديّة أكثر حيال إسرائيل وأنها تؤيد سياسة حكومة نتنياهو سواء حيال الفلسطينيين أو حيال الموضوع الإيراني. وكان الانطباع بأن كون الرئيس ترامب محاط بيهود أميركيين من المؤيدين لحركة الاستيطان يعني نهاية الضغوط من الإدارة الأميركية لوقف البناء في المستوطنات أو تقييده. لكن أثبتت الاتصالات بين حكومة إسرائيل وإدارة ترامب بشأن مسألة المستوطنات أن هذه التوقعات لا أساس لها.
•إن سياسة الإدارة الأميركية الحالية بشأن موضوع المستوطنات مثل سياسة إدارة أوباما، وهي مستمدة من الرغبة المشتركة لدى الإدارتين بالتوصل إلى حل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني من خلال تسوية. وعلى الرغم من النظرة السائدة في أوساط كثيرة في إسرائيل بأن إدارة أوباما كانت مهجوسة بمشكلة التسوية مع الفلسطينيين، فقد كان أوباما نفسه غير متحمس لمعالجة هذه المشكلة والدخول في تفاصيل ما يجري بعد أن تبين له في أعقاب مرحلة مبكرة جداً من الاتصالات بين الطرفين، أنهما يبذلان كل جهدهما من أجل إحباط أي تقدم. كما أن الجهود للتوصل إلى اتفاق خلال فترة ولايته جرى تأجيلها من جانب أطراف أخرى في إدارته. وكانت بارزة بصورة خاصة محاولة التوسط التي قام بها وزير الخارجية جون كيري في 2013-2014، لكن أوباما نفسه لم يلعب أي دور في العملية.
•في المقابل، فإن الرئيس ترامب يفاجئ حكومة إسرائيل بالحافز الكبير الذي لديه من أجل الدفع قدماً بتسوية إسرائيلية - فلسطينية. وأول مؤشر إلى ذلك ظهر خلال الحملة الانتخابية عندما تحدث عن تسوية إسرائيلية - فلسطينية "كصفقة نهائية" هو فقط قادر على إنجازها. وكرر ترامب هذا الكلام لاحقاً عدة مرات. ويبدو أن هذا أحد الوعود الانتخابية في مجال السياسة الخارجية ويعتقد ترامب أن في إمكانه أن يفي به. والذي يبدو أن ترامب بالإضافة إلى رغبته في أن يثبت نجاحه في مواجهة تحدى فشل جميع الرؤساء الذين سبقوه في محاولاتهم النجاح فيه، تبنى وجهة النظر الأساسية للموظفين لديه في مجال السياسة الخارجية والأمن، والذين هم في أغلبيتهم خدموا في إطار القيادة المركزية الأميركية المسؤولة عن الشرق الأوسط. وقد عبّر رؤساء هذه القيادة ومن بينهم وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس في مناسبات مختلفة، عن وجهة نظر مفادها أن استمرار النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني هو عامل يعرقل تسوية النزاعات والأزمات الأخرى في الشرق الأوسط ويغذي التطرف في المنطقة، بخلاف الادعاءات المتكررة لحكومة إسرائيل بعدم وجود علاقة بين النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني وسائر بؤر المشكلات والأزمات في المنطقة. لقد كان أحد القرارات الأولى للرئيس الأميركي تعيين جيمس غرينبلات، وهو محام يهودي، موفداً عنه في المفاوضات. صحيح أنه يمكن أن يُفهم أن غرينبلات عُين كمفاوض أساسي مع دول أخرى في الشرق الأوسط في موضوعات مختلفة، لكن في هذه المرحلة، يدرك غرينبلات أن "روح القائد" مركزة على النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. لقد أثارت تصريحات ترامب في المؤتمر الصحافي المشترك بينه وبين نتنياهو الذي عُقد أثناء زيارة رئيس الحكومة للبيت الأبيض والتي قال فيها: "دولة واحدة... دولتان، ما يريده الطرفان" صدى واسعاً، لكن يمكن أن نفهم من التحركات العملية لغرينبلات ومن اتفاق ترامب مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن عقد مؤتمر إقليمي، أنه من الواضح لأطراف في الإدارة وللمقربين من الرئيس أن حل الدولتين هو الحل الوحيد الذي ينطوي على استقرار، سواء في الساحة الإسرائيلية أو في الساحة الإقليمية.
•وفي الواقع، يتبين مع مرور الوقت أن وجهة نظر الإدارة الأميركية الحالية بشأن حل النزاع لا تختلف كثيراً عن وجهة نظر إدارة أوباما. لقد تبنت الإدارة جزءاً من المواقف الأساسية للجانب الإسرائيلي، وعلى هذه الخلفية سُمعت تصريحات من جانب الإدارة بأنها لا تنوي الحلول محل الطرفين اللذين يتعين عليهما التوصل إلى اتفاق في مفاوضات مباشرة، وأن التسوية الإقليمية ضرورية، من بين أمور أخرى، لدعم مسعى إسرائيلي - فلسطيني للتوصل إلى اتفاق وتحقيقه. وفي هذا الإطار تبنت الإدارة الأميركية أيضاً القول الإسرائيلي المعتاد بأن المستوطنات لا تشكل عقبة في وجه اتفاق مستقبلي، لكنها تدرك جيداً أن توسيع المستوطنات ومواصلة البناء يضران بإمكانية التوصل إلى اتفاق. لقد قال ذلك ترامب نفسه بصورة أكثر وضوحاً عندما شرح ببساطة وبمنطق خبير عقارات، أنه عندما توسّع إسرائيل المستوطنات فإنها عملياً تقضم من حجم الأرض التي تجري المفاوضات بشأنها، وبهذا الأسلوب لا يمكن التوصل إلى اتفاق. وفي المفاوضات التي أجراها غرينبلات في إسرائيل، ركز على الحاجة إلى وقف البناء في المستوطنات، وقال إنه في بداية المحادثات طلب وقفاً كاملاً للبناء، كما طلبت إدارة أوباما في بداية عهدها. وفي ما بعد جرى التوصل إلى اتفاق بينه وبين رئيس الحكومة نتنياهو يقضي بإجراء مفاوضات خاصة بين حكومة إسرائيل والإدارة الأميركية بشأن تقييد البناء في المستوطنات. وفي هذه المرحلة، لم ينجح موفد رئيس الحكومة نتنياهو الذي أُرسل إلى واشنطن لمناقشة الموضوع مع الإدارة، في التوصل إلى اتفاق مع الجانب الأميركي.
•على الرغم من ذلك ومع عدم التوصل إلى اتفاق في الاتصالات مع واشنطن، اتخذ نتنياهو خطوة أحادية الجانب بتقييد البناء في المستوطنات. وفي 30 آذار/مارس قرر المجلس الوزاري السياسي - الأمني تقييد البناء ضمن حدود المنطقة المبنية في المستوطنات، وإذا كانت الظروف على الأرض لا تسمح بذلك، فيجب أن يتم التوسع ضمن الأرض المجاورة للمناطق المبنية - "اللصيقة" بالمنطقة المبنية - بحسب تعبير رئيس التكتل ديفيد بيتان. ويبدو أن نتنياهو يحاول أن يستند في هذا إلى الحديث الذي دار في الماضي بشأن هذه المسألة بين حكومة إسرائيل وإدارة جورج بوش الثاني. في ذلك الوقت بذل بوش محاولة لتعيين حدود المنطقة المبنية وعدم التوسع خارجها. وبالإضافة إلى ذلك من المحتمل أن نتنياهو انتبه إلى كلام ترامب بأن توسيع المستوطنات يقضم من الأرض التي تجري المفاوضات حولها. وبخلاف تفاهمات حكومة شارون مع إدارة بوش التي هدفت إلى تعزيز كتل المستوطنات على حساب المستوطنات المعزولة، يتعامل نتنياهو مع جميع المستوطنات بطريقة متساوية. ومن المحتمل أن هذا التعاطي يفسر تخصيص منطقة لبناء مستوطنة جديدة للذين أخلوا من موقع عمونه في عمق شيلة الموجودة في عمق منطقة السامرة، وليس ضمن حدود الكتل الاستيطانية. وثمة تفسير آخر لهذه الخطوة هو أن المبادرة نبعت من الحاجة إلى تحقيق الوعد الذي أعطي للذين أخلوا من عمونه قبل دخول ترامب إلى البيت الأبيض، وفي الوقت نفسه من إدراك ضرورة تقييد البناء لمنع رد فعل حاد من إدارة ترامب.
•في هذه المرحلة، تبدو إدارة ترامب غير معنية بالتوصل إلى مواجهة علنية مع الحكومة الإسرائيلية في موضوع البناء في المستوطنات. ومن المحتمل أيضاً أن نتنياهو توصل إلى قرار تقييد البناء بالاستناد إلى التقدير بأن هذه الخطوة كفيلة بمنع حدوث مواجهة مع الإدارة الأميركية. لكن السؤال الأساسي هو: هل هذا القرار يغني عن مواصلة المفاوضات مع الإدارة الأميركية في مسألة تقييد البناء في المستوطنات؟ وهل يمنع بمرور الوقت حدوث مواجهة بين حكومة إسرائيل والإدارة الأميركية؟ مع أن طريقة المواجهة ستكون مختلفة عن المواجهات مع إدارة أوباما ولن تكون علنية.
•كما ذكرنا، فإن قرار المجلس الوزاري المصغر يقضي بتقييد البناء في جميع المستوطنات ضمن الأرض المبنية وتلك المجاورة لها، لكن المشكلة عدم وجود تحديد واضح لمصطلح "الأرض المجاورة لها". ومن المعقول افتراض أن مستوطنين وأطرافاً قريبة من حكومة إسرائيل سيسعيان إلى إعطاء هذا المصطلح معنى واسعاً قدر الممكن، والبناء وفق هذا المعنى يمكن أن يتسبب بمواجهة مع الإدارة الأميركية. ومن المحتمل أيضاً أن رد الفعل المعتدل لنفتالي بينت وحزبه البيت اليهودي على قرار المجلس الوزاري المصغر، يدل على إدراك بأن القرار يمنح المستوطنين هامشاً واسعاً للبناء. ويجب الانتظار كي نرى ما إذا كان التجاوز في بناء المستوطنة الجديدة للذين أخلوا من عمونه لن يقابل بمعارضة من جانب الإدارة الأميركية بسبب تفهمها الضرورات السياسية التي يعمل نتنياهو في إطارها.
•ختاماً، إن إدارة ترامب مريحة أكثر لحكومة إسرائيل واليمين في إسرائيل من إدارة أوباما بشأن موضوع مواصلة البناء في المستوطنات مع قيود، وعدم معارضتها عملياً البناء في الأحياء اليهودية في القدس. وعلى الرغم من ذلك، فإن الطريقة التي يدير فيها نتنياهو الاتصالات مع الإدارة الجديدة يمكن أن تؤدي إلى تضييع فرصة أخرى كي نثبّت مع الولايات المتحدة وجهة النظر بأن أي حل يجب أن تكون فيه كتل المستوطنات القريبة من الخط الأخضر جزءاً من دولة إسرائيل. إن مصلحة إسرائيل تقتضي التشديد على التمييز بين الكتل الاستيطانية والمستوطنات المعزولة، لكن يبدو أن حكومة إسرائيل لا تذهب في هذا الاتجاه بسبب ضرورة تعيين حدود الكتل الاستيطانية، وبصورة خاصة خوفاً من أن هذا التحديد، بل حتى محاولة بلورته، ينطويان على ثمن سياسي باهظ.