•في حركة "حماس" يدركون أن الزمان تغيّر وأن سر حركة صغيرة تكافح من أجل بقائها يكمن في مرونتها السياسية وفي تكيّفها مع الظروف. في الأيام القريبة المقبلة سيقدم زعيم "حماس" المنتهية ولايته خالد مشعل، الميثاق الجديد للحركة الــذي، مع انتخاب قائــد جديد، يرمز إلــى نــوع من عمليــة تجميلية - هي كما يبدو حدث سطحي وخارجي، لكنه حدث مهم بالنسبة إلى "حماس". وإليكم بضعة أمور من المفيد الانتباه إليها:
1-إن هذا التجدد في "حماس" جدير بالتقدير، خاصة لدى مقارنته بالجمود السياسي الذي يسود خصمها التاريخي حركة "فتح". فخلال أشهر معدودة جدّدت "حماس" قيادتها وأعادت تحديد مبادئها من خلال رغبة في استعادة علاقاتها مع العالم العربي وترميم صورتها. في المقابل تجدون في "فتح" جموداً وعدم حيوية.
2-المسار السياسي الذي تحاول "حماس" سلوكه من خلال إقامة علاقات جيدة مع إيران من جهة ومع السعودية وحلفائها في العالم العربي من جهة أخرى، يمكن تشبيهه بشخص يؤيد فريق برشلونة وريال مدريد في كرة القدم في آن معاً. وهذا يبدو مستحيلاً، لكن ليس لدى "حماس" من خيار سوى أن تحاول، فالذراع العسكرية فيها مرتبطة مالياً بالحرس الثوري الإيراني، والذراع السياسية بدول الخليج، وكل طرف يشد الأمور نحوه، وأحياناً يقوى على حساب الطرف الثاني، لكنهم في "حماس" ليسوا قادرين على التخلي عن أي طرف من الطرفين. ومن هنا يصرون على عدم تكرار الخطأ الذي ارتكبوه عندما وقفوا ضد بشار الأسد في سورية وأغضبوا الإيرانيين، وهم ينوون إعلان حيادهم والتركيز على المشكلة الفلسطينية.
3-تحتاج غزة إلى منفذ نحو العالم. والمنفذ الوحيد المتوفر هو مصر من خلال معبر رفح. ومن أجل التخلص من تضييق الخناق الذي يمارسه السيسي عليهم، هم مستعدون في "حماس" للقيام بما لا يمكن تصديقه، الانفصال عن التنظيم الأم "الإخوان المسلمون". ومن المهم الإشارة إلى أن المقصود ليس الانفصال الإيديولوجي، بل التوضيح فقط أن "حماس" حركة مستقلة وليست خاضعة لإمرة المرشد العام للإخوان.
4-التفريق بين اليهود وإسرائيل - إن الميثاق الأساسي لحركة "حماس" سيئ السمعة لكونه وثيقة معادية للسامية بكل معنى الكلمة، وهو حافل بالتعليقات العنصرية إزاء اليهود. وفي عصر ترامب بالذات، حيث السياسي المستقيم معرض للتشهير، يشعرون في "حماس" بالحاجة إلى ترميم صورة الحركة المعادية للسامية لدوافع نفعية. وتفسر جهات في "حماس" هذه الخطوة [بأنها أتت رداً على] استخدام إسرائيل ميثاق "حماس" كي تظهر أنها حركة عنصرية تدعو إلى الجهاد ضد اليهود أينما كانوا. وسوف ينشر النص باللغتين العربية والإنكليزية لمنع تأويلات مختلفة للنص العربي.
5-بالنسبة إلى حدود 1967- لا تنوي حركة "حماس" الاعتراف بدولة إسرائيل، وهي مستعدة للاعتراف بدولة فلسطين. أي ستقبل الحركة بدولة فلسطينية في حدود 1967 عاصمتها القدس، لكن من دون التخلي عن رؤيا تحرير كامل فلسطين. ويدركون في "حماس" أنهم عملياً يديرون شيئاً قريباً من دولة فلسطينية مستقلة في غزة، وأن عليهم استخدام اللغة الدبلوماسية بفاعلية أكبر إذا كانوا يرغبون في السيطرة أيضاً على الضفة الغربية في وقت قريب. وبهذا المعنى تنتهج "حماس" تكتيكاً عرفاتياً - التحدث بأصوات معتدلة (نسبياً) من دون التخلي عن الكفاح المسلح الذي هو معروف في أنحاء العالم بأنه إرهاب إسلامي. فهل هناك أحد في العالم يمكن أن يشتري هذه البضاعة المستهلكة؟ في "حماس" يعتقدون أن الأمر يستحق المحاولة.