•تضمّن تقرير مراقب الدولة بشأن عملية "الجرف الصامد" عدداً لا بأس به من النقاط المهمة، وخاصة تلك المتعلقة بإدارة المستوى السياسي لهذه العملية. وعلى الرغم من ذلك، فإن تركيز المراقب على تهديد الأنفاق والنقاش العام المحتدم الذي نشأ حول هذه النقطة بالذات، ألحق بحد ذاته ضرراً استراتيجياً بدولة إسرائيل.
•هناك سؤال يجب أن يطرح مسبقاً هو: ما هو التهديد الاستراتيجي وما هو التهديد الوجودي. وكما يبدو، ثمة أهمية كبيرة لتحديد منهجي لسلم التهديدات في البيئة المعقدة والمتغيرة في دولة إسرائيل. ومثل هذا التحديد لسلم التهديدات من جانب المستوى السياسي الأعلى، كان من الواجب أن يوضح للأجهزة الأمنية ما هو سلم أولوياتهم في بناء القوة واستخدامها.
•وعليه، فإن تعريف موضوع معيّن "كتهديد وجودي" من النوع الذي يهدّد تفعيله جوهر وجود دولة إسرائيل، يستوجب اتخاذ خطوات بعيدة المدى. أما الـ"تهديد استراتيجي" من النوع الذي يمكن أن يؤدي إلى التسبب بأضرار كبيرة على المدى البعيد لمصالح الدولة الحيوية، فإنه يتطلب أدوات ووسائل أقل، بينما تصنيف تهديدات بأنها تنظيمية وتكتيكية يتطلب ردوداً مناسبة، لكن من حجم أصغر. وهذا السلم من التهديدات والردود يتيح التركيز على الأساسي، وفي بعض الأحيان على حساب مجالات أقل حيوية.
•لم يكن هناك، ولا يوجد في دولة إسرائيل بنية منهجية ومتفق عليها للتهديدات والردود، ولا حتى على المستوى الحيوي للأمن القومي. إن عدم الوضوح والغموض هما اسم اللعبة. ويكون لذلك انعكاسات عملية مصيرية عندما يجد الجيش نفسه من دون توجيهات واضحة من المستوى السياسي. وهذا ما اشتكى منه رئيس الأركان علناً في الكتيب المهم "استراتيجية الجيش الإسرائيلي" الذي صدر في آب/أغسطس 2015. ومن الواضح حالياً، في ما يتعلق بقضية الأنفاق قبل عملية "الجرف الصامد"، أنه لم يكن هناك تفسير سياسي واضح حول موضعها في سلم الأولويات القومي والعسكري. الآن هناك من يدّعي وعن غير حق، بأنه كان يجب على الجيش أو رئيس الاستخبارات العسكرية تحديد سلم الأولويات، ووضع أنفاق "حماس" ضمن هذا الإطار.
•فيما يتعلق بالتهديدات الأمنية، خلافاً للماضي، لم تعد دولة إسرائيل تواجه تهديدات وجودية بكل معنى الكلمة. ربما يمكن تعريف استمرار النزاع مع الفلسطينيين بأنه تهديد وجودي، وثمة من يدّعي أن تحقيق البرنامج النووي الإيراني يمكن أن يشكل خطراً وجودياً. ويدور جدل إسرائيلي عام حول هذين الموضوعين.
•بالإضافة إلى ذلك، ثمة لائحة طويلة من تهديدات استراتيجية تواجه إسرائيل لن أعددها هنا. ومع ذلك، ففي رأيي لا تشكل الأنفاق - سواء في الجبهة ضد "حماس" أو في الجبهة ضد حزب الله - جزءاً من هذه الفئة. من الواضح أن منظومة الأنفاق الهجومية تنطوي على خطر إذا لم تقف في وجهها منظومة دفاعية مناسبة. ويجري حالياً، ربما بعد فوات الأوان بناء منظومة تتألف من عائق معقد، على قاعدة السياج الذي يغلف قطاع غزة، بتكلفة تتعدى 3 مليارات شيكل. وهنا يطرح السؤال: هل هذا هو الهدف الصحيح لإنفاق هذا المبلغ الضخم؟ وهل في إمكان ذلك أن يمنع بصورة محكمة تهديداً مباشراً على المستوطنات المحاذية للسياج؟ أشك في ذلك. وهل قصف هذه المستوطنات في الشمال أو في الجنوب، تهديد وجودي أو استراتيجي؟ الجواب عن ذلك هو: كلا. إن حلاً منهجياً صحيحاً لتهديد المستوطنات القريبة من السياج هو مزيج من وجود عسكري مع إخلاء مدنيين منها عند بدء الاشتباكات العسكرية.
•إن التركيز على مشكلة الأنفاق الهجومية التي حركها من جديد تقرير المراقب، يسيء إلى مصالح حيوية لدولة إسرائيل. وهو يحوّل انتباه المسؤولين السياسيين والجمهور عن التهديدات الاستراتيجية الحقيقية والأكثر خطورة، ويمكن أن يشكل وهماً خطراً بأن الحل التقني لمشكلة الأنفاق سيحل مشكلة غزة، التي ستبقى معنا كقنبلة موقوتة استراتيجية خطرة فعلاً. علاوة على ذلك، فإن استمرار الهستيريا بشأن مشكلة الأنفاق التي تشكل بالتأكيد تحدياً مباشراً لسكان "غلاف غزة"، يكشف ضعف الجمهور الإسرائيلي ويشجع العدو على المبادرة إلى شن هجمات موجهة ضد قلب العمق المدني.
•لذا ألخص: أنا مع التعاطي الجدي والمتوازن مع خطر الأنفاق، وضد تصويرها كتهديد استراتيجي أو وجودي. علاوة على ذلك، يجب أن نتذكر وأن نذكّر بعدم وجود درع مادي يوفر دفاعاً محكماً للمدنيين في مواجهة عدو مصمم، ولذا يجب أن نضيف إلى الدفاع المادي من كل الأنواع استثمارات في مجال تطوير المناعة الاجتماعية، بحيث يتعلم مواطنو إسرائيل كيف يستعيدون قوتهم ويعودون إلى أداء منتظم شامل بعد تعرضهم لضربة محتملة.