•المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس دونالد ترامب مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو جرى قبل اجتماع الرجلين، ولم يكن هذا مصادفة، فهما لم يريدا عقد المؤتمر في بث مباشر بعد الاجتماع كي لا يكشفا الاختلافات في الآراء في حال ظهورها خلال محادثتهما. لذلك كررا مواقفهما المعروفة، وكانا غامضين بما فيه الكفاية كي لا يغضب أحدهما الآخر، وكي لا يغضبا جمهوريهما.
•لكن على الرغـم من ذلك فقـد حدث ما هو جديـد في المؤتمر الصحافـي. أولاً، الجو - منذ وقت طويل لم نر مثل هذا العرض للمحبة المتبادلة والتملق المتبادل، بما في ذلك اللفتة الطيبة التي قام بها ترامب تجاه سارة نتنياهو، وهو المعروف بعلاقاته الإشكالية مع النساء. الجديد الثاني أن ترامب لم يعبر عن التزامه بأمرين كانا مقدسين بالنسبة للرئيس أوباما وطاقمه: قال إن حل الدولتين لشعبين ليس مقدساً وليس الوصفة الوحيدة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما أنه لم يكرر صيغة "على قاعدة حدود 1967".
•لم يرفض ترامب الأمرين، لكن يمكن أن نفهم من ناحيتنا أنه يريد "صفقة"، وكل صفقة يوافق عليها الطرفان ويقدمان تنازلات لبعضهما بعضاً من أجل إبرامها فهي مقبولة منه. بكلام آخر، دعوني من تفاصيل أنا غير متضلع فيها، اجلسوا وتحدثوا مع بعضكما وتوصلوا إلى صفقة.
•الاتجاه الوحيد الذي أشار إليه ترامب بوضوح كان رغبته في أن يجري السلام بين إسرائيل والفلسطينيين ضمن إطار إقليمي. ويخيل إليّ أن هذا لا يعتبر بشرى جيدة للمستوطنين لأن إطاراً إقليمياً معناه تسوية النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني وفق خطة السعودية للسلام العائدة إلى سنة 2002. لقد تضمنت هذه الخطة الكثير من الألغام. لذلك أراد جميع رؤساء الحكومات الإسرائيلية من أريئيل شارون مروراً بأولمرت وصولاً إلى نتنياهو، إدخال تغييرات عليها. بالنسبة لنتنياهو سيكون من الصعب عليه جداً أن يقول "لا" للسعوديين، وسيكون من الصعب جداً على السعوديين رفض المطالب الفلسطينية. من هنا، فالإطار الإقليمي ليس فعلاً ما يتمناه أعضاء الليكود والبيت اليهودي.
•لقد كان ترامب قريباً جداً من القول بأن الولايات المتحدة ستمنع حصول إيران على سلاح نووي، وكانت هذه النقطة الأكثر وضوحاً التي كان فيها الرئيس الأميركي حازماً. لكن على الرغم من ذلك، فإن ترامب امتنع عن الحديث عن الخيارات المطروحة على الطاولة، أي امتنع عن الإشارة إلى الخيار العسكري كما فعل الرئيس باراك أوباما. ويشير ذلك مرة أخرى إلى أن ترامب يرغب قول أشياء ترضي جمهور ناخبي نتنياهو من دون التعهد بشيء ملموس، بينما كان أوباما أكثر تفصيلاً وملموساً أكثر.
•لم يفاجئنا نتنياهو، فهو أكثر خبرة بكثير من ترامب في مثل هذه الحالات، لذا استطاع التهرب بذكاء من الرد على سؤال حول حل الدولتين، وانتقل إلى إيران وإلى مجاملة الرئيس ترامب - فالمهم كان أن يمر المؤتمر الصحافي بسلام. لقد نجح رئيس الحكومة بعدم ذكر مصطلح حل الدولتين، لا إيجاباً ولا سلباً. لكنه كرر الشرطين المطلوبين في أي اتفاق مع الفلسطينيين: الاعتراف بدولة يهودية وأن يكون الأمن بين نهر الأردن والبحر في يد إسرائيل.
•لقد سبق أن تحدث نتنياهو عن ذلك في جلسة الحكومة يوم الأحد وعدة مرات قبل ذلك. ترامب قال إنه يريد أن يرى مرونة من الطرفين، إلا إنه لم يشر إلى ما هو مطلوب من إسرائيل. "بي بي يعرف ما هي المرونة"، قال الرجل الذي لا تهمه التفاصيل. أما بالنسبة للفلسطينيين فقد كان لترامب كلام حاد موجه إليهم، فهو قال: يجب عليهم وقف تعليم أولادهم الكراهية. وهذا ليس جديداً، فأوباما وكيري قالا ذلك، ولكن يبدو أن هذا هو الأمر الوحيد الذي يتذكره الرئيس الحالي للولايات المتحدة عن النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني.
•في الخلاصة يجب أن ننتظر لنرى. هذا ما قاله ترامب تحديداً بشأن نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. ويجب علينا نحن أيضاً أن نتحلى بالصبر وننتظر لنرى ماذا حدث في الاجتماع نفسه.