من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•التفاؤل الذي تدفق بالأمس من فم الرئيس ترامب بشأن إمكانية التوصل إلى صفقة سلام أكبر بكثير من اتفاق سلام "صغير" مع الفلسطينيين، بدا كأنه يعبر عن تمنيات نتنياهو أكثر مما يعبر عن خطة قابلة للتحقق. السؤال الذي يطرح نفسه: هل ينوي ترامب إحياء المبادرة العربية العائدة إلى سنة 2002، وتبني صيغة "مناطق - كل المناطق - مقابل سلام شامل مع الدول العربية"؟ لأن ما يبدو في هذه اللحظة هو أن هذا الاقتراح هو الاقتراح الواقعي الوحيد الذي يضمن تحقيق حلم الرئيس الأميركي. لا نعلم ما إذا كان ترامب يعرف جميع شروط المبادرة العربية التي تشمل شرطاً أساسياً واحداً، انسحاباً إسرائيلياً يسبق التطبيع مع الدول العربية.
•بالتأكيد، في الإمكان إجراء مفاوضات على الانسحاب، لكن هذه المفاوضات يجب أن تجري بين إسرائيل والفلسطينيين، وبالشروط التي تحددها إسرائيل حالياً. وهي شروط رفضها الفلسطينيون حتى الآن، ومن بينها الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وبالسيطرة الإسرائيلية المطلقة على الأمن في المناطق. إن الصفقة التي يعلل النفس بها ترامب ونتنياهو ربما هي موجهة لسلام "من الخارج إلى الداخل"، أي خطوات بناء للثقة بين إسرائيل ودول عربية معينة كمرحلة تحضير للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين. لكن حتى مثل هذه الخطة تتطلب الالتزام بمقابل حقيقي للفلسطينيين، أو على الأقل بتقديم تعهد إسرائيلي رسمي بالاستعداد للانسحاب من مناطق والسماح بقيام دولة فلسطينية. وفي هذه النقطة سوف تطوى صفحة هذا الخيار أيضاً. لقد تمسك نتنياهو بموقف مفاده أنه لن تكون هناك شروط مسبقة لأي مفاوضات، ومن هنا فإن الإغراء بإنشاء علاقات مع دول عربية، إذا ما طالب نتنياهو بذلك، سيبدو شرطاً مسبقاً. هذا قبل أن تبدأ القوى السياسية الداخلية في إسرائيل هجومها.
•عندما يتحدث نتنياهو وترامب عن صفقة شاملة، فإنهما يقصدان بالأساس "الدول السنية المؤيدة للغرب" ومن بينها السعودية، وقطر، واتحاد الإمارات العربية، والبحرين، وعُمان وربما حتى تونس. توجد مع بعض هذه الدول اتصالات طارئة، وهناك أحياناً تبادل معلومات وتنسيق. لكن المسافة التي تفصل بين هذه الاحتكاكات واتفاق رسمي مسافة كبيرة. وحتى بالنسبة للدول التي لإسرائيل علاقات دبلوماسية كاملة معها مثل مصر والأردن، ليس هناك تطبيع للعلاقات بسبب النزاع مع الفلسطينيين، فكيف بالأحرى مع دول يوجد فيها معارضة شعبية عميقة لعلاقات سلام مع إسرائيل، وهي معارضة تستند في أساسها إلى السعي إلى إعطاء الفلسطينيين حقوقهم الوطنية السياسية وطرد الاحتلال اليهودي من مناطق عربية. وهذه حجة أيديولوجية وليست إرادة إلهية، يمكن في ظروف ملائمة أن تصبح أكثر مرونة مقابل إنجاز يعتبره الفلسطينيون مناسباً. لكن مثل هذه الظروف غير موجودة حالياً وإسرائيل غير مستعدة للبحث في تقديم مقابل للفلسطينيين.
•بخلاف مصر والأردن، فإن دول الخليج لا تعتمد في معيشتها على الولايات المتحدة ومساعدة أميركية، والعكس هو الصحيح. في المقابل، فإن هذه الدول تحتاج إلى حماية الولايات المتحدة من عدوتها - إيران. ولكن حتى هنا يوجد فارق بين السعودية التي تتصارع مع إيران على النفوذ في المنطقة، وقطر والكويت واتحاد الإمارات التي تقيم علاقات طبيعية وعلاقات تجارية قوية مع إيران. وبالتالي، على سبيل المثال، إذا اقترح ترامب صفقة تقضي بممارسة المزيد من الضغوط على إيران مقابل الدفع قدماً بالعلاقات مع إسرائيل، فإن أغلبية هذه الدول لن تجد في هذا الاقتراح إغراء فعلياً.
•لا يشكل السلام مع إسرائيل بالنسبة إلى هذه الدول بديلاً عن سياستهم حيال إيران، أو حتى وسيلة دفاع إضافية ضدها، وهو لا يحمل تعويضاً اقتصادياً (المنتجات التكنولوجية الإسرائيلية يجري شراؤها حالياً بطرق غير مباشرة)، كما أنه يفتقر إلى منطق استراتيجي بالنسبة إليهم، لأن إسرائيل لا تشكل خطراً عليهم. هل يمكن أن تقبل هذه الدول بأن تخطو نحو مسار سياسي تجاه إسرائيل فقط إرضاء لترامب؟ نظرياً هذه الإمكانية موجودة، فعلى سبيل المثال، غيّرت تركيا موقفها حيال الأسد كي تتصالح مع روسيا بعد أن فرضت هذه الأخيرة على تركيا عقوبات قاسية في أعقاب إسقاط الطائرة الروسية. لكن العلاقات بين دول الخليج والولايات المتحدة ليست كذلك. وثمة شك في أنه توجد أو يمكن أن توجد صفقة أميركية شاملة يستطيع أن يقترحها ترامب على الدول العربية، من دون أن يطلب من إسرائيل أن تدفع الثمن الكامل.
•هناك فرضية عمل أخرى مفادها أنه يكفي أن تقتنع السعودية بالمجيء إلى أي نوع من المفاوضات مع إسرائيل من أجل نشوء مفعول دومينو سيجرّ وراءه سائر دول الخليج، وربما تجرّ دولاً عربية أخرى مثل السودان أو دولاً إسلامية مثل باكستان، حيث تتمتع السعودية بنفوذ قوي. لكن "قوة الجذب" لدى السعودية ليست كبيرة، فهي لم تنجح في إنشاء ائتلاف عربي ناجع للتدخل العسكري في سورية، كما لم تنجح في طرد إيران من العراق، ولا حتى من لبنان.
•والأهم من كل ذلك أنه سيكون صعباً، وبل حتى مستحيلاً، إقناع الجمهور الإسرائيلي بأنه في مقابل السلام مع باكستان يجب التنازل عن عوفرا وعن أريئيل. وثمة شك كبير في أن السلام مع السعودية فقط سيؤمّن تعاون اليمين في إسرائيل. وما الذي سيدفع السعودية إلى التخلي عن المبادرة التي طرحتها والانفصال عن شركائها فيها والتخلي عن الشروط التي تضمنتها والمجيء إلى القدس؟ وهل تملك السعودية رصيداً استراتيجياً يمكنه أن يؤثر في عملية سلام هي التي طرحتها وتستمد قوتها من طابعها الجماعي؟ حتى الآن ساعدت المبادرة جيداً السعودية والدول التي وقعتها ومنحتها موقع الدول المناصرة للسلام في مواجهة إسرائيل. وتفكيك المبادرة هو بمثابة تخلّ عن هذا الرصيد من دون شروط.
•يمكن أن نغفر لترامب أحلامه. لكن نتنياهو غير قادر على الاستفادة من هذه النعمة. هو يعلم جيداً أن بضاعة سلام إقليمي ليس لها من يشتريها في المنطقة. وهي نوع من البضاعة التي يجب أن تدفع مقابلها حتى تستطيع تسويقها.