•من المحتمل جداً وجود صلة بين إطلاق الصواريخ على إيلات بالأمس والهجوم الذي نسبته حركة "حماس" للجيش الإسرائيلي وجاء بعد ساعتين من ذلك على حدود غزة- سيناء. المؤسسة الأمنية الإسرائيلية كذّبت أن يكون سلاح الجو الإسرائيلي هاجم الليلة نفقاً يربط سيناء وقطاع غزة كما تدعي "حماس"، لكن هناك حقيقة هي مقتل عنصرين من الحركة وجرح آخرين هذه الليلة في النفق ربما في حادثة أو بسبب شيء آخر.
•إن وقوع هذين الحادثين الأمنيين الاستثنائيين في وقت قريب جداً الواحد تلو الآخر، ومعرفة علاقات الدعم المتبادل الموجودة في الفترة الأخيرة بين التنظيمات الغزاوية والتنظيمات السلفية التي تنشط باسم داعش في سيناء، يبرران التقدير الحذر بوجود علاقة بين حادثة إيلات وما حدث في الأيام الأخيرة في قطاع غزة.
•لقد وقع إطلاق الصواريخ على إيلات أمس قبل منتصف الليل بوقت قصير، وعلى ما يبدو أطلقت أربعة صواريخ "غراد" (كاتيوشا من عيار 122 مليمتراً) من عمق منطقة سيناء في اتجاه إيلات، الإطلاق كان احترافياً ودقيقاً، الصواريخ التي هي ليست دقيقة بصفة خاصة، أطلقت من عمق سيناء من بعد عشرات الكيلومترات من إيلات. وعلى الرغم من ذلك، فإن ثلاثة منها كان يمكن أن تنفجر داخل مناطق سكنية. نعرف ذلك لأن "القبة الحديدية" المنصوبة للدفاع عن المدينة اعترضتها. ولم تطلق "القبة الحديدية" صاروخاً اعتراضياً على الصاروخ الرابع لأنه على ما يبدو لم يكن سيقع في منطقة سكنية.
•من شبه المؤكد أن التنظيم الذي قام بإطلاق الصواريخ على إيلات هو "أنصار بيت المقدس" الذي ينشط في سيناء تحت لواء داعش منذ عدة سنوات. وهذا التنظيم الإسلامي- السلفي المتطرف الذي يطلق على نفسه "ولاية سيناء في داعش" يملك منظومات سلاح متطورة نسبياً وعناصره مدربون على إطلاق الصواريخ من جميع الأنواع، وقد راكموا خبرة ووسائل قتالية متطورة بتمويل من داعش خلال سنوات من الاشتباكات مع الجيش المصري حققوا فيها نسبة نجاح كبيرة. في وقت لاحق أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن إطلاق الصواريخ على إيلات.
•من المعروف أنه كانت هناك في الماضي علاقات وثيقة لهذا التنظيم مع "حماس" ومع الجهاد الإسلامي الفلسطيني ومع تنظيمات سلفية في قطاع غزة. وكان تنظيم "أنصار بيت المقدس" يرسل بغطاء من "حماس" جرحاه إلى مستشفيات القطاع، ودربت "حماس" السلفيين من سيناء وفتحت لهم بمساعدة "ولاية سيناء" مصنعاً لإنتاج صواريخ وعبوات ناسفة. وتجري حركة التنقل من القطاع وإليه عبر أنفاق موجودة على حدود القطاع وشبه جزيرة سيناء في منطقة رفح.
•بين "حماس" والسلفيين في سيناء خلاف أيديولوجي- ديني- سياسي كبير. وتلاحق "حماس" السلفيين الفلسطينيين في القطاع حيث يتحدون سلطتها، لكن المصالح الوجودية "لولاية سيناء" التابعة لداعش والذراع العسكرية لـ"حماس" والاعتماد المتبادل بينهما تغلبا على الاختلافات. لقد اتهم نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي طوال الوقت "حماس" بالتعاون مع أعدائه - "الإخوان المسلمون" في مصر- وأيضاً مع داعش في سيناء؛ ولهذا السبب دمر المصريون بصورة منهجية الأنفاق التي ربطت بين سيناء والقطاع وأغلقوا معبر رفح، ولم يعد في استطاعة سكان غزة الخروج أو الدخول إلا من طريق إسرائيل. وهذا هو السبب الذي دفع المستوى السياسي في "حماس" في الفترة الأخيرة إلى بذل جهود كبيرة من أجل تحسين العلاقات مع المصريين. وفي الأسبوع الماضي انتهت في القاهرة سلسلة لقاءات مصالحة وافق في نهايتها المصريون على فتح معبر رفح.
•لكن لدى قائدا الذراع العسكرية في "حماس" يحيى السنوار ومحمد ضيف أجندة مستقلة لا تتطابق دائماً مع أجندة الذراع السياسية (اسماعيل هنية وموسى أبو مرزوق) وهم أيضاً لا يطلبون موافقتهم. لقد دمر القصف الجوي والبري للجيش الإسرائيلي الذي كان عنيفاً بصورة استثنائية منشآت عديدة للذراع العسكرية على حدود القطاع وفي عمقه. وكانت هناك رغبة في إسرائيل لأن توضح لـ"حماس" أنها لن تقبل لا الآن ولا في المستقبل بقصف بلداتها، حتى لو طال القصف مناطق مفتوحة، وحتى لو قامت به مجموعات سلفية متطرفة تريد تحدي "حماس" وتوريطها. ويمكن الافتراض أنه بعد الضربات التي وجهها الجيش الإسرائيلي أراد قادة "عز الدين القسام" الانتقام.
•من الواضح في هذه الأيام أن الذراع العسكرية لـ"حماس" لا ترغب في التورط في مواجهة واسعة مع إسرائيل - مواجهة لا يرغب فيها المصريون أيضاً. ومن هنا فإن لـ"حماس" النضالية مصلحة بأن ينتقم لها آخرون، وإذا كان ممكناً ليس من أراضي القطاع. وإحدى الوسائل المتاحة لضيف والسنوار هي التوجه إلى عناصر داعش في سيناء والطلب منهم تقديم "خدمة" وفاء لذكرى الأيام الماضية أو تلك الآتية.
•من المحتمل جداً أن هذا ما جرى وهكذا حدث إطلاق الصواريخ من سيناء على إيلات. لم يُطلق "أنصار بيت المقدس" صواريخ منذ أكثر من عامين، منذ عملية "الجرف الصامد"، في اتجاه إسرائيل. ليس لأنهم لا يرغبون في ذلك، فالعكس هو الصحيح، وقد نشر عناصر "إقليم سيناء" أكثر من مرة مقاطع فيديو هددونا فيها من بين أمور أخرى بإطلاق صواريخ، لكنهم لم ينفذوا تهديداتهم بسبب انشغالهم بالقتال ضد المصريين وعدم رغبتهم في فتح جبهة إضافية مع إسرائيل. يوجد بين إسرائيل ومصر تعاون استخباراتي، ويعلم داعش بذلك ومن مصلحته أيضاً ضربنا، لذا يمكن التقدير أنه عندما توجهت "حماس" إلى "الإخوة في سيناء"، "أنصار بيت المقدس"، لم يرفض هؤلاء طلبها، فالمصلحة المشتركة تشكل دافعاً قوياً.
•لقد كانت إيلات هي الهدف. لقد أراد طرف ما في غزة وعلى ما يبدو في سيناء أيضاً الترهيب والتسبب بضرر للسياحة في إيلات، لكنه في الوقت عينه أراد التحرك بصورة مدروسة بحيث لا يتسبب ذلك بتصعيد كبير في الجبهة الجنوبية. ومن يدري؟، ربما الجيش الإسرائيلي أيضاً يتصرف وفق أسلوب عمل مشابه.