•لا بُدّ من القول إن "قانون التسوية" [قانون شرعنة البؤر الاستيطانية العشوائية التي أقيمت على أراض فلسطينية خاصة في الضفة الغربية]، الذي صادق عليه الكنيست الإسرائيلي بالقراءتين الثانية والثالثة أول من أمس (الاثنين)، لا يلغي حقيقة أن هناك تلعثماً في كل ما يتعلق برؤية إسرائيل حيال مستقبل يهودا والسامرة [الضفة الغربية].
•وهذا التلعثم ينطبق حتى على أداء الحكومة الإسرائيلية الحالية [اليمينية]. فقبل أسبوعين وفي مستهل جلسة الحكومة الإسرائيلية، تحدث رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عن استعداده للموافقة على منح دولة صافية للفلسطينيين. وباستثناء جدل قصير مع الوزير أوفير أكونيس [الليكود] الذي أعرب عن احتجاج إعلامي على مصطلح دولة، لم يبد أحد في إسرائيل اهتمامه بما يعني هذا. وقد عارض أكونيس ذلك واختفى، في حين التزم نتنياهو الصمت ولم يدل بمزيد من التفاصيل.
•ثمة فرضية لدى معظم الإسرائيليين تقول إن نتنياهو يكون في المعتاد غامضاً حين يتحدث عن النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. وفي معسكر اليمين يعتقدون أنه يكذب كي يخدع الغوييم [الأغيار]. أمّا في معسكر اليسار فهم مقتنعون بأنه لا يقصد ما يقول حقاً. وفي مقابل الإسرائيليين، أخذ الصحافيون الأجانب كلمات نتنياهو عن دولة للفلسطينيين شوطاً أبعد بكثير. وفي ساعات مساء ذلك اليوم، تلقيت رسالتين نصيتين من صحافيين أميركيين طلبا الحديث معي حول ما أسمياه "رؤيا جديدة للشرق الأوسط". وكان لديهما الكثير من الأسئلة ولم يكن لدي سوى القليل من الإجابات. شرحت لهما أن دولة إسرائيل تعزّز السلطة الفلسطينية برغم تصريحاتها ضدنا، فنحن ننقل لها المال ونصون البنى التحتية في المناطق [المحتلة]. وأشرت إلى أن مساحة الأرض الفلسطينية التي لا يوجد فيها [مستوطن] يهودي واحد تبلغ نسبة 40% من أراضي يهودا والسامرة. كما شرحت الأسباب التي تستلزم أن تكون الكتل الاستيطانية الكبرى ومنطقة غور الأردن خارج لعبة المفاوضات في أي سيناريو محتمل للتسوية. وفي النهاية ادعيت أنه إذا كان نتنياهو قصد شيئاً بأقواله عن منح دولة صافية للفلسطينيين، فإنه موجود في مكان ما في مدى الواقع القائم على الأرض، وليس في مدى الرؤية التي أعرب عنها من خلال خطاب بار إيلان [سنة 2009]. وفي واقع الأمر التجأت إلى كل ذلك كي أقول بكلمات مهذبة ومريحة أكثر إنني لا أعرف شيئاً.
•وفعلاً أنا لا أعرف شيئاً. فنتنياهو يعارض "قانون التسوية" وبرغم ذلك تحدث لصالحه. ووزير الدفاع أفيغدور ليبرمان [رئيس "إسرائيل بيتنا"] يعارض هذا القانون لكنه صرح منذ البداية بأنه سيصوت بالموافقة. والمستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت أعلن أنه قانون غير دستوري ولن يجتاز المحكمة الإسرائيلية العليا، ومع ذلك ظل القانون مُدرجاً في جدول الأعمال.
•لماذا يحدث هذا كله؟ برأيي يحدث هذا بسبب أنه في العقد الأخير لم تبادر الحكومة إلى إجراء حتى ولو نقاش واحد بشأن موضوع مستقبل مناطق يهودا والسامرة. ومعروف أن إسرائيل هي التي لم تقرر فرض القانون الإسرائيلي في هذه المناطق، وهي التي تبث رسالة غير ناضجة بالنسبة لهذه المناطق، وتحاول الآن أن تضع ضمادة في شكل "قانون التسوية" على جراح نازفة. وسيُصاب المرء منّا بالدهشة حين يحاول احتساب كمية الزمن التي جرى تكريسها لبؤرة استيطانية صغيرة مثل "عمونه" أو 9 منازل في مستوطنة "عوفرا" وامتدت على عشرات الساعات والمداولات، ومع ذلك لم تعقد الحكومة ولا عقد المجلس الوزاري المصغّر جلسة واحدة ليقرّر أحدهما ما هو هدف إسرائيل بالنسبة ليهودا والسامرة.
•أذكر أنه في تسعينيات القرن العشرين الفائت قام مستوطنو "أريئيل" بتجنيد مستوطني السامرة [منطقة نابلس] كي يجبروا وسائل الإعلام على شمل هذه المستوطنة ضمن توقعات نشرة الأحوال الجوية. وكان الهدف من وراء ذلك هو أن تُرى منطقة السامرة في تلك النشرة وأن يلفظ المذيع بصوته كلمة "أريئيل". كان هذا بمثابة صراع كي يشعر المستوطنون بأن وضعهم طبيعي وبأنهم جزء من الجميع. مرت أيام ووقائع كثيرة منذ ذلك الوقت. وتقدير المخاطر من طرف اليمين تسبّب بهزيمة حلم السلام المثالي من طرف اليسار. وأثبت العرب كل الادعاءات التي قيلت عنهم، ومع ذلك لم يتم تطبيع المستوطنات في المناطق [المحتلة]. والأمر الأكيد أن "قانون التسوية" لن يؤدي إلى مثل هذا التطبيع حتى لو وفر حلاً لمشكلة 100 منزل.