في القضية الإسرائيلية - الفلسطينية ترامب استبدل الكلام المتبجح بالدبلوماسية الحذرة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•بالأمس، بعد ساعة من التقرير اليومي أمام المراسلين في البيت الأبيض، وبعد أن اتضح أن الرئيس لن يأتي، سألت إحدى الصحافيات في الغرفة عن موقف إدارة ترامب حيال قرار الحكومة الإسرائيلية الدفع قدماً بتخطيط وبناء نحو 2500 وحدة سكنية في المستوطنات. وبخلاف الأوهام التي أطلقها المستوطنون في الأسابيع الأخيرة، فإن الناطق بلسان البيت الأبيض شون سبايسر لم يثن على إعلان البناء في المستوطنات، ولم يدنه. والأهم من ذلك كله يبدو أن السؤال أزعجه، فقد قال: "قريباً سيكون هناك لقاء بين الرئيس [ترامب] ورئيس الحكومة نتنياهو وهو سيبحث معه القضية".

•بعد مرور أيام قليلة على دخول ترامب إلى البيت الأبيض، يبرز بوضوح الانطباع بأن القضية الإسرائيلية - الفلسطينية يعتبرها الرئيس ورجاله من بين القضايا الأكثر حساسية المطروحة على الطاولة. ففي التقريرين اللذين عرضهما سبايسر في البيت الأبيض منذ تنصيب ترامب، سئل 6 مرات عن قضايا تتعلق بعملية السلام الإسرائيلية - الفلسطينية. وفي كل تلك المرات أعطى الناطق بلسان البيت الأبيض إجابات مختصرة وبذل كل ما في وسعه للانتقال إلى الموضوع التالي. وتحول الكلام المتبجح في الحملة الانتخابية عن نقل السفارة إلى القدس أو عن دعم البناء في المستوطنات إلى تصريحات حذرة ودبلوماسية.

•برز التطرق المدروس إلى الموضوع الإسرائيلي - الفلسطيني كثيراً في جلسات الاستماع التي جرت مع وزير الخارجية الجديد ريكس تيلرسون، ومع وزير الدفاع الجديد جيمس ماتيس، والسفيرة المقبلة في الأمم المتحدة نيكي هيلي. وبخلاف الرسائل التي سمعناها خلال الحملة، لم يتحدث أحد منهم كما يتحدث مقترعو حزب البيت اليهودي وحتى الليكود. فقد قال ماتيس إن السياسة التي يعرفها هي أن تل أبيب عاصمة إسرائيل، بينما اكتفى تيلرسون بموقف ضعيف قائلاً إن قرار الأمم المتحدة 2334 "غير مفيد"، بينما تبنت هيلي حل الدولتين وأشارت إلى أنها تؤيد سياسة الحزبين [الديمقراطي والجمهوري] التي تعود إلى سنوات طويلة والتي تعارض البناء في المستوطنات.

•هذا لا يعني أنه لم يحدث تغيير في البيت الأبيض في ما يتعلق بالمستوطنات وبالموضوع الإسرائيلي - الفلسطيني. مع أوباما، قرار بناء 2500 وحدة سكنية في المستوطنات، لو تجرأ نتنياهو على اتخاذه، لكان أدى إلى إدانات علنية حادة جداً وربما إلى أكثر من ذلك. في عهد ترامب لا يعتقد البيت الأبيض أن المستوطنات غير قانونية ويفضل درس الموضوع عبر القنوات الخاصة. ومما لا شك فيه أن هامش المناورة المتاح لـنتنياهو في واشنطن بشأن الموضوع الفلسطيني قد توسع، لكنه ما يزال بعيداً عما كان يحلم به أعضاء لوبي المستوطنين في القدس. وكنقطة انطلاق، ليس من الأكيد أن أحلام الضم أحلام عملية. على الأقل ليس في هذه المرحلة. 

•في ديوان رئيس الحكومة رفضوا بالأمس الرد على السؤال ما إذا كان نتنياهو أبلغ ترامب مسبقاً قرار الموافقة على مثل هذا البناء الكثيف في المستوطنات. وقبل يوم فقط من هذا، شدد نتنياهو في جلسة لكتلة الليكود أمام أعضاء الكنيست على أن أي غلطة في التصرف مع إدارة ترامب الجديدة يمكن أن تتسبب لإسرائيل بضرر سياسي. وهو تحدث عن علاقة الثقة التي له مع ترامب وحذر مما وصفه "بمواقف مرتجلة" يمكن أن تحرف شبكة العلاقات هذه نحو اتجاهات سلبية.

•بعد هذه التصريحات من الصعب أن نصدق أن نتنياهو فاجأ الرئيس الأميركي. يمكن افتراض أنه شرح لترامب في الحديث الهاتفي بينهما يوم الأحد، الوضع السياسي في ضوء الضغوط من اليمين وطلب سلفة، وحصل عليها هذه المرة. لكن السلفة ليست أمراً غير محدود. لقد وضع ترامب عملية السلام في مكان عال جداً  في سلم الأولويات بخلاف ما يعتقد الناس. وليس من قبيل الصدفة تعيينه صهره صاحب النفوذ الكبير جيرارد كوشنر ومستشاره الأقرب جيمس غرينبليت لمعالجة الموضوع. بعد أقل من أسبوعين، عندما يصل نتنياهو إلى البيت الأبيض سينتظر ترامب أن يسمع منه كيف وماذا ينوي فعله للمساعدة في إغلاق ما يسميه "أم كل الصفقات"، من أجل إنهاء ما يعتبره "الحرب التي لا تنتهي" بين إسرائيل والفلسطينيين.