الميزان الاستراتيجي العام لأمن إسرائيل القومي في الحلبتين الإقليمية والدولية مشجع جداً
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

– الموقع الإلكتروني
المؤلف

•منذ انهيار الاتحاد السوفياتي قبل ما يزيد عن رُبع قرن، لم تطرأ تغيرات جدية في البيئة الاستراتيجية المحيطة بإسرائيل من شأنها التأثير على المقومات الأساسية لأمنها القومي. ويرتبط منحى التأثيرات المحتملة لهذه التغيرات -سلباً وإيجاباً - إلى حد كبير، بالطريقة التي تختارها إسرائيل لمواجهة هذه التغيرات والتعامل معها. 

•إن التحدي الماثل أمام القيادة القومية صعب ومعقد، لأن هذه المواجهة تجري في ظروف استثنائية من الغموض والالتباس. وتزداد هذه الظروف صعوبة، بشكل خاص، على خلفية تضافر استثنائي لاضطرابات وتقلبات في الحلبتين الإقليمية والدولية لم نشهد لها مثيلاً منذ منتصف القرن الفائت. وفي المقابل يتكرس في الحلبة الإسرائيلية الداخلية ويتمأسس تحول سياسي واجتماعي يؤثر بصورة عميقة، في الطريقة التي تعتمدها القيادة القومية في مواجهة التحديات على الساحتين الإقليمية والدولية. 

الحلبة الشرق أوسطية

•اتضح منذ بداية العقد الحالي أن الهزة التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط تقود إلى طريق مسدود. فهذه الهزّة ليس فقط لم تشكل مدخلاً لمعالجة الإخفاقات البنيوية في العالم العربي فحسب، بل تبيّن أيضاً أن هذه الإخفاقات لا تقتصر على الأنظمة العربية فحسب، وإنما تعكس أيضاً فشل التيار المركزي في المجتمع العربي في مواجهة تحديات القرن الـ21 (بل والقرن الـ 20 أيضاً بمعان كثيرة). ولا تشمل هذه الإخفاقات الأطر السياسية التي انهارت أو تلك التي تواجه خطر الانهيار فقط، بل أيضاً تلك التي أصبحت تدرك أن الخطر محدق بها على نحو يلغي أي إمكانية لإجراء إصلاحات عميقة قد تؤهلها لمواجهة الواقع المستجد. 

•ويشكل هذا المأزق في الاقتصاد والمجتمع تهديداً جدياً حتى على الدولة العربية الأكبر والأكثر أهمية واستقراراً التي تقوم منذ آلاف السنين على ضفاف النيل. وفي ظل هذا المأزق، تتنامى في المنطقة قوى راديكالية، عربية وغير عربية، تدمج ما بين عدم الرضى عن الوضع القائم، ورفض الانفتاح على العالم الحديث، وهلوسات العظمة والهيمنة. واستولت مثل هذه القوى على الحكم في الدولتين العظميين غير العربيتين في المنطقة ـ في إيران قبل نحو 40 عاماً وفي تركيا قبل عقد ونصف العقد. وأخيراً ظهر عامل غير دولتيّ لا يحاول حتى التمظهر بمظهر حديث، ويستند إلى أسس قبلية وولاءات بدائية في سعيه إلى فرض طهرانية إسلاموية، بوحشية استثنائية. وأصبح واضحاً اليوم أن الحديث لا يجري عن أزمة عابرة، بل عن سمة بنيوية يُتوقع أن تصمم مستقبل المنطقة في المستقبل المنظور، برغم الاستثناءات المحتملة في هوامشه. 

•ويعني هذا التطور بالنسبة لإسرائيل، نشوء الحاجة إلى التعامل في المدى المنظور، مع بيئة إقليمية تمتاز بعدم الاستقرار المزمن والعنف المبالغ فيه، والإحباط العميق، والغيرة المرّة في المحيط الذي يشعر بالإحباط من قصة النجاح التي حققتها الدولة اليهودية. وأوهام التسعينيات بشأن "شرق أوسط جديد" يسعى إلى الدمقرطة والتسوية، تضطلع فيه إسرائيل بدور حاسم في تحقيق السلام الإقليمي من خلال اتفاق اختراقي مع منظمة التحرير الفلسطينية، أخلت مكانها على ضوء التجربة المريرة مع الفلسطينيين وانتكاسة "الربيع العربي"، لنظرة واقعية قاتمة. وما تزال هذه النظرة تتيح لإسرائيل إمكان تقوية نفسها وإحداث تحسين مهم في ميزان أمنها القومي ـ كما سنفصل لاحقاً ـ لكن التوقعات والأدوات الاستراتيجية اللازمة لضمان ذلك وتحقيقه مختلفة تماماً بصورة جذرية. 

الحلبة الدولية 

•نشهد في الحلبة الدولية خلال الفترة الأخيرة تحولاً مهماً في الميزان السياسي والثقافي في المجتمعات المنفتحة. فقد أدى تضافر بعض السيرورات الاقتصادية والاجتماعية إلى زعزعة ثقة الجمهور بالنخب السلطوية وغيرها، وإلى تآكل شرعية النظام السياسي وارتباك أدائه. والمقصود هنا أساساً ما تراكم من إسقاطات العولمة التي شجعت نقل خطوط إنتاج عديدة إلى دول تكلفة العمل فيها متدنية، مما أتاح توافد أعداد كبيرة من المهاجرين من ثقافات أخرى إلى الدول الغربية المتطورة. واستفاد من هذه السيرورات بوجه خاص وأساسي مثقفون وشبان نجحوا في الاندماج في تلك المجتمعات، وسكان المراكز المدينية الكبرى، ومبادرون مقتدرون أحسنوا استغلال هذه الفرص الجديدة. أما سكان الأطراف، وخصوصاً من المسنين الذين يفتقرون إلى المؤهلات الملائمة، فقد راقبوا، بخوف وقلق ضياع مكانتهم ومصادر رزقهم حيال التوافد المتزايد للمهاجرين، مما شكل خطراً على نمط حياتهم. وجاء احتجاجهم السياسي في صناديق الاقتراع ليس فقط ضد ضياع أملهم الاقتصادي وتعمق الفجوات بينهم وبين الناجحين الجدد وفساد النخب، وإنما أيضا ضد الأيديولوجية الكوسموبوليتية التي استهدفت المحافظة على الوجهات الجديدة وحمايتها وتعزيزها. 

•تفسر هذه الظاهرة إلى حد كبير، التحول السياسي الذي حصل في الولايات المتحدة، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتشدد أنجيلا ميركل في ألمانيا، وصعود اليمين في فرنسا وهولندا ودول أوروبية أخرى. فهي تفرض على القيادات السياسية إبداء تفهم لمشكلات ناخبيهم من خلال التشديد على الأهداف القومية على حساب الكوسموبوليتية والإنسانية. ومما يثير قلق فئات مسؤولة في أوساط "يسار ـ الوسط" و"يمين ـ الوسط" أن هذه الظاهرة لا تكتفي بإصلاح التشوهات المَرَضية في الليبرالية التي حادت عن مسارها، بل تشجع أيضاً أوساطاً مَرَضية في اليمين المتطرف وتسبغ عليه شرعية خطيرة. 

•ثمة منفعة لإسرائيل في فقدان نخب اليسار في الولايات المتحدة وأوروبا هيمنتها وثقتها بنفسها، غير أن صعود اليمين بمكوّناته المرضية، هو سيف ذو حدين. فقد قدّست هذه النخب أحياناً الحرب ضد المركّبات "الكولونيالية ـ الأبارتهايدية ـ الفاشية" التي أُلصقت بإسرائيل، والتي اصطبغت بألوان لاسامية في بعض الأحيان. 

•يتميز تعامل القيادة الإسرائيلية مع الواقع الإقليمي، باستثناء مكوّن مهم واحد، بالحنكة والمسؤولية. أمّا التحدي الجديد في الحلبة الدولية فهو آخذ في التمأسس في هذه الأيام. ونظراً إلى أن الرد الإسرائيلي في هذا المجال لم يتبلور بعد، فمن السابق لأوانه الحكم على نتائجه.  

الحلبة الإقليمية 

•تضررت إسرائيل في الحلبة الدولية من جراء المعطيات الأساسية السلبية، وتخاذل الولايات المتحدة وأوروبا، ومن جراء الأضرار التي أحدثتها الهزة الإقليمية. وقد شملت هذه تكريس وتمأسس المشروع النووي العسكري الإيراني تحت كنف الاتفاق مع الدول العظمى، وضياع فرصة تحقيق السلام مع الفلسطينيين، والفوضى في سورية، والدعم الروسي لنظام الأسد، وتسلح حزب الله المكثف بمنظومات متطورة، وإصرار "حماس" الانتحاري. وفي الحساب الاستراتيجي العام، ثمة تعويض عن هذه الأمور كلها بتضعضع وتفكك الدولتين الأكثر راديكالية في معاداة إسرائيل -  العراق وسورية - على نحو يزيل عن جدول الأعمال إلى فترة غير قصيرة، تهديداً تقليدياً ذا أبعاد وجودية. أما الخطر النووي الإيراني وبرغم خطورته البالغة، فأمام إسرائيل نحو عقد كامل من الزمن للاستعداد والتحضير بما يتيح إمكان مواجهة هذا التهديد بمعطيات أفضل بكثير. وحتى في حال تبدد الردع حيال "حماس" وحزب الله، فسيكون هذان التهديدان قابلين للاحتواء. 

•ولكن الأهم من هذا كله، بما لا يُقاس، هو التحسن البارز في مكانة إسرائيل الإقليمية والإدراك العميق لدى جميع الجهات المعنية وذات الأهمية مدى قوتها وصدقيتها وإصرارها. إن التحالف الاستراتيجي مع مصر بقيادة السيسي يعادل في أهميته، جميع الوجهات السلبية التي ورد ذكرها. فبالرغم من التوقعات القاتمة بشأن اقتصادها، ما تزال مصر هي الدولة العربية الأكثر أهمية واستقراراً والمركز الوحيد المؤهل لإنشاء قوة إقليمية منظمة ضد الراديكاليين الذين تقودهم إيران. كما أن العلاقات الحميمة مع الأردن، وتقاطع المصالح الواسعة مع العربية السعودية ودول الخليج الأخرى ومع المغرب، تعزز هذه الوجهة. 

•إن ما تم منعه أو تقليصه أو احتواؤه لا يقل أهمية عما تم إنجازه. ففي الشمال نجحت إسرائيل في تجنب التدخل في سورية، إلى جانب المحافظة على حدود هادئة في الجولان وتقليص عنيف وحاد وحازم، في نقل الأسلحة الكاسرة للتوازن إلى حزب الله. وفي الجنوب، أُجهضت محاولة "حماس" جرّ مصر، من خلال تجنيد الرأي العام العربي، إلى مواجهة مع إسرائيل، بل شكلت عملية "الجرف الصامد" [العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بين تموز/ يوليو وآب/ أغسطس 2014] نموذجاً جيداً للشراكة الاستراتيجية بين إسرائيل ومصر. وحتى [الرئيس التركي] رجب طيب أردوغان لجم أخيراً كراهيته وتهجماته ضد إسرائيل وتجنب المواجهة المباشرة معها بصورة منهجية. 

إضاعة الفرصة الإقليمية 

•إن إضاعة الفرصة الإقليمية من جانب إسرائيل تتعلق بالفلسطينيين. وليس المقصود هنا بشرى تحقيق السلام أو "حل الدولتين". فليست هناك قيادة فلسطينية معنية بهذا، لا في رام الله ولا في غزة بالتأكيد. إن أهمية القضية الفلسطينية ليست إقليمية شاملة. فالسلام أو الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين لم يؤثرا على أي مسألة ذات أهمية إقليمية جدية. مثلاً لم يؤثرا على المجازر في سورية، وعلى صمود مصر الاقتصادي، وعلى تسلح إيران النووي، وعلى الانقلاب المضاد في تركيا أو على ضياع الأمل الذي يدفع ملايين العرب إلى الرغبة في مغادرة بلدانهم. 

 

•في ظل غياب فرص تحقيق السلام أو الجيرة الحسنة، فإن لهذه القضية أهمية خاصة بالنسبة للدولة اليهودية والديمقراطية بمعنى واحد - الحاجة إلى الانفصال عن الفلسطينيين والتخلص من لعنتهم. لكن هذا لن يكون قابلاً للتحقق من دون إدارة أميركية صادقة ومخلصة، حتى لو كانت في إسرائيل حكومة حازمة وشجاعة تعي هذه الضرورة في العمق. وحتى بعد رحيل باراك أوباما، ثمة شك كبير في ما إذا كانت ستقوم حكومة كهذه، لكن الإمكانية واردة. ثمة ضرورة لإخلاء أحادي الجانب تدريجي للمستوطنات اليهودية في المنطقة الواقعة وراء الجدار الأمني، مع الإبقاء على حرية عمل الجيش الإسرائيلي في المنطقة بأكملها، إلى حين استبداله في يوم من الأيام بجيش عربي مسؤول وحازم - أردني أو مصري - يقمع الإرهاب ويمنع الفلسطينيين من العمل ضد إسرائيل.