بين بوتين ونتنياهو
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

•هناك من يقارن بين بنيامين نتنياهو وفلاديمير بوتين ويجد تشابهاً بين النظام في إسرائيل ونظام الرئيس الروسي. ربما يوجد تشابه بين الاثنين: فالرجلان سياسيان ناجحان، حققا الكثير من الإنجازات سواء في تحصين حكمهما أو في الدفع قدماً بمصالح دولتيهما، لكن في الحالين المقصود هو إنجازات تكتيكية تنطوي على فشل استراتيجي، غير أن الفارق بالنسبة لإسرائيل- بخلاف روسيا- هو أن الفشل الاستراتيجي يشكل خطراً وجودياً.

•من المحتمل أن استقرار حكم بوتين منذ عدة سنوات يثير حسد العديد من الحكام، وتثير إنجازاته الإعجاب، فهو الذي يقرر الآن من سيكون في قصر الرئاسة في دمشق، ويبدو أنه أثر أيضاً في تحديد هوية من سيدخل البيت الأبيض. منذ متى كان لحاكم روسيا مثل هذه القدرة؟

•لكن على الرغم من الإنجازات على المدى القصير والمتوسط، فإن فترة حكم بوتين هي بمثابة خسارة تاريخية هائلة لروسيا، فهو ضيّع الفرصة كي يحول روسيا دولة حديثة وقوية فعلاً، قبل كل شيء من خلال بناء اقتصاد عصري. ومثل هذا الاقتصاد لا يمكن التحكم به من الكرملين وتحدد السلطة من سيصبح غنياً. من المحتمل أن النظام الصيني مع بيروقراطيته المعروفة، ذكي بما فيه الكفاية كي يدمج لوقت طويل الديكتاتورية مع اقتصاد متطور ينتمي الى القرن الحادي والعشرين، حتى لو كان لهذا بالتأكيد ثمن. 

•إن البيروقراطية الروسية التي تتحكم بالمجتمع والاقتصاد، تفرض على روسيا عدم تحقيق إمكاناتها الضخمة.

•وحتى نتنياهو الذي نعرف عيوبه وبعضها بات أكثر خطورة في الفترة الأخيرة، حقق إنجازات مهمة، فشبكة علاقات إسرائيل الخارجية قوية من نواح عديدة أكثر من أي وقت مضى، وحتى مع أوروبا لدينا أعمال مزدهرة على الرغم من انتقاداتها لإسرائيل، هذا من دون الحديث عن صعود قوة إسرائيل في بلاد شرق آسيا.

•يأمل نتنياهو أن تكون علاقته جيدة مع خلف أوباما، فالاقتصاد قوي وإسرائيل دولة عظمى تكنولوجياً وعسكرياً. لقد عرف نتنياهو كيف يستغل جيداً ضعف العالم العربي بشكل متنام في أعقاب "ربيعه". لكن وراء هذه الإنجازات التكتيكية المهمة يختبئ فشل استراتيجي. فالوضع السياسي القائم الذي تسمح هذه الإنجازات باستمراره وفقاً لسياسة حكومة نتنياهو، خطر وجودي على إسرائيل، وتهديد بتحويل تقسيم البلد إلى أمر مستحيل- وهذا ما يسعى إليه اليمين الإيديولوجي علناً، وهو يبقي "الدولة الواحدة" خياراً سياسياً وحيداً.

•وكي نفهم لماذا يشكل الوضع القائم خطراً وجودياً على إسرائيل، لسنا بحاجة إلى الاستماع إلى منتقدي نتنياهو إذ يكفي أن نستمع إليه هو. لقد أعلن أكثر من مرة أنه يدعم حل الدولتين للحؤول دون قيام دولة "ثنائية القومية" (عملياً من الواضح أنه لا يمكن منع تحولها إلى دولة عربية إسلامية). ومعنى هذا أنه يعتبر تقسيم البلد بين شعبين مصلحة إسرائيلية وجودية: ماذا تساوي جميع هذه الإنجازات إذا كانت ستقود إسرائيل إلى هزيمة تاريخية هي الأقسى؟ ما قيمة دولة قوية إذا لم تكن في نهاية الأمر دولة إسرائيل؟

•على الرغم من هذا كله هناك فارق بين روسيا وإسرائيل: تستطيع روسيا استيعاب العديد من الهزائم الاستراتيجية، لكن إسرائيل لا تستطيع تحمل هزيمة واحدة فقط.