عباس السياسي يسيء إلى عباس رجل الدولة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•محمود عباس كما يتحدّث عنه أعضاء حركة "فتح" فيما بينهم، هو السياسي الذكي أو المحنك الذي نجح في إبعاد معارضيه عن الحركة وتهميش آخرين وفي تمييع قرارات لجنته المركزية مثل وقف التعاون الأمني مع إسرائيل. وعباس الذي ألقى خطاباً مساء الأربعاء في مؤتمر فتح استغرق ساعتين ونصف الساعة أمام نحو 1400 مندوب وضيف، بدا رجلاً سياسياً واثقاً من نفسه، وواضحاً جداً عندما يكرر أمام شعبه: انسوا النضال المسلح كسبيل لتحقيق الأهداف، وركزوا على أهداف واقعية ممكنة التحقيق. ليست هذه هي الصيغة الدقيقة لما قاله، لأن قواعد الحفاظ على الروح القومية تفرض كلاماً غير مباشر، لكن هذه كانت الرسالة.

•لم ينته مؤتمر "فتح" السابع بعد، ومن المحتمل أن تتضح التغييرات والمفاجآت التي وعدونا بها يوم الجمعة بعد النقاشات المغلقة وانتخابات مؤسسات الحركة. في هذه الأثناء، فإن خلاصة اليومين الأولين المفتوحين للمؤتمر هي أن المندوبين قرروا أن ما هو موجود هو الصحيح وهو الذي سيبقى، وهكذا انتُخب عباس ابن الـ81 مجدداً رئيساً لـ"فتح"- ليس من خلال التصويت بل من خلال التصفيق؛ وستعمل حركة "فتح" لتحقيق الاستقلال الفلسطيني في دولة إلى جانب إسرائيل بحدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية. أما السبيل إلى تحقيق هذه الدولة فهو السبيل السياسي– الدبلوماسي (تعزيز مؤسسات الدولة، قبول العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، الانضمام إلى مئات المنظمات الدولية وخيار التوجه إلى المحاكم الجنائية الدولية).

•لكن عباس الذي يتحدث عنه فلسطينيون ليسوا أعضاء في "فتح" (وأعضاء نقديين من "فتح") هو رئيس مختلف: إنه الرجل الذي حول الحركة إلى حزب سلطة وتقديم خدمات، ومن خلال ذلك يسيطر عباس على أنصاره. يقولون إن عباس هو الرجل الذي شلّ البرلمان، وإن مؤيديه وأتباعه موجودون في جميع مؤسسات السلطة الفلسطينية بما فيها جهاز القضاء، وإن أجهزة الأمن التابعة له يوضحون بالاعتقالات والتحقيقات ما لا يجب الاختلاف معه فيه. لقد أثنى عباس على الانتفاضة الأولى (المطبوعة في ذاكرته كنضال شعبي غير مسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي)، وبالمبادئ التي طبعتها (دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، إخلاء المستوطنات). لكنه لم يذكر الانتفاضة الثانية ولا الظاهرة الشعبية الخاصة التي برزت في السنة الأخيرة، وهذه طريقة واضحة لتأكيد معارضته لهما. وقال: "المستوطنات سيجري إخلاؤها كما أخليت يميت والمستوطنات في قطاع غزة". وقال بضع مرات إن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية وستكون مفتوحة أمام الجميع ولكل الأديان ("من دون قانون للآذان وحواجز يوم السبت"). وذكّر أكثر من مرة: "اعترفنا بإسرائيل وما نزال نعترف بها، لكن إذا لم تعترف بنا (كدولة) سنلغي الاعتراف بها". وكرر مرتين رفض الاعتراف بإسرائيل "كـدولة يهودية" قائلاً: "هذا الطلب لم  تطلبه إسرائيل من مصر ولا من الأردن"، وقارن "الدولة اليهودية" "بدولة داعش".

•يعتقد أشخاص من خارج حركة "فتح" ومن داخلها أن قوة عباس السياسية تكمن في سيطرته على أموال الحركة وأموال منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، وكذلك من خلال سيطرته غير المباشرة أو المباشرة على القطاع العام. فقد أمر عباس بوقف دفع رواتب مئات من موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة من أعضاء "فتح" المشتبه بدعمهم لمحمد دحلان في القطاع. وكان هذا من أسوأ الأوامر التي أصدرها عباس والتي عمقت الانقسام بين القطاع والضفة.  وقال مقرب من عباس لصحيفة "هآرتس" إن دحلان هو الذي اقترح هذه الخطوة مفترضاً أنها ستسرع في انهيار حكم "حماس". 

•وفي غياب الدعم الشعبي الواسع، استقدم عباس من أجل مساعدته وفوداً أجنبية: نحو 60 ضيفاً جاؤوا من 20 دولة، بمن فيهم مندوبون عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، أعطوه شهادة أهلية من خلال تكرار دعمهم وتأييدهم للنضال الفلسطيني غير المسلح من أجل إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. وعلى الرغم من معرفة هؤلاء جيداً بالجوانب غير الديمقراطية في سلطة عباس، فإن هذه الدول تواصل دعمها له بسبب مواقفه السياسية الواضحة التي تكمن أهميتها الحالية في المحافظة على الهدوء المصطنع في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. لكن كما قالت ناشطة مخضرمة من منظمة التحرير ليست عضواً في "فتح"، فإن الجوانب غير الديمقراطية في سلطته هي التي تشوه مواقفه السياسية. الجمهور يربط بين معارضة عباس للنضال المسلح وتمسكه بحل الدولتين مع الفساد والمحسوبيات والتسلط.