من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•ردود ما تبقّي من اليسار الإسرائيلي على تصريحات رئيس كتلة الليكود ديفيد بيتان الذي أراد في البداية سحب الجنسية من مدير عام مركز "بتسيلم" حغاي إلعاد، وعندما تبيّن له أن هذا غير ممكن اكتفى بإعلان أنه سيبادر إلى [طرح مشروع] قانون يمنع مواطني الدولة من الدعوة إلى فرض عقوبات على إسرائيل أمام المحافل الدولية ذات الصلاحية، تمحورت حتى الآن على التأثير المحتمل لهذه المسرحية المرعبة على الديمقراطية الإسرائيلية المهتزة. لكن أسئلة مهمة مثل حجم الضرر اللاحق بصورة إسرائيل الدولية بسبب أفكار بيتان، أو هل اقتراحاته عندما تنضج لتصبح قانوناً ستقرّها محكمة العدل العليا أم ستوقفها، لا أهمية عملية ومباشرة لها على النضال السياسي المتواصل الدائر بين معارضي مشروع الاحتلال والاستيطان وزعماء هذا المشروع.
•إن الذين يريدون استخلاص دروس مفيدة من المواجهة بين بيتان و"بتسيلم" من أجل استمرار ناجع للمعركة ضد الاحتلال، من الأفضل لهم ألا ينشغلوا كثيراً بالانعكاسات المفترضة لمشاكسات بيتان، وأن يسألوا أنفسهم ما هو الهدف الملموس الذي أراد الناطق المخلص بلسان نتنياهو في الكنيست أن يحققه.
•الجواب على ذلك واضح للعيان: وسواء اتضح أن هجوم كلب الحراسة التابع لنتنياهو على منظمات اليسار يملك قدرة تشريعية أم لا، فمن الواضح أن جوهر طرح فكرة غير مسبوقة ومشينة مثل سحب الجنسية بسبب احتجاج سياسي كلامي، يهدف من ناحية رئيس بيتان [أي نتنياهو] إلى ردع معارضي الاحتلال والمستوطنات عن القيام بخطوات مثل تلك التي قام بها مدير عام "بتسيلم". وهذا الجواب يطرح سؤالاً إضافياً: لماذا ينشغل نتنياهو بترهيب منظمات يسارية وهمية وعابرة، كما وصف "بتسيلم" بعد خطاب إلعاد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؟
•يمكننا الإجابة على هذا السؤال أيضاً بسهولة. نتنياهو رجل ذكي، ومن الأكيد أنه يدرك جيداً في قرارة نفسه أنه لو تبنى معارضو الاحتلال الإسرائيلي الأسلوب الحالي لمدير عام "بتسيلم" بأعداد كبيرة ومتزايدة، فإن هذا من شأنه أن يفرض نفسه بوصفه الأسلوب الأكثر فاعلية من أجل تغيير الوضع الاستعماري القائم. وكلما ازداد عدد المواطنين الإسرائيليين المسلحين بتبريرات وطنية بين الذين يشرحون لزعماء العالم الحر كيف ولماذا حرمان الفلسطينيين من حريتهم الوطنية، يعرّض للخطر مستقبل تقرير مصير اليهود الإسرائيليين أنفسهم، فإنهم ينجحون في تقويض أسس الدعاية الكاذبة لليمين والناطقين بلسان الوسط الذين يصوّرون النضال ضد الاحتلال بوصفه مؤامرة لنزع الشرعية عن إسرائيل من جانب جهات خارجية معادية - للسامية ومعادية - للصهيونية. وهكذا سيضم المزيد من أصدقاء إسرائيل في العالم أصواتهم من أجل الإدانة والاستنكار العلنيين للمشروع المخالف للقانون الدولي في المناطق [المحتلة]، وسيرسمون بذلك بداية نهاية الاحتلال.
•بناء على ذلك، فإن النتيجة العملية التي يتعيّن على منظمات اليسار ومؤيديها استخلاصها لمواجهة محاولة حاشية نتنياهو توجيه التهديدات إلى مدير "بتسيلم" هي التالية: في النقاش المقبل بشأن المستوطنات الذي تجريه هيئة ذات صلاحيات دولية، من الأفضل أن ترسل هذه المنظمات وفداً يضم ممثلين عنها كلها، وأن يدعوا الشعوب الديمقراطية إلى التخلي عن دعمهم الصامت لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي.
•"أنت رئيس حكومة قوي للغاية، ورجل سياسي محنك، لا يمكن أن تخاف مني إلى هذا الحد، هذا ليس منطقياً"، هذا ما قالته بالأمس إيلانا دايان بعد الرد التهديدي من "ديوان رئيس الحكومة" على تحقيق برنامج "هعفوداه" الذي تقدمه. بيد أن سر قوة نتنياهو يكمن تحديداً في أساليبه الترهيبية والتحريضية - سواء ضد الذين يتجرؤون على الدعوة إلى تحدي سياسته، أو مثلما حدث مع دايان - من الذين يشيرون إلى التقصيرات الجوهرية في أدائه من دون أي يكون لذلك علاقة بموقف سياسي - أيديولوجي معين.
•تبدو هذه الأساليب منطقية تماماً: ففي أعقاب تهديدات بيتان وأشباهه سترتدع منظمات اليسار عن التدخل في النضال الدولي ضد الاحتلال، الذي تستند إليه سلطة نتنياهو؛ ولن يخطر على بال الصحافيين إجراء تحقيقات جريئة عن فساد حاشية رئيس الحكومة خوفاً من التحريض ضدهم الذي يمكن أن ينتهي لا سمح الله بالاعتداء الشخصي؛ وحتى السياسيون العقلاء من حزب أو معسكر اليمين - الوسط الذين يتحفظون من الاحتلال، سيفضلون أن يقفوا صفاً واحداً مع الخط المرسوم من ديوانه كي لا يجري وصمهم بأنهم يعملون لمصلحة "الخونة" من اليسار، ولئلا يقعوا ضحية التشهير في وسائل التواصل الاجتماعي.
•إن الأسلوب لمواجهة هذا كله يجب أن يكون واضحاً جداً: يتعين علينا ألا نخاف. ويجب على المنظمات اليسارية أن تصرخ في المحافل الدولية ضد الاحتلال كي تقدم طريقة فاعلة للنضال المتعدد الجبهات، كما يتعيّن على الصحافيين أن يفتحوا أعين الجمهور على العيوب في اعتبارات وفي طريقة اتخاذ القرارات في حاشية نتنياهو، كما على السياسيين المسؤولين في الائتلاف الاعتراف بحجم الضرر الذي يتسبب به نتنياهو والمقربون منه لما بقي من مكونات الديمقراطية الإسرائيلية، وأن يقفوا ضده بشجاعة وعلناً. وبذلك، فإن السبيل إلى طرد نتنياهو من السلطة والعودة الكاملة لإسرائيل إلى مجتمع الشعوب الديمقراطية سيكون أقصر مما يبدو عليه الآن.