•"قولوا لنا الأمور بوضوح ودعونا نعرف ما هي الحلول التي تريدونها"، هذه هي المطالب التي لا تتوقف المعارضة وأطراف سياسية خارجية عن مطالبة رئيس الحكومة بها. وفي رأيي، هذا تحديداً ما يتعين علينا عدم القيام به، أي التحدث علناً عن الاستراتيجية السياسية لدولة إسرائيل.
•لقد أظهر مصطلح "الغموض" جدواه في الدبلوماسية الإسرائيلية في موضوع "ديمونه"، لكنه يمكن أن يكون ملائماً وضرورياً بالدرجة عينها في ما يتعلق بالموضوع الفلسطيني. لقد تحدث هنري كيسنجر وأبا إيبن في الماضي عن "غموض بناء" في السياسة، ما يتيح الفرصة لشرح خطوات سياسية بصورة لا تتطلب جواباً مباشراً إيجابياً كان أم سلبياً. ومثلما قال الموفد الدبلوماسي للرئيس روزفلت، جايمس كوننت: "ليس مطلوباً من السياسي أن يكون صريحاً أبداً عندما يخدم ذلك المصلحة الوطنية".
•للأسف الشديد، في ما يتعلق باحتمال التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين لا يوجد في هذه المرحلة رد مقنع على مسألة الحلول والنيات. إن معظم الأفكار التي طرحت في هذا الشأن كانت غير ممكنة التحقيق أو غير مرغوب فيها- أو الاثنين معاً. فاقتراح "دولتين لشعبين" أي انسحاب إسرائيلي من كامل الضفة الغربية أو الجزء الأكبر منها، وإقامة دولة فلسطينية في المناطق التي يجري إخلاؤها، تحوَّل في السنوات الأخيرة إلى لازمة يرددها المجتمع الدولي والمعارضة الإسرائيلية. لكن على الرغم من كون مبدأ الانفصال عن أغلبية الفلسطينيين مبدأ محقاً بحد ذاته، فإن الأحمق وحده أو صاحب النيات الشريرة سيقبل في ظل واقع الفوضى العارمة التي تحيط بنا، بقيام دولة فلسطينية قريبة من أغلب التجمعات السكانية والاقتصادية والبنى التحتية لدولة إسرائيل. وفي وقت يتنافس فيه الجهاديون السنّة من تنظيم داعش والقاعدة وغيرهما ضد الجهاديين الشيعة بزعامة إيران، التي تنشط بشدة بمؤازرة حزب الله و"حماس" من أجل توسيع منطقة نفوذها كي تصل إلى شواطئ البحر المتوسط، يصبح من المعقول افتراض أن أحد الطرفين سيسيطر على الدولة الفلسطينية التي ستنشأ. علاوة على ذلك، ليس هناك ما يشير إلى وجود طرف سياسي فلسطيني، بما في ذلك السلطة الفلسطينية برئاسة أبو مازن، قادر أو مستعد لإبداء مرونة في الموضوعات الجوهرية.
•في مواجهة مؤيدي اقتراح الدولتين، يقف دعاة "دولة واحدة لشعبين" من اليمين واليسار المتطرفين. يأمل اليسار المتطرف أن يؤدي ذلك إلى نهاية الرؤيا الصهيونية، بينما يؤمن اليمين المتطرف بأن الأمور في النهاية لا بد أن تحل، فإما أن يرى الفلسطينيون في اندماجهم بالدولة اليهودية تحقيقاً لأحلامهم، أو أن يخضعوا لها رغماً عن إرادتهم.
•لكن ما يجب أن يقلقنا أكثر من المسألة العربية هو المسألة اليهودية، لأنه حتى لو لم يتحوَّل العرب فوراً إلى أكثرية، كما يدّعي البعض، داخل الدولة الواحدة، فإن مجرد أن يصبحوا نصف عدد السكان يجعل الفكرة مستحيلة من الناحية العملية والنظرية. ثمة من يتسلى بفكرة "الضم الخفيف"، أي فرض السيادة الإسرائيلية على الكتل الاستيطانية الكبرى، أريئيل ومعاليه أدوميم، لكن العاصفة السياسية والمشكلات الإضافية التي يمكن أن تثيرها هذه الخطوة المحدودة ستجعل هذا الموضوع غير مفيد.
•توجد أيضاً أفكار أخرى، بعضها طبق بعد اتفاقات أوسلو والبعض الآخر لم يطبق بسبب خلافات في الرأي داخلية - سياسية، مثل الخيار الأردني، وتسويات مفيدة وتفاهمات موقتة. ولعله سيكون في الإمكان، بعد التغيرات في الشرق الأوسط، العودة إليها مستقبلاً. إن الحفاظ على الوضع القائم (الستاتيكو) ليس هدفاً بحد ذاته، لكن كما قالت هيلاي كلينتون ذات يوم، فإن الوضع القائم يمكن أن يستمر لوقت طويل، وهو أفضل من حل متسرع فشله معروف سلفاً. من هذه الناحية، فإن الغموض السياسي يخدم الواقع الحالي كما أنه يخدم المصلحة الإسرائيلية.