•كما يحصل دائماً فالتاريخ يعيد نفسه. في الفترة الأخيرة بدأ العمل في مشروع طموح لإقامة جدار من الباطون تحت الأرض حول قطاع غزة. وعلى الرغم من أن هذا المشروع هو من الأكثر تكلفة في تاريخ إسرائيل، وعلى الرغم من الشكوك العميقة بشأن جدواه، فإن النقاش العام حول المشروع ضئيل جداً. ويمكن القول إن قلائل يعرفون بوجود هذا الجدار. وفي ما يلي بعض التفاصيل عن المشروع.
•الجدار المخطط له من المفترض أن يحيط بكل قطاع غزة أي على امتداد نحو 60 كيلومتراً، وأن يكون على عمق عشرات الأمتار. في المرحلة الأولى بدأ العمل بجزء صغير تجريبي لا تقل تكلفته عن 600 مليون شيكل. نصف المبلغ مصدره ميزانية وزارة الدفاع، والنصف الثاني بتمويل خاص من وزارة المال. ومن المنتظر أن يستغرق بناء الجدار فترة طويلة، وسيكلف مليارات كثيرة.
•تدخل عملية بناء الجدار ضمن محاولة توفير حل لتهديد الأنفاق تحت الأرض المعروف منذ عشرات السنوات، وقد صرفت مليارات كثيرة من أجل العثور على رد عليه، كما استخدام عدد لا يحصى من الأفكار (بينها زرع آلاف المجسات تحت الأرض). لكن الأمر الذي تغير بعد عملية "الجرف الصامد" في صيف 2014 أن الأنفاق لم تعد أمراً "مقلقاً" فقط بل تحولت إلى تهديد حقيقي من شأنه أن يخلي سكان مستوطنات غلاف غزة من ساكنيها.
•خلال العامين اللذين مرا على عملية "الجرف الصامد"، طرحت المؤسسة الأمنية عشرات الخطط من أجل العثور على حل لتهديد الأنفاق، من بينها خطوات تكنولوجية وعملياتية. بعضها نجح وبعضها الآخر كان أقل نجاحاً لأسباب لا يمكن الكشف عنها.
•لكن قرار بناء جدار تحت الأرض كان مفاجئاً، ومن أجل بنائه اشتريت أجهزة خاصة تتيح عمليات الحفر وصب كميات كبيرة من الباطون. وجرت الموافقة على القرار في الحكومة سراً.
•ودفع وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان بكل قوته وزير المال من أجل اقراره. لكن على الرغم من ذلك، فإن دعم المؤسسة الأمنية للمشروع ليس كبيراً.
•ما الذي أدى إلى بناء الجدار الآن؟ إن الذي أدى إلى قرار بناء الجدار تحت الأرض هو وجهة نظر أطراف في وزارة الدفاع ترى أن الجدار هو الذي يضمن الأمن، وأن الجدران الممتدة على الجزء الأكبر من الخط الأخضر وعلى طول الحدود المصرية الجنوبية تعتبر قصة ناجحة. والشخص الذي يتزعم هذه المشاريع ويؤمن بها من كل قلبه هو الضابط الأقدم في القوات النظامية للجيش العميد عيرن أوفير.
•لكن ثمة فارق كبير بين جدار يرتفع بضعة أمتار فوق الأرض وجدار باطون تحت الأرض. لذا فهناك أطراف لا بأس بها في المؤسسة الأمنية تعارض المشروع، بما في ذلك الجيش وإدارة تطوير وسائل القتال والبنى التحتية التكنولوجية في وزارة الدفاع.
•لقد بدأ العمل في مشروع ليس واضحاً إلى أين يمكن أن يؤدي، فإذا فشلت المحاولة، فمعنى ذلك أن 600 مليون شيكل ذهبت هباء. وإذا نجح- فإنه سيتطلب ميزانية ضخمة جداً من حجم الميزانية التي خصصت للمشاريع التي عرفتها الدولة أيام قيامها، مثل مشروع المياه القطري.
•وعلى ما يبدو سيترافق بناء جزء صغير تجريبي من الجدار بوضع مجسات متطورة. لكن التخوف الكبير هو أن ينجح حافرو الأنفاق من "حماس" في خرق الجدار من دون أن ينجح الجيش في اكتشاف جميع الأماكن التي جرى فيها اختراق الجدار.
•إن هذا المشروع الضخم سيؤدي إلى نشوء لوبي قوي من الشركات الأمنية وشركات البناء المعنية به. بالطبع يهدف المشروع الى طمأنة المخاوف المبررة لسكان المنطقة من خطر الأنفاق، كما انه سيساعد الحكومة على التخفيف من الضغط السياسي "للقيام بكل شيء" من أجل الرد على تهديد الأنفاق. فهل من الممكن أن يتحول جدار غزة إلى جدار واق؟ ليس هذا أكيداً البتة.