الجيش الإسرائيلي ارتكب خطأ بعدم احتوائه حادثة مقتل عبد الفتاح الشريف في الخليل
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•ارتكب الجيش الإسرائيلي بالرغم من كونه الجيش الأفضل في العالم تقريباً، خطأ. فقبل أربعة أشهر أطلق الرقيب إليئور أزاريا النار على عبد الفتاح الشريف، الشاب الفلسطيني الذي كان ممدداً على الأرض ومصاباً من جراء إطلاق النار عليه خلال هجوم "إرهابي" في حي تل رميدة في الخليل، مما تسبّب بمقتله. وسارع الجيش إلى إعلان أن القتل العمد هو بند الاتهام الأقصى بحق أزاريا، ثم وجّه له تهمة القتل غير العمد. وها هي محاكمة أزاريا مستمرة منذ ثلاثة أشهر. 

•كان يتعين على الجيش بدلاً من تقديم الجندي إلى المحاكمة، الإسراع إلى التحقيق في الحادثة، وتوبيخ أزاريا إن كان يستحق ذلك، والتأكد من أن جميع جنود الجيش يدركون تماماً أنظمة وأحكام إطلاق النار في ظروف مماثلة، ثم وضع حد للقضية وإنهائها كلياً. 

•كان من الصعب في تلك الفترة تجنب الوقوع في إغراء إطلاق التصريحات العلنية حول الحادثة، بعد أن قام مواطن فلسطيني محلي بتصويرها بواسطة آلة تصوير حصل عليها من منظمة "بتسيلم" التي اهتمت بنشر الشريط المصور وبثه في محطات وقنوات تلفزيونية في شتى أنحاء العالم. وبالرغم من هذا كله، كان ينبغي أن يكون واضحاً تماماً للقيادة العسكرية أنه من المهم جداً احتواء هذه الحادثة بواسطة تحقيق داخلي لاستيضاح الحقائق، بدلاً من توسيع دائرة الانكشاف المحلية والعالمية على القضية. 

•وتمثلت النتيجة الحتمية لبيانات الاستنكار الفورية التي أصدرها وزير الدفاع وقادة كبار في الجيش ضد الجندي أزاريا حتى قبل بدء التحقيق في الحادثة، بموجة تأييد شعبية للجندي الذي أطلق النار على الشريف. وبرغم إمكان فهم الإغراء بأن نكون "كاثوليكيين أكثر من البابا" من طريق إطلاق تصريحات تؤكد المستوى الأخلاقي الرفيع في الجيش الإسرائيلي (وهو أمر لا نظير له في أي جيش آخر في العالم تقريباً)، إلا إن هذا التصرف كان خطأ. فقد تحول ما كان ربما خطأ جندي شاب في الخدمة الإلزامية، إلى مهرجان علاقات عامة استغرق بضعة أشهر حتى يهدأ. ونأمل أن يكون هذا الأمر واضحاً للجميع الآن بنظرة إلى الوراء. 

•لا شك في أن ما حدث في الخليل في ذلك اليوم حدث من قبل مرات مع جنود في جيوش دول ديمقراطية اصطدموا بحالات مشابهة. وحدث هذا في الجيش الإسرائيلي خلال سنوات الحرب الطويلة ضد أعداء إسرائيل. فالجنود الشبان معرضون للخطأ في تحكيم الرأي ورد الفعل في حالات تنطوي على خطر فجائي محدق بحياتهم.  

•يمكن القول إن جنوداً وأفراد شرطة أقدموا على إطلاق النار بعد أن شعروا بأنهم معرضون للخطر خلال الأشهر الأخيرة التي تعرض فيها إسرائيليون في الشوارع لاعتداءات من جانب فلسطينيين هدفهم القتل. وأسفرت حالات إطلاق النار تلك عن قتل مخربين برغم أنه كان بالإمكان الاكتفاء بإصابتهم وشلّ حركتهم. إن الأمر الأكيد أن محاكمة جندي شاب على رد فعله في مثل هذه الظروف ليست شيئاً سهلاً. 

•ينبغي أن يجري الجيش تحقيقات في مثل هذه الحوادث، لكن يحظر عليه تحويل هذه التحقيقات إلى محاكمات جماهيرية. ويجب نقل الدرس المستفاد إلى الجنود الذين قد يجدون أنفسهم في ظروف مماثلة في المستقبل. وبوجه عام لا حاجة إلى إطلاق تصريحات علنية للجمهور الواسع. 

•لم تعد لنتائج محاكمة الجندي أزاريا في ظل الوضع الراهن أي أهمية تقريباً. فجميع الأشخاص المهمّين - وزيرا الدفاع السابق والحالي، ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش، وسياسيون وشخصيات عامة أخرى - أدلوا بآرائهم العلنية ويبدو أنهم لن يتراجعوا عنها أياً تكن نتيجة المحاكمة. لقد وقع الضرر وبات ناجزاً. 

 

•والحقيقة أن الجنود الشبان الذين يُطلَب منهم مواجهة العمليات وإحباطها يجدون في كثير من الأحيان صعوبة في اتخاذ القرار الصحيح في لحظة الأزمة وتحت ضغطها. ليس لدى الجيش الإسرائيلي ما يخجل به في كل ما يتصل بسلوك جنوده الشبان في ساحات المعركة ونحن نود أن نبقى مثالاً وقدوة للآخرين، لكن هذا لا يستدعي إحراج الجنود الشبان عديمي التجربة وإرباكهم.