•قبل بضعة أيام نشر سلاح الجو الروسي في قاعدة همدان غرب إيران قاذفات حربية استراتيجية من طراز تو-22 (المعروفة في حلف الناتو باسم "Backfire") [قاذفة قنابل أسرع من الصوت]، وطائرات حربية من طراز سوخوي 34.
•بالأمس أكد ناطقون رسميون إيرانيون وروس الخبر ونشروا صوراً للطائرات الروسية التي انطلقت لمهاجمة أهداف في عدة مناطق في سورية تابعة لتنظيم داعش وجبهة النصرة. وهذه الخطوة المفاجئة هي نتيجة اتصالات سرية جرت بين ضباط كبار من الدولتين واستمرت أشهراً طويلة.
•إن هذه هي المرة الأولى التي تعمل فيها طائرات سلاح الجو الروسي في سورية انطلاقاً من قاعدة في دولة ثالثة. والأسباب التكتيكية لهذه الخطوة هي أن قاعدة حميميم - القريبة من اللاذقية الواقعة في الجيب العلوي، والتي استقبلت حتى الآن الطائرات الحربية الروسية التي تساعد نظام بشار الأسد ومنها كانت تنطلق هذه الطائرات في مهمات قصف - ليست كبيرة بما فيه الكفاية لاستقبال طائرات تو-22.
•كما أن هذا إشارة من موسكو وطهران الى حرارة العلاقات بينهما وبصورة خاصة الى تعاونهما العسكري. ولم يكن هذا قراراً سهلاً بالنسبة لإيران الحريصة جداً على كرامتها وسيادتها. وقد شهدت وسائل التواصل الاجتماعي نقاشاً حاداً بين مؤيدين ومعارضين لاستعداد الجمهورية الإسلامية لأن تستضيف على أراضيها طائرات دولة عظمى مجاورة. لكن على ما يبدو فإن رغبة إيران في مساعدة نظام الأسد تفوقت على أي اعتبار آخر.
•من جهة أخرى، الاعتبارات الروسية أوسع بكثير. من ناحية موسكو، هذه ليست مجرد خطوة تكتيكية من أجل تقوية الأسد وضرب تنظيمات المتمردين، بل هي خطوة انتشار استراتيجي أوسع بكثير، هدفها زيادة النفوذ الروسي في الشرق الأوسط.
•من هذه الناحية، يستغل الرئيس فلاديمير بوتين فرصة سياسة خارجية وأمنية مترددة وغير مركزة وغير مترابطة من جانب الولايات المتحدة بقيادة الرئيس باراك أوباما. فالسياسة الأميركية تحاول تفادي التدخل في النزاعات البعيدة عنها، ولو كان الثمن الانزلاق إلى سياسة انعزالية.
•ومن أجل تحقيق أهدافها تزيد روسيا تعاونها مع مصر والسعودية وتعرض بيعهما سلاحاً. هذا بالاضافة إلى المصالحة بين بوتين والرئيس التركي أردوغان.
•وبالمناسبة، أيضاً في الصين يشعرون بالضعف الأميركي. فقد أعلن هذا الأسبوع ناطقون رسميون في بيجينغ أن الصينيين سيزودون جيش الأسد بالسلاح وسيساعدونه في التدريبات. وجاء هذا الاعلان بعد زيارة وفد عسكري صيني رفيع لدمشق.
•من وجهة النظر هذه يجب النظر إلى علاقات إسرائيل مع روسيا. تدّعي مصادر إسرائيلية أن نشر الطائرات الروسية في إيران لا يشكل في هذه اللحظة تحدياً، وبالتأكيد لا يشكل خطراً على المصالح الإسرائيلية العليا. لكن التشديد هو على اللحظة الراهنة. ومن الواضح أن هذه الخطوة الروسية المفاجئة، في حال استمرارها، يمكن أن تؤدي إلى نتائج سلبية وقد تؤثر على الاستراتيجيا الإسرائيلية.
•من الواضح لمتخذي القرارات في إسرائيل وللمستوى العسكري كذلك، أن موسكو تحاول أن تدق إسفيناً بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين في المنطقة، ولا شيء ينجح أكثر من النجاح. ومن هنا، فإن القدس والرياض وأنقرة والقاهرة ترغب في أن تكون إلى جانب النجم الصاعد في سماء الشرق الأوسط والابتعاد عن النجم الأميركي الآخذ في الاضمحلال والسقوط.
•لكن مصر والسعودية وحتى إسرائيل يفهمون اللعبة الروسية ودوافعها الحقيقية، وقبل كل شيء يدركون أن مغازلة روسيا لعبة خطرة بالنسبة إليهم، وأنهم استخدموا من دون رغبة منهم كحجارة لعب على رقعة الشطرنج الروسية.