أردوغان سينجح في استخدام محاولة الانقلاب الفاشلة كي يصبح الزعيم المتحكّم كلياً بتركيا
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

•أثبتت محاولة الانقلاب الفاشلة التي نفذها جزء من الجيش التركي، مرة جديدة، قدرة الصمود المثيرة للاعجاب للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. لقد حققت محاولة الانقلاب سيناريو أرعب أردوغان منذ انتخابه رئيساً للحكومة سنة 2002، أي الخوف من محاولة الجيش اسقاطه من السلطة. 

•لقد كان نجاح أردوغان في اضعاف النفوذ السياسي للجيش في الدولة منذ ولايته الثانية رئيساً للحكومة أحد انجازاته الأساسية طوال فترة ولايته. وفي الحقيقة، فإن هذه هي المواجهة الثانية لأردوغان مع محاولة انقلاب عسكري. المرة الأولى جرت سنة 2007 عندما حاول تعيين عبد الله غول الذي تضع زوجته الحجاب، رئيساً للجمهورية. وفي إثر إنذار من الجيش [بعدم تعيينه] أجرى حينها أردوغان انتخابات مبكرة حقق فيها حزب العدالة والتنمية انتصاراً كبيراً. وبعد ذلك عيّن أردوغان غول في المنصب. 

•إن استخدام الوسائل العسكرية هذه المرة يخرج عن أسلوب عمل الجيش في المرتين السابقتين التي تحدى فيها المؤسسة السياسية. ففي سنة 1997 عندما تمكن الجيش من اسقاط رئيس الحكومة التركية نجم الدين أربكان، سمي الانقلاب "ما بعد حداثوي" لأنه لم تكن هناك حاجة إلى حل البرلمان وإقرار دستور جديد. كذلك سنة 2007 فإن موقف الجيش أُعلن من خلال الإنترنت ومن دون استخدام وسائل عنفية. من هنا، فإن العودة إلى استخدام الوسائل العسكرية يعبر عن قوة أردوغان في الوقت الحالي- كان واضحاً انه من دون استخدام هذه الوسائل لم يكن هناك أي حظ للانقلاب بالنجاح.

•إن فشل محاولة الانقلاب سيسرع من محاولة أردوغان تحويل نمط الحكم في تركيا من برلماني إلى رئاسي. وسواء نجح في القيام بذلك من خلال استفتاء عام أو من خلال انتخابات مبكرة (وسيلة لم تخيب أمله حتى الآن)، فمن الواضح تقريباً أنه سينجح في تحقيق هذا التغيير. والسؤال الكبير هو ماذا سيفعل أردوغان في اليوم التالي من تحقيق الهدف الذي يسعى إليه منذ زمن طويل. ربما سيكتفي في المرحلة الأولى بالمشروع الضخم الذي يخطط له للاحتفال بمرور 100 عام على قيام الجمهورية التركية في سنة 2023. ومن شبه المؤكد تقريباً أنه سيعمق عملية تدين الجمهور وسيركز كثيراً على محاولة بناء قدرة مستقلة للصناعات الأمنية في تركيا.

•لقد حدثت محاولة الانقلاب في الفترة التي كانت تجري فيها محاولة تغيير السياسة الخارجية التركية. إن تغير التوجه حيال إسرائيل وروسيا والتصريحات التي تحدثت عن حاجة تركيا إلى أصدقاء أكثر وأعداء أقل، ستؤدي أيضاً إلى اعادة النظر في العلاقات مع مصر وسورية. لكن على الرغم من ذلك، فإن محاولة الانقلاب الفاشلة ستزيد من الصعوبة التي يواجهها أردوغان من ناحية ترميم العلاقات مع مصر- التي شهدت انقلاباً عسكرياً من دون أن تسميه كذلك.

•إن الفشل الذريع لمحاولة الانقلاب وفر على عواصم العالم معضلة كيفية التعامل مع انقلاب عسكري في تركيا، والتي صرحت أغلبيتها، مثل القدس، بأنها تحترم السلطة المنتخبة في أنقرة.

•تعترف دول الغرب وفي طليعتها الولايات المتحدة، بأنه من أجل محاربة تنظيم داعش فإن تعاون تركيا مطلوب. وأيضاً بالنسبة لقضية اللاجئين، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى مواصلة التعاون مع أنقرة.

 

•التصريحات التي أدلى بها أردوغان في مطلع تموز/يوليو بأن بلاده تدرس منح الجنسية التركية إلى اللاجئين السوريين، هي فعلياً تحقيق للتطلع الأوروبي لبقاء اللاجئين في الأراضي التركية وعدم انتقالهم منها إلى أوروبا. لم يتعامل الجمهور التركي بإيجابية مع هذا الإعلان ويشكك كثيرون في أن منح الهوية إلى اللاجئين سيجعل أردوغان يحصل على جمهور ناخبين موالين جدد. ومثل الكازينو فإن صاحب الكازينو دائماً يربح. كذلك في تركيا، ينجح أردوغان في استغلال ما هو إيجابي في الأحداث التي تشكل ظاهرياً عائقاً في وجه تحوله إلى الحاكم المتحكّم كلياً بالدولة.

 

 

المزيد ضمن العدد 2414