•من زاوية الزمن، يعتبر اليوم الذي بدأت فيه حرب لبنان الثانية [حرب تموز/ يوليو 2006] منعطفاً. فقد كشفت حرب لبنان الثانية تدخل إيران كطرف أساسي يقود الحرب ضد إسرائيل، وسعيها إلى إنشاء معاقل عملياتية لها من خلال حزب الله في الشمال، ومن خلال "حماس" في قطاع غزة، وربما مستقبلاً في الضفة الغربية أيضاً. ويطرح هذا تهديداً "تقليدياً" لا يقل ضرراً مع مرور الزمن عن ضرر التهديد النووي. وفي ضوء الإنجازات التي حققتها إسرائيل في الحروب الماضية، وجّه العدو معظم اهتمامه نحو بناء قدرة صاروخية بأحجام كبيرة وإدخال أغلبية السكان في إسرائيل ضمن نطاق القتال.
• لقدالحرب العالمية الثانية دارت بقوة هائلة على الجبهة العسكرية وعلى الجبهة الداخلية المدنية في آن معاً. وفهم تشرشل لما سيأتي دفعه إلى إلقاء خطابه الشهير: "ليس لدي ما أقدمه غير الدم والتعب والدموع والعرق"، الذي حاول بواسطته إعداد مواطني بريطانيا للمصاعب التي تنتظرهم. هذا الإعداد كان غائباً قبل الحرب بالنسبة لمواطني إسرائيل الذين اعتادوا طوال سنوات على أن تجري الحروب في الجبهة العسكرية فقط. في سنة 2006 استكملت حلقة التغيير (التي بدأت في حرب الخليج [الأولى] وفي الانتفاضة الثانية)، عندما أصبحت الجبهة المدنية تشكل هدفاً شرعياً وأساسياً في نظر العدو.
•إن هذا التغيير هو تغيير استراتيجي وعملياتي وتكتيكي. استخدام العدو للقوة بسيط ويستند إلى رصيد استراتيجي دائم له هو: العمق وكتلة [النار]. لقد خاضت دولة إسرائيل حرب لبنان الثانية من دون إدراك شامل للتهديد ونتائجه. لم تسمح الحملة الإعلامية لجلد النفس والإحباط التي أعقبت هذه الحرب بإجراء نقاش مهني شامل. لقد كشفت الحرب إخفاقات لا بأس بها في جهوزية الجيش سببها ليس فقط عدم وجود موارد مناسبة لبناء القوة المطلوبة، بل وبشكل أساسي غياب الإدراك والعقيدة المفهومية للمواجهة مع عدو مختلف حوّل مواطني الدولة إلى جزء من جبهة قتال فعالة وحقيقية - هي الجبهة المدنية.
•منذ الحرب تعلمت إسرائيل دروساً لا بأس بها. فمن الواضح الآن للجمهور في إسرائيل أن الجيش غير قادر على وقف القصف فقط من خلال ضرب منصات العدو لإطلاق الصواريخ، فهذه المنصات كثيرة وموزعة. يستطيع الجيش الإسرائيلي ضرب قدرات كثيرة ومهمة، وإخراج مناطق مختلفة في الدولة من دائرة التهديد، لكن سيبقى لدى العدو قدرة على إطلاق صواريخ يستطيع استخدامها لساعات طويلة من القتال.
•بناء على ذلك، جرى تطوير عقيدة للرد مركبة، مدنية وعسكرية. ففي الجبهة المدنية طورت قدرات للدفاع والصمود هدفها التقليص قدر المستطاع من الضرر وتقليص نار العدو، وأُدركت ضرورة إشراك الجمهور في عقيدة الرد للجيش الإسرائيلي وتعميق استعداده وجهوزيته لتحمل إطلاق النار حتى نهاية القتال. وفي إطار الرد العسكري المتبلور، وبتوجهيات من رئاسة الأركان، وضعت وثيقة بعنوان "استراتيجية الجيش الإسرائيلي"، اطلع عليها الجمهور الواسع جاء فيها أنه عندما ستنشب الحرب سيكون الجيش الإسرائيلي بحاجة إلى إنجازين أساسيين: تقصير مدة القتال، وتقليص ضرر الحرب المستقبلية.
•ومن أجل هذا الغرض سيستخدم الجيش "ضربة منسقة مباشرة ومتزامنة" تتضمن مناورة سريعة وعنيفة وناراً كثيفة ودقيقة. وهذا الهجوم سيحفر في وعي العدو ثمن استفزازه لإسرائيل، وسيفرض عليه عملية إعادة بناء طويلة وباهظة الكلفة. وبذلك يمكن افتراض أن المواجهة المقبلة تأجلت. لقد قدمت حرب لبنان الثانية لنا وللعدو نموذجاً صغيراً عن قدرة الجيش الإسرائيلي على القيام بمثل هذه الضربة.
•بعد مرور عشر سنوات على انتهاء الحرب، يبدو أنه على الرغم من الخلل الذي ظهر خلالها وعلى الرغم من غياب الجهوزية وكذلك غياب الشروط الاستهلالية للحرب، فقد نجح الجيش الإسرائيلي في أن يوفر لدولة إسرائيل انجازاً من الدرجة الأولى. لقد أحبطت نوعية أداء الجيش الإسرائيلي مواطني إسرائيل، لكنها استطاعت ان توفر لهم إنجازاً لا بأس به. فقد كشفت هذه الحرب بالإضافة إلى ردع حزب الله، جميع طبقات التهديد، مما سمح للجيش بالتخطيط لرد عملياتي مستقبلي في مواجهة تهديد موضوعي واقعي.