•الاتفاق الإسرائيلي- التركي هو بالفعل خطوة ذات أهمية استراتيجية بعيدة المدى بالنسبة لإسرائيل. ومن الطبيعي أن يعمل رئيس الحكومة على ابراز العناصر المهمة المتعلقة بالعلاقات الثنائية بين الدولتين. لقد انتهت ست سنوات من العداء والجفاء وسيبدأ عهد جديد ينطوي على فرص لتحقيق انجازات كبيرة في المجالات الاقتصادية والتعاون الإقليمي.
•في ما يتعلق بمحتوى البنود الخاصة بـ"حماس" وعن تأثير الاتفاق على سياسة إسرائيل إزاء غزة عامة و"حماس" خاصة، لم يتكلم رئيس الحكومة كثيراً. صحيح أن الحصار البحري لم يرفع، لكن فُتح الباب واسعاً أمام ادخال بضائع وعتاد من أنواع مختلفة ومواد بناء من أجل تشييد محطة لتوليد الطاقة ومستشفى. ومن المنتظر أن تشهد غزة ثورة اقتصادية وربما أيضاً اجتماعية في المستقبل. فمستوى الحياة المتدني سيرتفع، وستنشـأ فرص عمل أخرى غير حفر الأنفاق، ولن يكون بعيداً النهار الذي ستطرح فيه مسألة الجدوى من الاستمرار في الحصار البحري على القطاع على طاولة النقاشات.
•في هذه المناسبة تحسنت مكانة "حماس" على الصعيد الدولي. فقد دُعي خالد مشعل إلى لقاء شخصي مع أردوغان قبل أيام قليلة من توقيع الاتفاق. وبعد مرور يومين على هذه الزيارة قرر أردوغان الاتصال هاتفياً بأبو مازن ووضعه في صورة المستجدات. وحظيت العلاقة بين تركيا و"حماس" بمباركة إسرائيل عندما قررت الأخيرة أن تضع بين يدي أنقرة مهمة استعادة جثتي الجنديين الإسرائيليين اللتين تحتفظ بهما "حماس" منذ عملية الجرف الصامد، وكذلك استرجاع المواطنين الإسرائيليين اللذين علقا في القطاع. وبذلك تحسن وضع تركيا وارتفعت إلى مكانة وسيط نزيه في مفاوضات هي الأكثر حساسية وإفعاماً بالمعاني الإنسانية والعامة في إسرائيل، وفي الوقت عينه تحولت "حماس" إلى محاور مع إسرائيل من خلال أحد رعاتها السياسيين في الساحة الدولية.
•هناك راع آخر لـ"حماس" رحب بالاتفاق مع تركيا هو الرئيس بوتين. ففي نظر الدولتين الأساسيتين العاملتين في المنطقة- الأولى [تركيا] التي توصلنا معها إلى اتفاق تاريخي، والثانية قوة عظمى عالمية [روسيا] تكبد رئيس الحكومة عناء زيارتها في الفترة الأخيرة في أوقات متلاحقة وأشاد بعلاقات إسرائيل معها، "حماس" ليست تنظيماً ارهابياً وليست مرتبطة بتنظيم داعش وسائر العصابات الارهابية. ولدى خالد مشعل دعوة رسمية لزيارة موسكو.
•إن جملة هذه العناصر المفصلة اعلاه تطرح مسألة استمرار سياسة إسرائيل تجاه "حماس" على جدول الأعمال، ولا سيما على خلفية التصريحات المفصلة التي أدلى بها مصدر أمني رفيع في وزارة الدفاع بعد أيام قليلة من تسلم وزير الدفاع الجديد منصبه. لقد برزت وجهتا نظر واضحتان في كلامه: المواجهة القادمة مع "حماس" حتمية؛ وهذه المواجهة التي لا بد ستحدث يجب أن تكون "الأخيرة".
•يتعارض الاتفاق مع تركيا مع هذه السياسة وعملياً ينقضها. لا يمكن تخيل طائرات سلاح الجو تقصف محطة لتوليد الطاقة بناها الأتراك في القطاع، كما لا يمكن أن يخطر على البال أن تقرر إسرائيل خوض حرب إبادة ضد "حماس" رغماً عن إرادة موسكو وأنقرة. ومن المستحيل توكيل تركيا بمهمة وساطة حساسة وفي الوقت عينه السعي إلى مواجهة عسكرية مصيرية تحول غزة إلى كومة من التراب في "عملية أخيرة".
• في الولايات المتحدة رحبوا هي أيضاً بالاتفاق التركي- الإسرائيلي. صحيح أن الإدارة الأميركية ما تزال تتمسك بسياستها الرسمية التي تعتبر "حماس" تنظيماً ارهابياً، لكن في الآونة الأخيرة التقى عدد من الشخصيات الأميركية التي تولت في الماضي مناصب رسمية رفيعة، مسؤولين كباراً في "حماس". ويشكل تأييد الولايات المتحدة للاتفاق بصورة تلقائية، دعماً لحق تركيا في إقامة قنوات اتصال مع "حماس" يمكن أن تستغل الآن من أجل منفعة إسرائيل.
•مع تبدد جولة الاستهزاءات في إسرائيل إزاء الاتفاق الناجح والدبلوماسية الخلاقة التي أدت إليه، يتبين لنا أن إسرائيل ما تزال فعلاً من دون استراتيجية أمنية حيال غزة.