نتنياهو يقرّبنا من العرب ويبعدنا عن الغرب
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•أثبت اتفاق المصالحة مع تركيا مرة أخرى أن بنيامين نتنياهو هو أحد السياسيين النادرين لدينا. فهو بخلاف الكثير من وزراء المجلس الوزاري المصغر، يعرف الشيء الأساسي الذي يجب معالجته. وعلى عكس العديد من زعماء المعسكر القومي، فهو لا يفكر بمصطلحات شعبوية مثل الكرامة الوطنية والاهانة الوطنية. وبخلاف كثيرين من زعماء اليسار، الذين كانت ردود فعلهم على الاتفاق مخجلة، فإن رئيس الحكومة لا يتحدث بصوت عال عن السلام. وحدهم الذين ينتقدون بشدة نتنياهو من امثالي مضطرون إلى التعبير عن تقديرهم للحكمة وبعد النظر، والمسؤولية والشجاعة التي أظهرها أخيراً.

•بيد ان الاتفاق ليس من دون سياق. موفد السلام الذي زار القاهرة منذ وقت قليل وحاول أن يستحصل على انتقادات من الرئيس المصري ضد نظيره الإسرائيلي لم ينجح في مسعاه، فالرئيس عبد الفتاح السياسي يحب نتنياهو. وكذلك عدد غير قليل من الزعماء العرب المعتدلين الآخرين. يقدّم نتنياهو نفسه بصفته حليفاً للسنّة في حربهم ضد الشيعة، ويحصل على دعم إقليمي لا يستهان به. ليس هناك أدنى شك في أن نتنياهو نجح في إدارة الحصانة الاستراتيجية لإسرائيل: المحافظة على الأمن الجاري والامتناع عن الدخول في حروب لا لزوم لها. لكنه فعل أكثر من ذلك: فقد نسج شبكة علاقات مع الشرق الأوسط ومع دول حوض البحر الأبيض المتوسط حولته إلى صديق مقرب وسري إلى العالم العربي.

•لكن في مقابل نجاحات نتنياهو الملحوظة مع العرب يبرز فشله الذريع مع الغرب. ففي سنة 2012 لم ينجح في قراءة الخريطة الأميركية وراهن رهاناً فاشلاً ومعيباً على ميت رومني. وفي سنة 2015 لم يقرأ الخريطة الأميركية وراهن بصورة فاشلة ووقحة على أن يقوم الكونغرس الجمهوري بكبح الرئيس الديموقراطي ويوقف الاتفاق النووي مع إيران. ومنذ سنة 2009 حتى اليوم فشل في قراءة الخريطة الأوروبية، واستخفافه بأوروبا دفع  بشبكة العلاقات معها إلى أزمة خطيرة.

•حالياً يوشك نتنياهو على دفع ضريبة مزدوجة على مجمل هذه الأخطاء. فمن جهة يستعد باراك أوباما للعمل جنباً إلى جنب مع الأوروبيين من أجل تمرير قرار في مجلس الأمن سيكون من الصعب على إسرائيل التعايش معه. ومن جهة ثانية لن تحظى إسرائيل بالمزيد من التعاون الاستراتيجي الوثيق مع الولايات المتحدة المطلوب من أجل ضمان قوتها. وفشل نتنياهو إزاء الغرب من شأنه أن يلحق ضرراً كبيراً بالحصانة السياسية والأمنية لإسرائيل.

•وهنا يطرح السؤال ما الفارق بين نتنياهو مع العرب ونتنياهو مع الغرب؟ ولماذا سياسي حقق نجاحاً في الشرق الأوسط، فشل أكثر من مرة في شمال الأطلسي؟

•الجواب هو: روح الزمن. نتنياهو منقطع تماماً عن روح الزمن. نتنياهو ابن البروفسور بن تسيون هو في قرارة نفسه من العصر الفيكتوري وينتمي إلى القرن التاسع عشر، هو يحب كثيراً التكنولوجيا المتطورة لكنه لا يتبنى قيم القرن الحادي والعشرين. في أعماق نفسه يفضل تلميذ توماس هوبز [ 1588-1679عالم رياضيات وفيلسوف من القرن السابع عشر] الاستقرار على الحرية، والعظمة على العدل، والقوة على الحقوق، لذلك نراه مرتاحاً أكثر برفقة فلاديمير بوتين مما تكون عليه حاله برفقة أوباما، ونراه يتعامل مع الحكام الطغاة (العرب والروس والصينيين والأتراك) بصورة أفضل من تعامله مع قادة ديمقراطيين منتخبين.  

•ومن الأمور التي تبعث على السخرية أن نتنياهو ليس رجل سلام، لكنه اليوم قريب من العديد من جيراننا العرب أكثر بكثير من أنصار السلام المعروفين. نتنياهو خريج جامعة MIT في بوسطن ولكن لا علاقة له ببوسطن كما هي في زمننا الحالي. وبينما يربطنا زعيمنا المتحدث بالإنكليزية بالعالم العربي بصورة غير مسبوقة، فإنه أيضاً يبعدنا عن العالم الحر بصورة غير مسبوقة وخطرة.