•في ميزان الربح والخسارة لاتفاق المصالحة الإسرائيلي - التركي، فإن الدولتين هما المستفيدتان الأساسيتان من نجاح نتنياهو وأردوغان في تبديد الغيوم التي ظللت العلاقات الثنائية في السنوات الأخيرة، وفي إعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي.
•ومثل أي صفقة سياسية فهي تسوية تنازل فيها كل طرف عن شيء ما من أجل الطرف الآخر. فقد اعتذرت إسرائيل عن قتل مواطنين أتراك، لكنها امتنعت عن تحمل مسؤولية الحادث واكتفت بالتعبير عن أسفها لما نتج عنه. وتعتبر التعويضات التي أعلنت القدس استعدادها لدفعها إلى المصابين الأتراك تافهة بالمقارنة مع حجم العلاقات الاقتصادية بين الدولتين ومع الربح الذي تحصل عليه إسرائيل من هذه العلاقات. من جهتها تراجعت تركيا عن جميع المطالب السياسية التي قدمتها إلى إسرائيل. وأعربت عن استعدادها للعمل بالتعاون مع القدس وليس بطريقة أحادية الجانب، في إطار نافذة الإمكانات التي فتحتها إسرائيل أمام دول وأطراف دولية مهتمة بتقديم مساعدة انسانية إلى قطاع غزة.
•صحيح أن الاتفاق لا يغير النظام القائم في المنطقة، ولا يشكل بداية شهر عسل بين الدولتين، لكن مما لا شك فيه أن الربح السياسي والأمني والاقتصادي للدولتين من تطبيع العلاقات بينهما يوازي ثمن التسوية بل يفوقه.
•وما لا يقل أهمية هم الخاسرون الكبار من الاتفاق، ومن بين هؤلاء إيران، وحزب الله، وحتى حركة "حماس" التي فشلت في تحويل الأزمة التي نشبت بين القدس وأنقرة إلى هاوية لا يمكن ردمها، والتي أيضاً فشلت في تحويل التوتر السياسي بين الدولتين إلى حرب باردة يمكن أن تتدهور إلى مواجهة سياسية، واقتصادية، وربما عسكرية أيضاً. وهذا التوجه الخطر الذي لم تكن إسرائيل ترغب فيه، نجحت القدس في كبحه.
•ويجدر بنا في هذا السياق الاشارة إلى أنه بخلاف الانطباع السائد لدى كثيرين في إسرائيل، فإن "حماس" ليست موجودة في جيب أنقرة ولا تنصاع إلى املاءاتها بصورة عمياء. وأن تكون لـ"حماس" ممثلية في موسكو لا يجعل بوتين السيد الآمر لخالد مشعل. أنقرة، موسكو، والرياض هي جزء من منظومة دعم سياسي ترغب "حماس" في أن تبنيه لنفسها، وهذا ما يتعين على إسرائيل مواجهته. والخلاصة من هذا كله أن القدرة الإسرائيلية في الحصول على تنازلات من "حماس" كجزء من الاتفاق مع تركيا محدودة أو غير موجودة منذ البداية. لذا يمكن القول إن التفاوض أو الحوار بين إسرائيل و"حماس" يجب أن يجري مباشرة أو بواسطة وسطاء، وليس منطقياً أن تحول إسرائيل علاقاتها مع جيرانها إلى رهينة في يد مشعل وهنية.
•لن يعيد الاتفاق إسرائيل وتركيا إلى أيام الحلف الاستراتيجي الذي كان بينهما قبل عقدين، لكنه يشتمل على ما يسمح بإعادة ترسيم الخطوط العامة المعروفة للشرق الأوسط المقسم بين دول وتنظيمات راديكالية تشكل عداوتهم لإسرائيل الحجر الأساس في كل خطوة من خطواتهم؛ ودول معتدلة مثل إسرائيل، ومصر وتركيا بالإضافة إلى الأردن والسعودية التي تقيم بينها حواراً استراتيجياً وعلاقات اقتصادية وتنسيقاً أمنياً.
•إن الحاجة إلى التوصل إلى تفاهمات بين إسرائيل وروسيا، ومصر، وحتى اليونان وقبرص، أعاق ربما الاتفاق، لكن هذا كان ضرورياً من أجل المحافظة على توازن القوى الإقليمي. والدليل على ذلك امتناع روسيا عن قطع علاقاتها مع أنقرة بعد إسقاط الجيش التركي للطائرة الروسية قبل سنة، ووجود سفارة لليونان في العاصمة التركية. ومعنى ذلك أن تطبيع العلاقات بين إسرائيل وتركيا لا يشكل خطوة يمكن أن تلحق الضرر في المستقبل بعلاقات القدس مع أصدقائها الجدد - القدماء في المنطقة.
•وفي الحقيقة، ما تزال مصر تعتبر تركيا خصماً مراً وهي ليست مستعدة لتطبيع علاقاتها معها، لكن القاهرة مستعدة للاعتراف بأن أهمية اتفاق المصالحة الإسرائيلي - التركي لا تكمن تحديداً في ما يعنيه هذا الاتفاق بالنسبة إلى علاقة إسرائيل بتركيا، بل في ما يعنيه بالنسبة إلى تركيا، التي لن تبقى دولة تحاول استخدام المشكلة الإسرائيلية كأداة تستغلها باسم الإسلام من أجل بسط سيطرتها ونفوذها على المحيط العربي والإسلامي، وستتحول من الآن وصاعداً إلى دولة تعرف حدودها ومصالحها السياسية التي تتطلب منها ضبط النفس والبراغماتية، وتفرض عليها حواراً مع إسرائيل.